كل أنظار الإخوان في المنطقة والعالم منصبة حاليا علي غرب ليبيا، وكل أصواتهم وأقلامهم وأبواقهم وجيوشهم الإليكترونية مجندة لقلب الحقائق، وإظهار الجيش الوطني في صورة المعتدي الآثم ، والميلشيات الإرهابية في صورة القوة الوطنية المدافعة عن الحزية والديمقراطية ومقومات الدولة الوطنية ، والدخيل التركي على أنه نصير الشعب الليبي الذي لا يهمه إلا نصرة الدين والدفاع عن حقوق المضطهدين، ومرتزقته المستجلبين من شمال سوريا على أنهم مناضلون من أجل تحرير ليبيا من جيشها وشعبها. 

كان الإخوان في العام 2011، ينظرون إلى ليبيا على أنها ستكون بيت مال الخلافة والرابطة بموقعها الجغرافي المؤثر بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وساحلهم الممتد المفتوح على جنوب أوروبا، وبوابتهم  المفتوحة على دول الساحل والصحراء وعموم القارة الأفريقية التي لا تخلو بدورها من فروع للجماعة، ولعل الجميع يذكر دعوة القرضاوي بعد يوم من مقتل الزعيم القذافي ، إلى إعلان قيام اتحاد الجهموريات الإسلامية بين مصر وليبيا وتونس، في انتظار التحاق بلدان أخرى بالركب.

ولكن بعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر في الثالث من يوليو 2013، أصبح هناك رهان آخر على ليبيا وهو أن تتحول الى خنجر في خاصرة مصر ، لينطلق منها مشروع ضرب أرض الكنانة والثأر من شعبها الذي أطاح بالجماعة، ومن الجيش الذي سانده في ذلك، وتحول الشرق الليبي إلى ملجأ للإرهابيين من كل دول الجوار، وساحة للتآمر على الدولة المصرية، وكانت درنة بالذات منطلقا للإعداد لتشكيل ما سمي آنذاك بالجيش المصري الحر، على غرار الجيش السوري الحر،  بدعم قطري تركي لم تكن إيران بمعزل عنه ، لكن إطلاق عملية الكرامة في منتصف مايو 2014 سارع بالقضاء على المشروع.

تحرر شرق ليبيا من الإرهاب وأسقط  الجيش حسابات الإسلام السياسي في ماء المتوسط ، أو دفنها في الصحراء الشرقية ، وقام في بداية العام الماضي لتحرير الجنوب ، وأنطلق في أبريل 2019 لتحرير العاصمة ، وصادف أن تزامن ذلك مع إطاحة السودانيين بحكم الإخوان الذي كانت له أياد ملوثة بدماء الليبيين ، فأصبح الرهان على منطقة غرب ليبيا مضاعفا ، خصوصا وأن إقليم طرابلس مجاور لتونس الخاضعة بدورها لحكم الإخوان من خلال حركة النهضة الاسلامية ، والتي لا يمكن فصلها إقتصاديا أو إجتماعيا عن جارتها الجنوبية الشرقية ، وبات هناك يقين لدى الإخوان في العالم أن خسارة الحكم في مصر والسودان، لا يجب أن تتفاقم بخسارة النفوذ في ليبيا.

يعتقد  إخوان تونس أن وصول الجيش الليبي الى الحدود المشتركة قد يمثل خطرا على مصالحهم ، خصوصا أن المزاج الشعبي التونسي وخاصة في مناطق الجنوب قد يتغير ، وأن التعاون الإقتصادي والتجاري قد لا يعود الى ما كان عليه سابقا أو حتى الى ما هو عليه الأن ، وهذا يعني أنهم سيتأثرون سلبيا بإستبعد الإسلاميين من حكم طرابلس ،

بدوره يعتقد النظام التركي، الذي أفسد علاقاته بأغلب الدول العربية وخاصة ذات الثقل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كمصر والسعودية والإمارات، أن سيطرة الجيش على ليبيا ستنهي أحلامه ببسط نفوذه عليها، وعلى وعلى قرارها السيادي وثرواتها، وستطيح بتطلعاته لنيل القسط الأكبر من صفقات مشاريع إعادة الإعمار والتبادل التجاري، وستجعله يخسر المجال الليبي سواء كان بحريا يختزن ثروات الغاز والنفط، أو صحراويا مفتوحا على دول الجوار الإفريقي.

أما قطر فلا تريد أن تفقد ما بقي لها من أطماع القيادة والريادة في مستوى دول ما سمي بالربيع العربي، خصوصا بعد أن فشلت في سوريا، انهزم مشروعها في مصر، وخرجت من اليمن تجر أذيال الخيبة ، ووجدت في تونس قوى مدنية سياسية ونقابية منعتها من التغلغل في الدولة والمجتمع إلا بمقدار ، ثم خسرت موقعها في السودان ، ولم  تبق لها إلا ليبيا التي طالما راهنت على أنها تجعل منها دولة تابعة بقيادة راضحة  لأوامر ديوانها الإميري

مع اقتراب الجيش من تحرير طرابلس ، ارتفعت أصوات الإخوان محذرة من إنهيار الجدار الأخير ، وبدا واضحا أن الجماعة شعرت بالخطر ، وأدركت أن وصول المشير خليفة حفتر الى قاعدة بوستة أو طريق السكة ، يعني نهاية طموحات الجماعة في حكم ليبيا ، كما يعني إنتصار محور الإعتدال العربي الذي يناصبه الإخوان العداء ، لذلك أعلنت الجماعة أن الحرب حربها سواء من خلال التدخل التركي الأردوغاني بالسلاح والنرتزقة ، أو التدخل القطري بالمال والأبواق والمساومات السياسية ، أو من خلال الحملات التي يقودها الإخوان في كل مكان ضد الجيش وداعميه، ومحاولة التأثير في الرأي العام الداخلي والخارجي بالافتراءات التي لم تعد تجد من يصدقها.

إن طرابلس اليوم هي الرهان الأخير للإخوان، وتحريرها لن يكون مجرد هزيمة لقوى الإسلام السياسي، بل عودة إلى حجمها الحقيقي، فالإسلاميون وإن كان لهم وجود في دولة كليبيا، فإنه لا يعطيهم شرعية الحكم، نظرا لضعف حضورهم ، ورفضهم من قبل الأغلبية الساحقة من المجتمع، ولارتباطاتهم بمشاريع عابرة للحدود، لا تضمن سيادة الدولة ولا وطنية القرار، وكذلك لثبوت تورطهم في الإرهاب وهدر مقدرات البلاد والاستعانة بقوى خارجية لمقاتلة أبناء وطنهم.