بين الترف والفقر خط فاصلّ، يجعل أصحاب كلّ منهما في واد مختلف عن الآخر، ولكن ثمة ظروف تفرض على كلا الطبقتين أحياناً أن تلتقيا في المكان ذاته، لينظر كلّ منهما إلى اختلاف الآخر بطريقته، ولعل الشباب هم أكثر من يفرض الواقع عليهم أن يكونوا ـ باختلاف وضعهم المادي ـ في المكان ذاته..  
وكل منا يعلم أن الجامعة مركز يشع دائماً بالحيوية والنشاط والتفاعل... والأكيد أنّ هموم الطلبة المغاربة ومشكلاتهم من الأمور التي يجب ألا يغفل عنها أي باحث في موضوع الحياة الجامعية، وهذه المشكلات تتوزع بين مشكلات اجتماعية واقتصادية ونفسية.... إذ إن الطلبة هم اللبنة الأولى لبناء الجامعات، ولولا طلبة العلم لما كانت هناك جامعات.‏‏ وبين سخرية أو شفقة الأثرياء من جانب، وحسد أو تعفف الفقراء من كلّ حدب وصوب، فهناك لا فاصل بين الطبقتين، فكلاهما يجلسان على المقاعد ذاتها، ويسيران في الممرات ذاتها، وهناك أيضاً يوجد من يفكر بصوت عال، فهو دائماً لديه ما يقوله لابن الطبقة الأخرى.. وبين السلب والإيجاب تعدّدت آراء الشباب.  
ظروف الحياة أنجبت فقراء معدومين يحلمون بما يسهل على الأثرياء الحصول عليه، لتختلط المشاعر والأفكار في نفس الفقير... وهنا، يلعب الإحساس بالظلم دوره، كما لعب دوره في حياة  ''لمياء'' (26 عاماً) فهي تُحمّل الأثرياء مسؤولية كل ما تعانيه من مآسي وهموم فقرها، وبحدّة تؤكد أنّ معظم زملائها في الجامعة، من أبناء الطبقة الرفيعة، لا يستحقون ما هم عليه.. وتضيف الشابة: (انظروا إلى سخرية الحياة، فأنا لا أحمل في جيبي يومياً أكثر من 20 درهم، ومع هذا، أنا متفوقة في دراستي، أما جيوب زملائي مملوءة، وفوق هذا، هم فاشلون في دراستهم، وفي كل شيء، لأنّهم سطحيون)... بالمثل يقول ''طارق'' (19 عاماً): (الشبان الأثرياء سطحيون وتافهون، لا يحملون سوى همّ ملء بطونهم وجيوبهم والتفاخر والتنافس على ''من معه أكثر)"...  
لا شكّ في أنّ التعميم في كلام كلّ من ''لمياء وطارق'' فيه شيء من المبالغة، هذا ما حاولت تأكيده ''ياسمين'' (23 عاماً) وهي واحدة من أبناء الطبقة الفقيرة، تقول ياسمين: (إن كان الشاب ثرياً، فهذا لا يعني أنّه شخص سطحي، فهناك فقراء أيضا تافهون وعيونهم لا يملؤها إلا التراب)... وغالباً ما ترتسم ملامح ضيق الحال على مظهر الشباب الخارجي، يقول ''أيمن'': (نحن الفقراء لا نغيّر ملابسنا القديمة)...  
يبدو أنّ علامة الطالب الثري الفارقة هي أيضاً مظهره الخارجي، فالطلبة أبناء الأثرياء ـ كما تقول ''وداد'' ـ يبذخون على أنفسهم كمّاً ونوعاً، ليكون هذا البذخ سبباً في شعورها ومثيلاتها بالعجز والخجل أحياناً، وتضيف الشابة: (مظهري يجعلني أخجل عندما أقف أمام زميلة لي وهي ترتدي الملابس الفاخرة)... وتُعلّق صديقتها ''لبنى'': (نحن نشعر بالخجل بسبب نظراتهم وتحقيرهم لنا، فهم يحكمون علينا من مظهرنا الخارجي وطريقة حياتنا، وكأنّنا اخترنا أن نكون فقراء)... من ناحية أخرى، يؤكّد أصحاب الدخل المحدود أنّهم لا يواجهون أيّ مشكلة مع اختلاف الطبقات، كما تقول ''بشرى'': (أنا من طبقة فقيرة، وأعزّ صديقاتي من أكثر الطبقات ثراء، وكلّ منا تتعامل مع الأخرى وكأنّها من ذات الطبقة... أمّا عمّا تحدّث عنه زملائي، فهو موجود فعلاً، ولكن الأمر يعود إلى كون الشباب من محدثي النعمة).. ''.  
''رضى'' تحدّث هو الآخر عن نظرته إلى الفقراء بقوله: (أنا ابن عائلة ثرية، لكنّني لا أنظر إلى الفقراء على أنّهم دوننا، فقد أكون مكانهم يوماً، وقد يكونون هم في مكاني)... في حين يقول ''سمير'': (أنا لا أسخر منهم، ولكنّني لا أفضّل أن تربطنا علاقة صداقة معهم، فنحن مختلفون في طريقة حياتنا)... جهل ''رباب'' ببعض أسماء الماركات والمقتنيات العالمية، دفع زميلاتها في الكلية إلى السخرية منها، وتؤكد ''رباب'' أنّ هذه السخرية لم تخلّف وراءها سوى حقد واستحقار اتجاههم. وتعلّق ''جيهان'': (مع الأسف ـ أصبح المال فاصلاً بين احترام الناس لك أو عدمه، فمن معه المال فالناس إليه تميل، ومن معه الذهب فالناس إليه تذهب). (الفقر ليساً عيباً، إنّما العيب هو في ظنّ البعض أنّ مالهم أو فقرهم هو ما يقيّمهم) هذا ما قالته '' ''ضحى'' (25 عاماً) مضيفة: (أتعامل مع زملائي حسب طباعهم ونفسيتهم، لا حسب فقرهم أو ثرائهم).''يوسف'' أيضاً يقول: (أن أكون فقيراً لا يعني أنّني أقل شأناً من غيري)...
للفقراء والأثرياء الشباب شللهم، كما وصفت ''منال'' بقولها: (تقرّبت من أبناء الطبقة الثرية، كما تقرّبت من أبناء الطبقة الفقيرة، وهنا لا أريد التعميم، لكن الطالبات الثريات لا يتحدّثن سوى عن ما هو مرتفع الثمن، بل ويتنافسن أيضاً في ذلك... أمّا الفقيرات من زميلاتي، فهن أيضاً يتحدّثن عن الملابس والعطورات وغيرها، ولكن بحسرة وتمنّ)... ''منال'' لم تثبت على طبقة لتصادق الجميع، فهي كما تقول، ابنة أستاذ في مدرسة خاصة، راتبه لا يكفي مصروف البيت، إلاّ أنّها تحاول أن لا تظهر فقرها، بل إنّ البعض يظنّ أنّها ثرية أو من الطبقة المتوسطة على الأقل.
الحكاية مع ''ريم'' كانت بالعكس، فهي شابة من عائلة ثرية، لكن ثراءها يدفع بعض الفقراء إلى التعليق عليها، حركاتها وسكناتها... وتضيف ريم: (كثيراً ما كنت أسمع تعليقات زميلاتي في أذني، وهم يصفونني ب ''بنت الحاج طنان وعاجبها راسها''، على الرغم من أنّني لا أتعالى على أحد)... وعن نظرتها هي إليهم أجابت: (قد أنتقد البعض على شيء ليست له علاقة بالفقر، وإنّما بطريقة حياتهم الخاطئة)... (لا يشعر بالفقر إلا الفقير) هكذا يقول ''عماد''، فهو عانى ـ على حدّ تعبيره من تعليقات زملائه على ملابسه وعلى كونه لا يستطيع أن يعيش مثلهم: (هم لا يعرفون معنى أن يضطر المرء لأن يختصر من وجبات طعامه لكي يستطيع الوصول إلى الجامعة، فيسخرون من طريقة حياتنا... عندما أنظر إلى المترفين أشعر بفقري وأكره نفسي)...
السخرية استبعدتها ''حنان''، لتستبدلها بالشفقة، فهي تقول: (أشفق على زميلاتي اللاّتي لا يستطعن الحصول على أقلّ متطلبات الحياة لغلاء المعيشة... لم أكن في مكانهن يوماً، لكنّني أستطيع أن أشعر بما يشعرن، فهن فقيرات بحكم ظروفهن، لكن كثيراً منهن ثريات بطيبتهم وبساطتهن، لدرجة أنّك لا تشعر بفقر البعض)... كثيرون يتعاملون مع ابن الطبقة المناقضة على أنّه الآخر، ولكن هذا لا يعني بالمطلق أنّ هذه الحالة عامة على كلا الطرفين، فهناك من ظلّ يتعامل مع الآخر كإنسان لا كجيب ممتلئة. ''عمر'' أيضاً يرفض فقره ولا يرفض في الوقت ذاته وعما يقصده عمر بقوله أجاب: (من الطبيعي، كوني طالباً جامعياً، أن يكون من حولي من الأثرياء والفقراء، لكنّني أكره أن أشكو الفقر أمام الأثرياء فيظنون أنّني ''أتسول''، ولكن إن سألوني لا أنكر فقري، لأنّ الفقر ليس عيباً، فأنا أحمل طموحات وأحلاماً كبيرة لأكون ذا شأن بعد تخرُّجي في كلية الهندسة...).