عائشة المغربي، شاعرة ليبية من جيل الثمانينات من القرن الماضي، الذي يرى الكثير من المهتمين بالحركة الشعرية الليبية أن ذلك الجيل ظلم، إذ لم تكن هناك قراءة نقدية متابعة لتجارب شعرية لامست واقعها. أسست منظمة “فال” وهدفها الدفاع عن حرية الفكر والإبداع، وحركة “النساء قادمات” وهي حركة ترفض كل أشكال العنف ضدّ النساء. صدر لها “الأشياء الطيبة” و”البوح بسر أنثاي” و”أميرة الورق” و”صمت البنفسج” و”أوهام الغبار” و”بائعة الزهور”. “العرب” التقت بعائشة المغربي لتتحدث إليها حول الكتابة وهمومها وعن روايتها الأولى “يحدث”، بالإضافة إلى الحديث عن ليبيا الوطن الذي رسمته يوما في نصها الشعري منحازا للمهمشين، فكان هذا الحوار.

عندما سألت الشاعرة عائشة المغربي ذات مرة عن أن هناك تردّدا طفوليا بين ألفاظها الشعرية قالت: «هناك محاولة أن أكون بوجهي ولا أكون بوجه آخر يشبهني، دائما أحاول التأكيد على هذا، وسيلتي اللغة، دائما أحاول التجريب، وأن أختار لكل حالة اللفظ الذي يستطيع أن يعبّر عنها».

 

أنحاز إلى المبدأ

عن تجربتها الشعرية ونصوصها الحاملة لهموم الوطن، ولمشاغل المواطن الليبي، تقول المغربي: «إني شغوفة بتجدّد تجاربي، ونصوصي لا تشبه بعضها ولا تريد أن تتكرر ولا تسمح للون واحد بأن يطبعها، أشكل نمطا كي أخترقه في نص آخر لكنني لا أتعمد لعبة الشكل. أجعل دفق قلبي وأفكاري، وحدائق الواقعيّ الموحشة والجميلة، وتفاصيل اليوميّ الحزينة والمبقعة ببعض الفرح، ومواقفي وتأملاتي وأحلامي وأوهامي -وما أكثرها!- وثروتي من القراءة، نبضا يتجلى من خلاله شعري».

وتضيف المغربي قائلة: «أحلم أن يكون وطني ليبيا حرّا، تسوده المحبة والسلام والجمال، بحيث يهتز الكون من نعومة الصباح، الذي يظهر متجليا في الشعر والموسيقى، وفي الكتاب الذي يرافق أيادي الإنسان، فتصبح المعرفة هي معركة الإنسان الذي يناضل من أجلها، تلك المعرفة التي تجعل للحياة معنى ومن الكرامة الإنسانية هدفا، دون إقصاء أو تهميش أو ظلم. المبدع عليه أن يساهم في رسم جوهر هذا الكون وأن يناضل من خلال ما يكتبه وما يعيشه كي يكون وفيا لهذا المبدأ، في مواجهة عالم تغوّل وصار أكثر بشاعة ضدّ الإنسانية باسم الأديان والمصالح والقوى المتصارعة للسيطرة على الكون. أن ينحاز للمهمشين وللمظلومين وللفقراء وللمساكين الذين قذفت بهم الحياة في الطرف المنسي من الصورة». وتتابع المغربي قولها: «في تجربتي الإبداعية انحزت إلى المبدأ ولم أكن منحازة إلى الأشخاص، وناضلت كي أكون بوجهي الذي لا يشبه سواه. أتمنى أن تهادنني الحياة قليلا كي أمنح قلقي متعة التحقق في كثير من الأعمال التي أريد إنجازها».

وزارة عاجزة

 

ترى عائشة المغربي أن وزارة الثقافة الليبية لم تخرج عن دورها الإداري النمطي ولم تقدّم للمثقف والمبدع ما يساندهما، إلا أن المغربي تظل عاقدة الآمال على منظمات ومؤسسات أهلية ثقافية إن وجدت الدعم والمساندة ويصبح لها دور هام في الثقافة الليبية منها مؤسسة آريتي ومنظمة فال للدفاع عن حرية الفكر والإبداع وغيرها.

وعمّن ترتاح إليه رفيقا عند كتابة الشعر، تقول المغربي: «الدهشة رفيقتي في الشعر ممثلة في أسئلة سهلة كأسئلة الطفل البريئة، لكنها تضعك في حيرة الفكر الفلسفي، متشابكة في مجموعة من الصور تبهجك بقلق دون كثير من التعقيد. هكذا أقرأ الشعر قبل أن أكتب نصوصي، كما أحسّ بها تمتلئ بالقلق وبروح الأسئلة التي لا تتوقف على إجابة واحدة ولا تنتهي إلا بتوالد أسئلة أخرى، إنها تمضي دائما سابقة خطوات العمر ترصد أفق الغيب وتتلمس خيوط الضوء، لا أطمح إلى الوصول، ذلك لأن الوصول هو النهاية، لكنني شغوفة بتجدّد تجاربي».

 

الثقافة الذكورية

الأنثى الشاعرة، أو الشاعرة الأنثى وما يجمعهما هو الحس الشعري، وهي معادلة قد يحسبها البعض تكريسا لسلطة الذكورية، التي أشارت إليها المغربي، عندما تقول: «كثيرا ما يوجه لي هذا السؤال، ودائما أشتم منه عنصرية الثقافة الذكورية المتجذرة فينا، وأنا كمدافعة في نصوصي وفي حياتي كذلك منذ تشكل وعيي الأول بحقوق الإنسان والمساواة، أجد في النص روح المبدع أو المبدعة كذات ومواقف وتجربة وثقافة وإنسانية بصرف النظر عن جنسه وعرقه ولونه. فأنا أرصد حس الأنثى وحس الذكورة وحس الطفل وحس الشاعر والشاعرة، أنتهك قوانين اللغة التي تؤسس لثقافة ذكورية؛ تلك المسألة هي محور النقاش، كيف تكتب عائشة!».

 

الإسلاميون كارثة حقيقية

عن موضوع وصول الإسلاميين إلى السلطة في ليبيا. هل سيقود للتغيير؟ وماذا عن المرأة الكاتبة في ظل هذه السلطة، تقول المغربي في هذا الشأن: «الإسلاميون، يعني تلك الأيديولوجيا التي تستخدم الدين الإسلامي ومصطلح الشريعة كي تؤسس سلطة سياسية أحادية الاتجاه تقصي كل من لا يؤمن بهذه الأيديولوجية وفرضها بالقوة كمصدر وحيد للتشريع أو المصدر الأساسي هذا هو تعريفي لحزب يستخدم الدين الإسلامي من أجل الوصول إلى السلطة، وهذا مرفوض بالنسبة لي، لتلك الأسباب التي يتخذها لوصوله “دين- إقصاء الآخر- فرض رؤية واحدة”. ومن هذا المنطلق تصبح كل سلطة تنفي الآخر أو تقصي الآخر مرفوضة. لأن نجاح حكم ما في السلطة لا بدّ أن يعتمد الديمقراطية والتنوّع والحوار».

وتضيف المغربي قائلة: «بالنسبة لانعكاس وصول الإسلاميين إلى السلطة أعتبره كارثة حقيقية على حرية الفكر والإبداع وخاصة “الكاتبة” والكاتب أيضا، لكن خاصة الكاتبة باعتبار أن السلطة الدينية تستفرد بالمرأة من خلال قوانين ومحظورات وحشية تطال وجودها وحريتها الشخصية. وفي الكاتبة وفاء البوعيسي خير مثال على ذلك حيث كُفرت وحوكمت من خلال بطلة روايتها “للجوع وجوه أخرى”».

وعن روايتها الجديدة الصادرة في القاهرة “يحدث” وعن أجوائها، وهل هي بداية خيانة الشعر؟ تقول المغربي: «الرواية اسمها “يحدث” كتبتها أثناء إقامتي بفرنسا ما بين عامي 2000 و2003 ، وهي ضمة من الحنين والأشواق والأسئلة واستعادة لوجه بنغازي وما مرّ بها من أحداث رهيبة كنت شاهدة عليها من خلال قصة حب عنيفة ودامية. كتبتها متنقلة بين محطات كثيرة في فرنسا، باريس وبزنسون وغيرهما».

وتتابع المغربي قولها: «لم تكن كتابة الرواية خيانة للشعر بل كان الشعر دائما طريقي المميز الذي من خلاله أبني كوني الخاص وأعيد خلق العالم لكنني حتى في شعري أكون ساردة. أحب السرد ولديّ الكثير من النصوص الشعرية أعتمد فيها السرد كأهم آلية للكتابة ولديّ مجموعة قصصية بعنوان “أوهام الغبار” لم تصدر بعد رغم أغلب نصوصها قد كتبت في فترات قديمة خلال التسعينات وما بعدها وكذلك مسرحيتي “بائعة الزهور” التي صدرت عام 2013 ، مع هذا أنا أقرب إلى الشعر مني إلى الرواية أو القصة وبعد الشعر أقترب من المسرح لكن حتى في الرواية والمسرحية والقصة أجدني الشاعرة بامتياز؛ هذا ما أّحسّ به في قرارة نفسي. ربما القارئ له رأي آخر».

 

*نقلا عن العرب اللندنيةالشاعرة