أصبح الاختطاف مشكلة متزايدة في ليبيا، حيث تتنافس ثلاث حكومات وعدة ميليشيات على السلطة. وكانت رنا جواد مراسلة بي بي سي في شمال أفريقيا تحدثت مع أشخاص متضررين شخصيا.

"اختطف والدي أمس"

هنا، في وضع مريح وآمن في تونس المجاورة، يبدو انعدام الأمن الذي يجتاح ليبيا وكأنه في مجرة أخرى .

مكالمة أولى ، ثم مكالمة أخرى، وثالثة.. حوالي اثنتي عشرة مكالمة في أقل من ساعة.

تقف، وملامحها في تغير، ممسكة بالهاتف، تحاول إعطاء معنى لما جرى إبلاغها به. تسير لبعض الخطوات، تصطدم  بكرسي المطبخ، وفي نهاية المطاف تجلس بهدوء مرة أخرى.

في ليبيا بعد الثورة، تقوم عصابات مسلحة أو ميليشيات شبه رسمية باختطاف الناس. وتختلف الدوافع، من الفدية، والانتقام، إلى السياسة، ولكن الدمار والعجز اللذين تعاني منهما أسر الضحايا هو نفسه.

لقد تعرفت على هذه التجربة المباشرة من خلال ، لينا (وليس اسمها الحقيقي).

لقد تم اختطاف والدها ، سالم بيت المال البالغ من العمر 68 عاما، وهو أستاذ جامعى. وبعد ستة أسابيع، لا تزال الأسرة غير متأكدة تماما من الجماعة المسلحة التي أخذته أو لماذا. لكنها علمت أنه تم العثور على سيارته مهجورة على جانب طريق غرب العاصمة الليبية طرابلس.

الإحصاءات الرسمية غير متوفرة ولكن الكثير من الليبيين الذين أعرفهم إما لديهم خبرة مباشرة باختطافهم أو أنهم عانوا من اختطاف أحد أفراد العائلة أو صديق. ومعظم الأسر لا تتحدث، خشية أن يقتل أو يعذّب أحباؤها في الأسر إذا أعلنوا عنهم.

فماذا يحدث بعد الاختطاف؟

فراغ السلطة في ليبيا يعني أنه في حالة الطوارئ، يمكنك استدعاء صديق، جار، وأي ميليشيا محلية تحت الشمس الليبية.

خلال الشهر الماضي، شاهدت لينا تعاني وهي تحاول ما يشبه التحقيق ، وغالبا ما يستتبع ذلك التحدث إلى أشخاص لا تثق بهم. الأسرة لديها مجموعة من العناوين التي تتصل بها ، لكنها تبقى غريبة.

في بعض الأحيان، كانت ، كما تقول ، تبدو وكأنها تسير في دوائر مغلقة تجرها ببطء إلى دوامة من التضليل.

وتتابع: "ليس هناك مؤسسات يمكن أن تلجأ إليها لحماية المواطنين وخدمتهم، وبالتالي يضطر المواطنون ليأخذوا الأمور بأيديهم".

"لكن في الوقت نفسه هناك شبكة اجتماعية قوية تعوض بمعنى ما هذا النقص، وهذه هي الطريقة التي كان الليبيون يتعاملون بها مع كل شيء".

وتزايدت عمليات الخطف في ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية.

الإحصاءات الحالية غير متوفرة، ولكن في عام 2015 ذكرت جمعية الهلال الأحمر الليبي أن أكثر من 600 شخص قد فُقِد أثرهم بين فبراير 2014 وأبريل 2015.

ولا أحد في مأمن - فالضحايا يتراوحون بين السياسيين والنشطاء ورجال الأعمال والأطباء والأطفال. والقصص كلها مأساوية لجميع هؤلاء.

عبد المعز بانون، وهو ناشط رفيع المستوى مناهض للميليشيات، اختفى من طرابلس في أواخر صيف عام 2014، واعتبرته منظمات حقوق الإنسان غير قابل للتعقب منذ ذلك الحين.

وهنا في تونس، التقيت بشابة ليبية هربت أسرتها بأكملها من وطنها بعد اختطاف أحد أقاربها وقتله.

جابر زين، الناشط السوداني الذي نشأ في ليبيا، اختُطف من قبل جماعة مسلحة خارج مقهى في طرابلس في أواخر سبتمبر.

وحدث ذلك بعد أن قاد مناقشة جماعية حول حقوق المرأة. ووصفت جماعات حقوق الإنسان حالته بأنها "اختفاء قسري".

"نحن مثل الأحياء الموتى"، يقول أخوه عبر الهاتف من أبو ظبي، حيث يوجد حاليا. ولا تزال أسرته في طرابلس.

وبعد بضعة أسابيع، نفى لواء الميليشيات التي كانوا يعتقدون أنها تحتجزه أن يكون في قبضتهم. وتعتقد عائلة زين أنه اختفى قسرا بسبب نشاطه.

ويوضح شقيقه: "كلما استغرق الأمر وقتا أطول، كلما قلّ عدد الاتصالات بالمقارنة مع البداية".

وحتى أكثر الناس نوايا حسنة يخشون في كثير من الأحيان من أنهم إذا قدموا مساعدات بهذا الشأن، فسيكونون قريبا أهدافا للاختطاف.

وبعد وعود عديدة بالمساعدة ، سرعان ما تتوقف الهواتف عن الرد ويغيب الرد على الرسائل.

لينا وعائلتها الآن على دراية بهذه الدورة أيضا.

وتقول لي: "لقد حشدنا عمليا البلد بأكمله، ونتحدث إلى كل من يمكن أن نفكر فيه من كبار الناس في الحكومة، والميليشيات، ونحن نمتلك وعودا لكنها فارغة".

وسواء أكانت هذه العمليات اختطافا أو اختفاء قسريا أو اتجارا بالبشر، فقد أصبحت راسخة في بعض المجتمعات المحلية.

حنان صلاح، باحثة بارزة في مجموعة هيومن رايتس ووتش، زارت مؤخرا ليبيا لتوثيق حالات الاختطاف. وقد بحثت هذه القضايا في البلاد لعدة سنوات، ولكن تدهور الأمن والأخطار التي يتعرض لها المدنيون لا يزال مفاجئا لها.

وقالت: "لقد صدمت حقا بتطبيع الجريمة، ولا سيما بارتفاع عدد عمليات الاختطاف للحصول على فدية، والابتزاز من قبل الميليشيات والعصابات المسلحة".

وتذكر على وجه الخصوص قصة أحد الضحايا ، قائلة : "السبب في اختطافه هو أن العائلة التي كان محتجزا فيها كانت تحاول دفع فدية قضية اختطاف أخرى".

كابوس وجودي

ما فاجأ لينا أكثر هو إدراك مدى سوء الأمور في بلدها.

"إذا ذهبت إلى ليبيا اليوم، خلال النهار ... طالما أنه ليس هناك اشتباكات في الشوارع، الحياة طبيعية، الناس يذهبون إلى المدرسة، والعمل، والتسوق.. والمقاهي والمطاعم غاصة بالرواد".

وتضيف: "يعطيك هذا شعورا زائفا بأن هناك في الواقع شيئا يبقي هذا البلد متماسكا".

وتتابع "ولكن بعد ذلك عندما توضعين في هذا الكابوس، تدركين أنه لا توجد مؤسسات يمكنك اللجوء إليها، وأن هناك انهيارا كاملا".

أسألها إن كانت غاضبة ، فتجيب :"أنا غاضبة جدا، ويغضبني أن لدينا ثلاث حكومات تدّعي كلها السلطة على الأرض، والواقع هو أنه ولا واحدة منها تملك سيطرة حقيقية".

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة