عبد الرزاق الكيلاني محام تونسي وعميد المحامين أثناء أحداث الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام بن علي في 14 جانفي 2014. ولد بالعاصمة التونسية في 25 جوان 1945.
درس الكيلاني القانون الخاص والقضائي. وتحصل على شهادة الدراسات المعمقة في الاختصاص من جامعة غرونوبل الفرنسية سنة 1978 وعلى شهادة الدراسات العليا المتخصصة في التأمين بجامعة ليون عام 1979 ليزاول بعد ذلك عمله كمحام ثم عميدا للمحامين التونسيين بين 2010 و 2011.
بعد سقوط بن علي شارك الكيلاني في حكومة الترويكا الأولى تحت رئاسة حمادي الجبالي وتقلد منصب الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع المجلس التأسيسي. كما تم تعيينه في حكومة مهدي جمعة كسفير بالمنتظم الأممي بجنيف.
قدم الوزير السابق في حكومة الترويكا ترشحه للانتخابات السياسية كمستقل بتاريخ 22 نوفمبر 2014 بعد حصوله على 11 تزكية من نواب المجلس التأسيسي منهم 6 نواب من حركة النهضة معتبرا أن حاجة البلاد إلى شخصية مستقلة على رأس مؤسسة الرئاسة هو ما دفعه إلى الترشح لمنصب الرئيس. معلنا في الأثناء عن برنامج انتخابي يراوح مكانه بين ضمان الأمن و الحريات وتفعيل التنمية وإعادة الهيبة للدولة التونسية. كما لمح إلى إمكانية مراجعة قرار قطع العلاقات مع سوريا واصفا هذا القرار ب " الخاطئ".
الكيلاني أكد كذلك أنه جاء خصيصا للتصدي لعودة رموز نظام بن علي وأنه سيعمل على قطع الطريق أمامهم من أجل تحقيق مطالب "الثورة" وفق كلامه. الأمر الذي لاقى استحسانا لدى أنصاره المنتمين إلى الترويكا المتخلية وخصوصا قواعد النهضة والمؤتمر وحركة وفاء وهم من المساندين للقطع مع نظام بن علي والرافضين إطلاقا لعودة رموزه لتصدر المشهد السياسي المقبل خصوصا بعد فوز حركة نداء تونس في الانتخابات التشريعية. وبالتالي تصبح مساندة رئيس جمهورية يتبنى منظومة القطع مع النظام السابق من تحصيل الحاصل بالنسبة لهؤلاء. في المقابل ترى فئة واسعة من التونسيين أن خطاب الكيلاني وغيره من معتنقي مصطلح الإقصاء هو خطاب سياسيوي بحت هدفه الركوب على الأحداث وتقسيم التونسيين إلى مجموعتين. في حين أن البلاد تحتاج إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، دون نسيان أن دعاة القطع الكامل مع الفترة البورقيبية والنوفمبرية هم تقريبا أقلية في تونس تنحصر في الجهات المحسوبة على الإسلاميين من القواعد لاسيما وأن القيادة أي حركة النهضة سبق وأن تخلت عن قانون الإقصاء وأعلنت أنها لا تعارض الدخول في حكومة تضم رجالات بن علي. هذه الخطوة وإن كانت تحسب للنهضة لأنها تمكنت وإن "مكرهة" من استيعاب خطورة تفعيل مشروع الإقصاء على الوحدة الوطنية، فإنها لا تنسحب على أطراف سياسية أخرى و كذلك بالنسبة لمرشحين للرئاسة ومن بينهم عبد الرزاق الكيلاني وعبد الرؤوف العيادي وغيرهم، وهي فئات ما فتئت تدعو إلى توخي هذا المنهج الذي أصبح لا يثير اهتمام التونسيين بل على العكس أصبح يحفزهم على التعاطف مع رموز بن علي اقتناعا حينا و نكاية في دعاة الإقصاء أحيانا.
وزير حكومة الترويكا في نسختها الأولى تعهد كذلك وعلى غرار باقي المترشحين لقصر قرطاج بتحقيق أهداف "الثورة" في التشغيل والتنمية في الجهات المهمشة. وهو تعهد قد يتحقق وقد لا يتحقق في حال فوزه بكرسي الحكم. ولكن السؤال المطروح حسب محللين هو كالآتي:" أين كان الوزير من التنمية عندما كان يمسك بدواليب الحكم"؟ ولماذا لم يحقق الوعود التي قدمتها حكومته آنذاك بالتشغيل ومقاومة الفقر"؟. كما أن الأغلبية الواسعة من التونسيين خاب أملها في حكومة الترويكا التي فشلت في تحقيق كل ما وعدت به بل عمقت وكرست أكثر المصاعب التي تعيشها البلاد بإضافة غول الإرهاب الذي تساهلت معه ولم تتعامل معه بالكيفية المطلوبة منذ البداية وبالتالي تتحمل المسؤولية في تغلغله، فكيف يمكن لهذه الأغلبية تجديد الثقة في وزير ينتمي إلى حكومة وسمت بالفشل والعجز لا سيما وأن هذا الفشل ينسحب آليا عليه بحكم انتمائه إليها وقتئذ.
الكيلاني مرشح الرئاسة المستقل لا ينسى أيضا وفي كل مناسبة خطابية تتاح له التذكير بتاريخه النضالي داخل عمادة المحامين ضد نظام بن علي إبان انطلاق الانتفاضة الشعبية وذلك لاستمالة ناخبيه. وإن لا يمكن إنكار هذا الإرث النضالي للكيلاني كمحام وكعميد. فإن هذا الخطاب يصبح ممجوجا إن تكرر أكثر من مرة لأنه يدخل في خانة المقايضة السياسية تحت شعار: "النضال مقابل الكرسي"، مما من شأنه إثارة نفور الناخب الذي يرفض هذه السلوكيات حتى مع إقراره بنضالية شخص ما. لكن هذه النضالية بدورها تدور حولها تشكيكات، حيث سبق وأن أفادت بعض الجهات الحقوقية وكذلك بعض الجهات المقربة من عمادة المحامين في 2011 أن الكيلاني قام بغلق باب العمادة أمام زملائه من المحامين المتظاهرين ضد النظام في ذلك الوقت. لكن الكيلاني كان قد فند ذلك مؤكدا أنه كان في الصفوف الأمامية للمحامين المحتجين إبان الانتفاضة. وفي الحقيقة كان لعمادة المحامين التونسيين في 2011 دورا محوريا في الإطاحة ببن علي ومساندة الشباب الثائر ضد التهميش والبطالة آنذاك.
عبد الرزاق الكيلاني مرشح الرئاسة المستقل، تدور حوله شكوك كذلك حول هذه الإستقلالية من عدمها، حيث أفادت بعض الجهات أنه مدعوم من حركة النهضة ومرشحها تحت غطاء الإستقلالية خاصة بعد أن حصل على تزكيات من ستة نواب من كتلتها بالتأسيسي. هذا الأمر وبغض النظر عن صحته من عدمها دعمه الكيلاني نفسه حين صرح بأن معايير ومضامين مبادرة الرئيس التوافقي التي اقترحتها النهضة تتوفر في شخصه إضافة إلى مناشدته مؤخرا لقواعد هذه الأخيرة بهدف التصويت له في الانتخابات. ويتوقع ملاحظون أن يحظى الكيلاني بدعم قواعد النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية خصوصا في جهة الجنوب التونسي أين فازت النهضة بأغلبية المقاعد في البرلمان القادم عن هذه الجهات. وهو ما يثير مرة أخرى جدلا حول استقلاليته وعدم انتمائه السياسي. على نقيض ذلك يصر الكيلاني على أنه مرشح مستقل ولم يكن له أي انتماء سياسي قبل 2011 وبعده.
الكيلاني أثير حوله جدلا أيضا خلال هذه السنة قبل عودته من مهمته الدببلوماسية بجنيف، حيث راجت أنباء حول استماتته في التمسك بمنصب مندوب تونس للأمم المتحدة بجنيف إثر قرار إنهاء مهامه الذي اتخذته حكومة جمعة نظرا لبلوغه سن التقاعد، حتى أن البعض أكد أن مرشح الرئاسة طالب بمنصب سفير في الدوحة مقابل التخلي عن منصب الأمم المتحدة على حد قولهم.
المراهنة على الملف السوري في برنامج الكيلاني الانتخابي قوبل كذلك باستهجان التونسيين الذي استغربوا منه هذا الموقف وتساءلوا: أين كان عبد الرزاق الكيلاني الحقوقي ووزير حكومة حمادي الجبالي عندما تم قطع العلاقات مع سوريا وطرد سفيرها؟ وعندما كان الشباب التونسي يجند ليكون حطبا في المحرقة السورية وفي حرب تخاض بالوكالة لصالح جهات معروفة"؟ وعندما استضافت تونس مؤتمر " أصدقاء سوريا" المشبوه؟. ولعل مراهنة مرشح الرئاسة على الملف السوري قد يكون أضره عوض نفعه كما كان يتوقع وذلك بغض النظر عن نواياه حسب متابعين.
حظوظ عميد المحامين المتطلع لحكم تونس تبدو متساوية مع كل المترشحين الذين يحملون سمات التوافق أو التوافقية التي كانت قد اقترحتها حركة النهضة. ورغم أن الوصول إلى الدور الثاني صعب إن لم نقل مستحيلا بالنسبة للكيلاني على خلفية خطابه الذي يرفضه أغلب التونسيين، فإنه سيحظى بدعم واسع من قواعد النهضة إن هو تجاوز "غصرة" الدور الأول.