مازال التدخل التركي،يلقي بظلاله على الساحة الليبية فبعد أن كشفت معركة تحرير طرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،حجم انخراط أنقرة في الصراع وذلك من خلال دعمها للمليشيات المسلحة الموالية لها،باتت تبحث عن شرعنة تدخلها من بوابة حكومة الوفاق التي يسيطر عليها تيار الاسلام السياسي الموالي لتركيا.
ففي تطور جديد أعلنت الحكومة التركية، توقيع اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، إضافة لاتفاق خاص بتعزيز التعاون الأمني والعسكري.وجاء ذلك غداة وصول  رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج إلى تركيا في زيارة غير معلنة على رأس وفد ذي طابع أمني عسكري، فقد ضم كلًا من وزير الخارجية محمد سيالة، ووزير الداخلية فتحي باشاغا، وآمر غرفة العمليات المشتركة اللواء أسامة جويلي، ووكيل وزارة الدفاع صلاح النمروش، ومستشار الرئيس للأمن القومي تاج الدين الرزاقي.
وقال وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، إن "اتفاقية التعاون الأمني تأتي في إطار تعزيز قدرة حكومة الوفاق على بسط السيطرة الأمنية والاستقرار حتى الارتقاء للمستوى الدولي"، وفق تعبيره.ونقلت وسائل إعلامية مقربة من حكومة الوفاق عن باشاغا قوله إن "مذكرة التفاهم مع تركيا تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتبادل المعلومات".وأشار إلى أن "المذكرة غطت جميع الجوانب التي تحتاجها حكومة الوفاق، والأجهزة الأمنية في أمس الحاجة لها لتطوير قدراتها".حسب قوله.
ومن جهته،أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم الخميس أن اتفاق الحدود البحرية الذي أبرمته أنقرة مع ليبيا يهدف إلى حماية حقوق تركيا بموجب القانون الدولي.وبحسب وكالة "رويترز" قال أوغلو في مؤتمر صحفي إنه لم يتسن لتركيا إبرام مثل هذه الاتفاقات مع بعض الدول الأخرى لكن قد يتاح لها ذلك مستقبلا.
وأثار توقيع الاتفاقية جدلا كبيرا في الأوساط الليبية،وسارعت الحكومة الليبية المؤقتة لاعلان رفضها القاطع لها مؤكدة في بيان لها،على عدم شرعية هذه الاتفاقيات كونها مبرمة من غير ذي صفة بموجب أحكام القانون والمحاكم الليبية، كما أن هذا النوع من الاتفاقيات يحتاج لمصادقة مجلس النواب المنتخب في حال سلمنا جدلا بشرعية السراج.
واضافت،إن الاتفاقية تمثل غطاء من "الوفاق المزعوم" وشخوصه لتحقيق مآرب أردوغان الاستعمارية عبر إيجاد موطئ قدم في ليبيا.وأعربت الحكومة عن رفضها للتدخل التركي قائلةً :"نؤكد للعالم أجمع مجدِّدًا رفضنا التام للتدخل التركي السافر في شؤون بلادنا، ونضع المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا أمام مسؤولياتهم لمنع هذا التدخل".
وطالبت الحكومة المؤقتة بالتحقيق في كسر تركيا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال تزويد الوفاق غير الدستوري بالسلاح الذي ذهب جله إلى الإرهابيين بما يهدد السلم والأمن الدوليين،  داعيةً الجميع لتحمل مسؤولياتهم ومنع تركيا من العبث بأموال الليبيين وأرزاقهم لأجل تحقيق مكاسب ومصالح ضيقة.
ومن جانبها اتهمت قيادات المنطقة الغربية المجلس الرئاسي بالخيانة العظمى،وأدان وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة البهلول الصيد ،الخميس ،توقيع المجلس الرئاسي الذي وصفه بـ"الفاقد للشرعية" لإتفاقية أمنية مع تركيا ،مشدّدا على أن أهالي المنطقة الغربية يرفضون هذه الخطوة ويعتبرونها خيانة عظمى للوطن.
و أكد البهلول الصيد في البيان الختامي لملتقى القيادات بالمنطقة الغربية بمناسبة إفتتاح ديوان رئاسة الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة ببلدية صبراتة ،على دعمهم التام للعمليات العسكرية للقوات المسلحة بمدينة طرابلس ،مطلبا المجتمع الدولي و مجلس الأمن  بسحب الاعتراف بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.
ويشير متابعون للشأن الليبي أن تيار الاسلام السياسي يقف وراء توقيع هذه الاتفاقيات مع تركيا،حيث تسعى جماعة "الاخوان" لفتح الباب أمام التدخل التركي في ليبيا تحت غطاء حكومة الوفاق وذلك بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في معارك طرابلس.وفي هذا السياق اعتبر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي، طلال الميهوب،أن هذه الاتفاقية ما هي إلا غطاء لمزيد من تسليح الميليشيات الموالية للوفاق، ومحاولة لنجدتهم خاصة بعد الهزائم المتتالية في مواجهة الجيش الليبي بمعركة طرابلس، كما أنه بوابة لتعزيز سلطة الإخوان وبالتالي تثبيت أقدام تركيا في ليبيا.
وتوقع الميهوب في تصريح لـ"العربية.نت"،أن ترسل تركيا خلال الأيام القادمة مزيداً من شحنات الأسلحة والمقاتلين إلى الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، براً وجواً، وذلك في محاولة لإعادة إحيائها على أمل مساعدتها في تغيير مسارك المعارك لصالحها، خاصة بعد انهيارها أمام ضربات الجيش الليبي وفقدانها لأغلب آلياتها العسكرية.مؤكدا أنّ الجيش الليبي سيدافع عن السيادة الليبية وسيضع حداً لسطوة التنظيمات المتشددة المدعومة من أنقرة عسكرياً وسياسياً، كما سيقف في وجه خيانة إخوان ليبيا للبلاد وفتحهم الباب لدولة أجنبية معادية للتدخل في شؤون دولة ذات سيادة، لافتاً إلى أن نهايتهم اقتربت.
وتعتبر جماعة "الاخوان" ذراع تركيا التخريبي في ليبيا،حيث تعتمد عليها للسيطرة على البلاد.ويجاهر قيادات الاخوان بتعويلهم على الدعم التركي على حساب بلادهم ففي يوليو 2018،طالب عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة "الإخوان" المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم، عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وفي سبتمبر الماضي،دعا عبدالعزيز العرادي ممول و قيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية،في تدوينة على "فيسبوك"،رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج بمغادرة نيويورك والتوجه إلى أنقرة وتوقيع اتفاقية دفاع مع الجمهورية التركية تحت "ضوء الشمس وبالفم المليان" للدفاع عن العاصمة، على حد تعبيره.
وتحدثت تقارير اعلامية في وقت سابق عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين طرابلس وأنقرة،وقال حينها عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس أنه يحق لحكومة الوفاق طلب الدعم من تركيا عسكريا، لصد ما وصفه بـ"الهجوم على طرابلس".وفق ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية.
وأضاف كرموس، أن الليبيين اعتادوا التدخل في شؤونهم وعلى الأرض، وأن حكومة الوفاق في موقف المعتدى عليها، في حين يتيح لها القرار 2441 لمجلس الأمن في عام 2018، طلب الدعم العسكري للقوات الأمنية التابعة لها في مكافحة تنظيمات "داعش"، وتنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الشريعة، (المحظورة في روسيا) مهيبا باللجنة أن تنظر في هذه الطلبات على وجه السرعة.على حد زعمه.
ووصف مدير عام مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية، محمد الأسمر،ابرام حكومة الوفاق اتفاقيات دفاع مشتركة مع تركيا بأنها "مجرد حبر على ورق".وقال الأسمر في تصريح خاص لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، "إن هذه ليست هي المرة الأولى التي تسعى فيها الوفاق لإبرام اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، فقد تم طرح توقيع هذا الاتفاق خلال زيارة السراج لإسطنبول في شهر نوفمبر 2018، واعيد نقاش ذلك في زيارة أخرى في الخامس من يوليو الماضي".
واشار الأسمر الى أن هذه المحاولات تبقى حبرا على ورق،مرجعا ذلك كون "المجلس الرئاسي ليس من صلاحياته إبرام مثل هذه الاتفاقيات الدولية بناءا على المادة 17 من الاعلان الدستوري والفقرة ج من البند الثاني من المادة الثامنة والمادة الرابعة عشر من الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات الذي أنتج حكومة الوفاق، والمواد من 19 إلى 25 من اتفاق الصخيرات" بحسب قوله.
وأوضح الأسمر،أن كل المواد أو البنود التي تم الإشارة إليها تبين أن حكومة الوفاق تختص فقط بنقاش مثل هذه الاتفاقيات، ومن ثم تقديمها كمشروع اتفاقية لمجلس النواب هو بدوره من يوافق أو يلغي إقرارها لتصبح ملزمة، مشيرا إلى أن مذكرتي التفاهم التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا بشأن التعاون الامني والتفاهم في المجال البحري، هي بمثابة مخالفة للبنود والمواد الدستورية والسياسية، وتعد تمادي في خرق الاتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا واخرها القرار رقم 2473.وأكد الأسمر، أن مجلس النواب يحق له التدخل بإيقاف هذه الإجراءات وإبلاغ الجهات الدولية المختصة بذلك.
توقيع الاتفاقية بين حكومة الوفاق تركيا تجاوزت تأثيراته الداخل الليبي،حيث سارعت وزارة الخارجية المصرية لادانة هذه الخطوة.وأشارت الخارجية المصرية في بيان لها،الخميس، إلى أن "مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانوني، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء أن المادة الثامنة من اتفاق "الصخيرات" السياسي بشأن ليبيا، الذي ارتضاه الليبيون، تحدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل – وليس رئيس المجلس منفردا – يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية.
وحثت الخارجية المصرية المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته لمواجهة هذا النهج السلبي الذي يأتي في توقيت دقيق للغاية، تتواصل فيه الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء الليبيين في إطار مسار برلين للتوصل لاتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية بها، ويساهم في محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن. وتعبر مصر عن مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية جراء هذه التطورات السلبية.وفق البيان.
وياتي الموقف المصري في ظل النوايا المشبوهة التي يستهدف بها النظام التركي عدة دول عربية والتي أظهرها بوضوح الرئيس التركي حين قال فى خطاب له في أكتوبر الماضي،أمام منتدى "تى أر تى وورلد" الذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل".. ثم أردف قائلا:"الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل يونس أمره" فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير.
وأضاف أردوغان "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية"، مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك،في مشهد استفز الليبيين الذين اعتبروه تعديا على سيادة بلادهم وتدخلا في شؤونها، وتوجهات استعمارية معلنة لتركيا عبر أدواتها في ليبيا، متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على حكومة الوفاق في العاصمة وتسعى لتمرير اجنداتها من خلالها.
وتكشف ذلك بوضوح حين رفضت حكومة السراج خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع تركيا في أعقاب إصدار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بيانًا طالب الدول العربية بعدم التعاون مع الحكومة التركية وخفض التمثيل الدبلوماسي لديها بعد عدوانها على الأراضي السورية. واعتبر مراقبون تصرف حكومة الوفاق مخالفة للإجماع العربي، ودليلا على مدى ارتباط هذه الحكومة التي يسيطر عليها تنظيم "الاخوان" بالأجندات التركية الساعية لنشر الفوضى في المنطقة.
ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وأرسلت عدداً كبيراً من شحنات الأسلحة والطائرات المسيّرة لمساعدتها في مواجهة قوات الجيش الليبي،وذلك رغم القرار الدولي بحظر السلاح عن ليبيا.وأكدت هذه التحركات سياسة أردوغان الساعي لعدم خسارة الساحة الليبية بأي ثمن خاصة بعد انهيار أحلامه في مصر بعد سقوط الاخوان،ونهاية معاقل التنظيمات الارهابية الموالية له في سوريا.
ويبدو واضحا أن تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماع "الاخوان" تحاول عبر حليفها السراج تقديم غطاء شرعي للتدخل التركي وذلك في ظل ما أحدثته الدعوات الماضية للتدخل الخارجي في ليبيا،من ردود فعل في الاوساط الليبية،حيث وصف نشطاء ليبيون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات القيادات الإخوانية،بالخيانة،معربين عن رفضهم التدخل التركي أو القطري في الشأن الليبي.
وتأتي هذه المحاولات في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها القوات الموالية لحكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس مع تواصل تقدم الجيش الليبي في عدة محاور وسيطرته الكاملة على الأجواء.ويرى مراقبون أن فشل محاولات اقناع المجتمع الدولي بالضغط على الجيش الليبي لوقف اطلاق النار،وفشل محاولات تشتيته في الجنوب الليبي،زادت من مخاوف "الاخوان" ودفعتهم للاسراع نحو تركيا طلبا للدعم وذلك عبر بوابة حكومة الوفاق التي يشير هؤلاء الى أنها تواصل توريط نفسها بتحالفات مشبوهة.