لم يعد خاف على التونسيين الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه بلادهم. خلال أكثر من عشرية أغلب المؤشرات تراجعت بشكل كبير. حتى نسب النمو لم يسبق للبلد أن عاشها، باعتبارها نزلت ما دون الصفر في السنتين الأخيرتين بسبب ظروف كرونا وتعطل أغلب المؤسسات النفطية والمنجمية، وقرار بعض الشركات العالمية مغادرة البلاد، بالإضافة إلى تراجع نسبة الاستثمار بأكثر من 20 بالمئة بحسب أرقام رسمية.
هذه الأرقام وهذا التراجع، قابلهما أيضا وضع معيشي صعب، المواطن هو المتضرر الرئيسي منه، وسط عجز حكومي واضح عن مواجهته أو إيجاد حلول له رغم الوعود الكبيرة، بل إن كثيرين اليوم يتهمون حكومة هشام المشيشي المدعومة من حركة النهضة وبعض الأطراف الأخرى، بأنها سبب رئيسي للأزمة في ظل تواصل انتشار الفساد وغلاء الأسعار وسطوة المتنفذين في المواد الاستهلاكية.
وفي خطوة جديدة خلفت رد فعل قوي أعلنت الحكومة التونسية عن زيادة في بعض المواد الاستهلاكية، ضمن إجراء يستهدف خفض العجز القياسي للميزانية، ورسالة إلى المانحين الدوليين للقيام بما تسمى إصلاحات تمكنها من الحصول على قروض تواجه بها الاحتياجات الكبيرة بما فيها كتلة الأجور المرتفعة، وسط اتهامات بنوايا لرفع الدعم عن العديد من المواد رضوخا للصناديق المالية الدولية.
وقالت مصادر ونشطاء على صفحات التواصل إن زيادة الأسعار شملت مادة السكر بحوالي 22 بالمئة والحديد الصلب بنسبة متقاربة وأسعار الوقود التي أصبحت مسألة معتادة زيادتها بالإضافة أيضا إلى أسعار الحليب ومواد استهلاكية أخرى وسط اتهامات لها بمحاباة رجال الأعمال وأصحاب الشركات الغذائية الكبرى.
وفي بعض ردود الفعل على هذه الإجراءات ندّد الاتحاد العام التونسي للشغل بما سماه "استمرارا نهج السياسة اللاشعبية " متّهما حكومة هشام المشيشي "باستهداف قوت عموم الشعب على خلفية هذه الزيادات". وقال الاتحاد في بيان أصدره الخميس 3 يونيو، إن إقرار سلسلة الزيادات الأخيرة بـ"غير المسبوقة وبالخطوة الاستفزازية للشعب"، معتبرا أن " الترفيع في أسعار المواد الأساسية يأتي في إطار تنفيذ الحكومة لما التزمت به انفراديّا من برامج أمام صندوق النقد الدولي".
وعبرت المنظمة الشغيلة في بيانها، عن رفضها لما تضمّنته القرارات "من إجراءات لا اجتماعية، محذرا من أن المرور الى تنفيذ أية التزامات أحادية الجانب سينجر عنه مزيد التداين ورهن مقدّرات البلاد في غياب سياسة عادلة وواضحة في مجالي الجباية والتوزيع العادل للثروة".
واعتبر الاتحاد أن ما تقوم به الحكومة هو تدمير ممنهج "للقدرة الشرائية للمواطن عموما وللأجراء على وجه الخصوص التي انهارت إلى أدنى مستوياتها بالمقارنة بالسنوات الماضية"، مطالبا "بالرفع المباشر في قيمة منح العائلات المعوزة والمراجعة الفورية للأجر الأدنى المضمون، وب تطبيق الاتفاق الحاصل مع الحكومة لفتح مفاوضات اجتماعية في الوظيفة العمومية والقطاع العام".
وجدد مطالبته بالشروع في مراجعة الأجور في القطاع الخاص وتطبيق الاتفاق الممضى حول مراجعة
وخلص اتحاد الشغل، إلى أن" تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يمثل نتيجة طبيعية للتجاذبات السياسية وللشلل الذي أصاب أجهزة الدولة بما جعلها قاصرة على إنقاذ البلاد، مذكرا، " بتنبيهاته المتكررة من احتدام الأزمة الخانقة التي دفعت إليها الأطراف الحاكمة".
حركة الشعب أيضا باعتبارها إحدى أكبر الأحزاب المعارضة، ردّت ببيان مباشر عن الزيادات في الأسعار بالقول إن ما قامت به ما سمتها "حكومة الفشل واللوبيات" هي "إجراءات تزيد في تدهور المقدرة الشرائية لعموم المواطنين المتضررين أصلا من تداعيات الأزمة الصحية التي تعيش على وقعها البلاد للسنة الثانية على التوالي فضلا عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تسببت فيها الحكومات المتعاقبة منذ 2011 و جاءت الحكومة الحالية بارتهانها السافر للوبيات المال والأعمال و بارونات الفساد على حساب مقدرات الشعب و حياة عموم المواطنين و خاصة الفئات الهشة التي استهدفتها الزيادات الأخيرة بشكل فج و عدواني خاصة في ظل تفشي البطالة و تعطل اشغال شرائح واسعة من العمال العرضيين و أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة ".
وعبرت الحركة في بيانها "عن رفضها المطلق لهذه الزيادات العدوانية تذكر بما نبهت إليه مرارا من أن حكومة هشام المشيشي مدفوعة بحزامها البرلماني تقود البلاد نحو انفجار اجتماعي غير مسبوق خاصة في ظل حالة العطالة السياسية التي تعاني منها البلاد بسبب اندفاع الحزام البرلماني الداعم للحكومة نحو فرض أمر واقع يتعارض مع تطلعات و انتظارات عموم المواطنين ".
واعتبرت "إنّ التركيز على خدمات النقل و قطاع المحروقات و المواد الغذائية الأساسية بمثل هذه الزيادات المشطة يعني إعلان حرب على أوسع شريحة من المواطنين لصالح نفس الفئة المتمعشة من الأزمات و المحمية من الأطراف السياسية التي تعودت سلوك السمسرة و الزبونية و صياغة القوانين حسب الطلب ".
في جانب آخر شهدت بعض المناطق احتجاجات وغلق للطرقات رفضا لتلك الزيادات التي شملت أيضا العلف الحيواني، خاصة في مدن الجنوب وهو ما اعتبره البعض استهدافا مباشرا للفقراء على حساب أصحاب الأموال والمقربين من السلطة.
وتبحث حكومة المشيشي عن حلول عاجلة عبر التواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية لضمان الحصول على قروض عاجلة، من بينها الزيارات التي قام كبار المسؤولين التونسيين إلى ليبيا وقطر والولايات المتحدة للبحث عن حلول سريعة، والزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الفرنسية إلى تونس بدورها تذهب في اتجاه البحث عن حليف ضامن للمساعدة في ظرف لم تعرفه تونس من قبل.