اندفاع نظام أنقرة  ومن ورائه حزب العدالة والتنمية الإخواني والتيارات القومية ولوبيات النفط والسلاح وتصدير الخدمات في تركيا والتي يهيمن المقربون من أردوغان على جانب كبير منها ، للتدخل العسكري المباشر في ليبيا ، قد يكون كمن يسعى الى حتفه ، أو من يعتقد أن الطريق ممهد لتحقيق أهدافه التوسعية ، دون أن يذهب في ظنه أن فخا قد يكون نصب له في آخر الطريق ، وهذا ما يبدو أقرب الى الإحتمال
ما يتم الحديث عنه الأن في طرابلس وأنقرة هو دعم حكومة فائز السراج ب7000 مسلح مرتزق يتم نقلهم من شمال غرب سوريا الى شمال غرب ليبيا ، الى حد الأن وصل ما يقل عن 1300 منهم في رحلات جوية مدنية نفذتها ثلاث شركات ليبية ، إثنان منها حكوميتان وهما الخطوط الليبية والخوط الإفريقية ، وشركة خاصة هي « الأجنحة » التي يمتلكها عبد الحكيم بالحاج الإرهابي الذي تحول الى أحد كبار الأثرياء بما نهبه من أموال الدولة بعد دخوله طرابلس « فاتحا» في أغسطس 2011 على أيدي القطريين ومخابرات الغرب
أعداد المرتزقة لن تكفي ليضع أدروغان يده على ليبيا ، لذلك فإن على أنقرة أن تدفع بقوة أخرى ، هناك تقارير تتحدث عن إتجاه الأتراك لإرسال من 6 الى 8 طائرات مقاتلة من طراز أف 16 ، وطائرة للإنذار المبكر ، وفرقاطة واحدة ، وثلاث غواصات على الأكثر ، مع لواء ميكانيكي يتكون من 1000 عسكري ، المراقبون في تركيا يتساءلون عما إذا كان ذلك كافيا لتنفيذ مشروع أردوغان داخل الأراضي الليبية
في العام 2011 شهدت ليبيا « حربا عالمية » ضد نظام القذافي بمشاركة حوالي 40 دولة  تحت غطاء مجلس الأمن رغم إختلاف القراءات للقرار 1973 ،  طيران حلف الناتو نفذ اكثر من 26 الف طلعة جوية فوق البلاد ، منها  10 آلاف  طلعة  قتالية ، مع آلاف المسلحين  على الأرض ، من بينهم متمردون من داخل القوات النظامية ، و مقاتلون سبق لهم أن شاركوا في حروب أفعانستان والبوسنة والشيشان ، وقوات خاصة من دول عربية وأجنبية ،ورغم ذلك إحتاج الحسم الى 8 أشهر ،
فكيف سيتعامل الأتراك مع ليبيا في 2020 ؟  كل المؤشرات تؤكد أن الأمر في غاية الصعوبة ، فأردوغان ليس بوسعه فرض حظر جوي على ليبيا كما جرى في 2011 لضمان تقدم المرتزقة والميلشيات على الأرض ، والجيش الوطني اليوم هو المسيطر على أجواء البلاد ، ولديه طيران يتولى تنفيذ مهامه بنجاح ، وسيتم دعمه بقوات جوية أخرى في حال التدخل التركي ، فالدول الداعمة للقوات المسلحة التي يقودها المشير خليفة حفتر  لن تقف مكتوفة الأيدي ، بينما سيكون على تركيا أمر واحد من إثنين : إما نقل طائراتها الى داخل الأراضي الليبية لتخط في مجال محدود لا يتجاوز قاعدة الكلية الجوية مصراتة وقاعدة معيتيقة طرابلس ،لتكون هدفا للتخريب والقصف الأرضي والجوي  أثناء طلوعها أو هبوطها أو جثومها على الأرض ، وبقدرات ستكون فائقة في ظل المراهنة الإقليمية والدولية على إفشال دورها ، كما حدث لبعض الطائرات الروسية في سوريا ( رغم الفارق بين القوتين الروسية والتركية )، أو إطلاق الطائرات من الداخل التركي لتنفيذ مهامها ، وهو أمر لا يقل صعوبة ، فالمسافة بين قاعدة دالمان وأقرب نقطة في ليبيا تصل الى 630 كلم ، والوصول الى طرابلس يحتاج الى التزود بالوقود في الجو ، وهو ما سيمثل مغامرة للطيران التركي الذي لم يسبق له الدخول في مثل هذه التحديات، يضاف الى ذلك ، أن الهدف الذي تم رصده للقصف قد يكون إختفى ، بينما يحتاج الوصول اليه الى 90 دقيقة على الأقل ،
لذلك  تحدثت تقارير تركية عن محاولة أردوغان في 25 ديسمبر الماضي  إقناع التونسيين بالسماح لهم بإستخدام أراضيهم في الجنوب ، وهو ما لم يجد صدى لدى الرئيس قيس سعيد الذي يبدو أنه يدرك طبيعة الموقف ، ويرفض توريط بلاده في حرب يتجه التركي الى خوضها منفردا على الصعيدين الإقليمي والدولي.