أثار مشروع تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المُتعلّق بالجمعيات الذي تم تسريبه مؤخرا في تونس، جدلا واسعا واستنكرت العديد من الجمعيات بنوده "المتناقضة" التي "تهدّد العمل المدني والجمعياتي". وقد قامت الجمعيات على ضوء ذلك، من بينها جمعية رؤية حرة، تشكيل"تحالف ضد التضييق" لممارسة كل أشكال النضال المشروعة حفاظا على مكاسب العمل الجمعياتي وحريته.
وفي حوار أجرته بوابة إفريقيا مع رئيسة جمعية رؤية حرة، السيدة عربية الجبالي، نتعرف على تفاصيل القانون والإعترضات والتحركات المزمع القيام بها.
أولا ماهي قراءتكم للمشروع الجديد وبنوده؟
قراءتنا مبنية أساسا على علاقته بالعمل الجمعياتي ومدى تماشيه معه ومساهمته في تطويره لكن للأسف تبين أنه قانون خطير على حرية التنظم وكذك على حرية التعبير. لأن نشاطنا الجمعياتي قائم بالأساس على التفاعل والتعبير عن مواقفنا وآرائنا وعن الفئات التي ندعمها ونساعدها ونعمل لصالحها وأيضا الجهات التي نتعامل معها. وخطير من جانب آخر على الإدلاء بآرائنا والمشاركة في المقترحات والبدائل وماقشة بعض القوانين. كل ذلك معرض لأن ينسف تماما إذا ما تمت المصادقة على هذا القانون.
وفي عودة على بعض فصوله، مثلا في الفصول 4 و10 و18 و27 و32، المتعلقة بالبناء الجمعياتي من الإنشاء وفتح الفروع وغيرها، تضمن مشروع القانون إجراءات معقدة وعقيمة أعادت العمل الجمعياتي إلى خانة البيروقراطية "المقيتة" التي سعينا على مدى سنوات لتضليلها وتبسيط الإجراءات دعما للعمل الجمعياتي. إجراءات معقدّة في تضييق واضح ونصوص مبهمة متباينة ومتضاربة على عكس القانون القديم ، المرسوم 88 الذي نعتز ونتمسك به.
نقاط كثيرة مثيرة للجدل في نص هذا المشروع صعبة التنفيذ على أرض الواقع بل ومستحيلة، نقاط حاربنا لمحوها حفاظا على كرامة المواطن التونسي نجد أنفسنا اليوم في خانتها ومهدّدين بها. ذلك إضافة إلى تشعيب خيوط المتدخلين في العمل الجمعياتي، الذي هو مدني وتطوعي بالأساس، كالمحاكم مثلا وغيرها ما يثقل كاهل الأشخاص ويتسبب في عزوف عن التنظّم والعمل الجمعياتي وهو ما سيساهم في النفور منه لا الإنخراط فيه. هذا القانون سيكون باختصار حاجزا وعائقا أمام الجمعيات. نحن نريد تطوير المرسوم 88 وليس تعقيده.
في مثال ثان نذكر الفصل 4 الذي ينص المقترح فيه على أن المشرفين على الجمعيات والمسييرين ليس لديهم الحق في الترشح لأي انتخابات. أتساءل هنا لماذا؟ الناشط المدني والجمعياتي مواطن له كل الحقوق وقادر بتجريبته ونشاطه وعمله الميداني الجدّي الذي خول له كسب ثقة الناس وفهم مشاغلهم، ترشحه للانتخابات المحلية والجهوية وحتى الوطنية كالبلدية مثلا أو التشريعية لأنه قادر على تحقيق الإضافة خاصة إذا توفّرت فيه الشروط فلا مانع ولا موجب لهذا القانون حسب رأيي.
أما الفصل 33 من المرسوم الحالي والذي يقضي بالحلّ التلقائي للجمعيات في حالة عدم نشاطها لمدة معيّنة بغض النظر عن ظروفها المادية والوضع العام (كالجائحة مثلا)وغيرها، على عكس المرسوم القديم الذي يقضي بحل الجمعية في حالتين قانونيتين واضحتين وهما إما باتفاق بين أفراد الجمعية أو بقرار من المحكمة وهما طريقتين لا غبار عليهما. أما القانون الجديد فهو يهدّد العمل الجمعياتي خاصة الجمعيات المحلية الصغيرة لقلة مواردها المالية ما سيساهم في نسفها تماما. نحن مع مراقبة الجمعيات ودعونا إليه بآليات قانونية ومادية ولوجستية وليس بالتناقض بين إحداث المرسوم وأهدافه. الحل الآلي للجمعية الذي تطرقت له أيضا 3 فصول أخرى في هذا القانون، الفصل 10 و16 و45، "يتعسف " على العمل الجمعياتي فمثلا في كورونا وقيودها التي كبلت النشاطات الجمعياتية إجباريا لـ 3 أعوام متتالية إلا من بعض الأنشطة القليلة .
كذلك الفصل 5 الذي يقيد حرية البحث العلمي والدراسات وسبر الآراء وغيرها، نحن في الجمعيات لنا منتجاتنا الهامة من دراسات وسبر آراء وإحصائيات معاضدة لمجهود الدولة وتقييد هذه الحرية بطريقة تعسفية هو تدخل واضح في الحق للنفاذ للمعلومة ونشرها للعموم.
تتكرر العبارات الغامضة داخل مشروع المرسوم مثل "التدابير الجاري بها العمل"، ماهي هذه التدابير؟ لا توجد تدابير سابقة. هل سيتم اصتصدار تدابير جديدة؟ أي جهة ستصدرها؟ ماهي ماهيتها؟ هل هي سلسلة تراخيص تكبّل العمل الجمعياتي؟. عبارة غامضة ومسقطة ومتناقضة مع ما سبقها يبدو الهدف من ورائها غير برىء وينذر بنسف العمل الجمعياتي. نحن كائتلاف جمعياتي لن نخوض معركة تفاصيل النصوص لكننا سنسعى لتوضيح رؤيتنا والتواصل والتحاور مع سلطة الإصدار كالحكومة التونسية من أجل ضمان حقوق وحريات الجمعيات.
ماهو "التحالف ضد التضييق" وماهي أهدافه؟
نحن ائئتلاف جمعياتي كغيره من الإئتلافات الجمعياتية الكثيرة في تونس وهي ظاهرة أساسية للحفاظ على المكاسب والدفاع عنها ضمانا للحقوق والحرية خاصة عند حدوث خطر داهم على العمل المدني وحرية التنظّم والتعبير كركيزة أساسية للديموقراطية وهذه المبادرة أو المرسوم قادر على نسف المجتمع المدني يتونس. التحالف ضد التضييق هدفه الأساسي هو التحاور والتحليل وتفسير خطورة هذه المبادرة والبحث عن آليات التصدي للمرسوم ولكل ما من شأنه المسّ من الحريات، والتواصل مع سلطة الإشراف حفاظا على مكاسبنا خاصة وأننا في فترة إستثنائية وغياب للسلطة التشريعية حيث لا يتم سوى اصدار المراسيم لذلك لا داعي لاستبدال مرسوم بآخر.
التحالف ضد التضييق كغيره من التحالفات التي بلغت قرابة 5 تحالفات لدراسة هذا المرسوم"الخطير"ونتوافق جميعا على كونه مرسوم مسقط لا نوافق عليه ولم نشارك في صياغة فصوله التي تمس بالحريات المدنية والسياسية وما تتنافى مع الدستور التونسية والتزامات تونس الدولية.
لو تشرحين لنا أستاذة الملاحظات المنبثقة عن اجتماعات التحالف بخصوص قانون تنقيح الجمعيات المثير للجدل؟
عند صياغة مبادرة تشريعية يجب اعتماد نظام التشارك والحوار بين كل الأطراف المتداخلة والمعنية. ونحن نذكر ونجزم بمدائنا الثابتة أننا مع الرقابة ومحاسبة كل مخالف "الي يغلط يخلص" ومتجاوز للقانون يجب أن يطبق عليه ككل مواطن تونسي وحتى الجمعيات، لكن بعيدا عن المغالاة والمبالغة بطريقة هذا المرسوم. من صاغ هذا القانون كأنه جعل من خطأ جمعية ما أو أحدهم للجم وتقييد العمل المدني في دولة المؤسسات، تونس الحريات والقانون والمؤسسات التي كانت الأولى ضمن ركب التنظم والعمل الجمعياتي.
لذلك نطالب باستمرار العمل بالمرسوم السابق 88 حتى يتم إرساء الهياكل والمؤسسات التشريعية ثم يتم تحويله لقانون إطاري لطالما طالبت به الجمعيات عن طريق تطوير المرسوم 88 بتفاصيل محدّدة حول التعاون الجمعياتي، على عكس ما يتضمنه المرسوم المسرّب في أغلب جوانبه من إجراءات رقابية ردعية وليست رقابية تطويرية، كأن المجتمع المدني مستهدف ومتهم. نحن لنا موقعنا في الدولة والمجتمع جنبا إلى جنب مع المواطن ومؤسسات الدولة ونحن طرف حوار قادر على معاضدة الجهود وإبداء رأيه والمشاركة بقوة الإقتراح والتطوير والمشاركة في بعض مشاريع سن القوانين وغيرها من المجالات.
بالنسبة لاستبدال المرسوم بعد إرساء المؤسسات التشريعية يجب أن يكون بصفة تشاورية وليست إملاءات تصدر بصفة فردية ويتم نشرها دون مشاركة المعنيين بالأمر كالجمعيات والمواطن وكل المنتفعين من العمل المدني والقطاعات المتداخلة وهو مالم يتم التطرق إليه في هذا المرسوم. لم يضم المرسوم سوى لغة ردعية "قاسية" كأنه يحاسب الجمعيات ويعاقبها على التطوع لأجل وطننا ومواطنيها وأجيالنا القادمة.
هذه الملاحظات انبثقت عن "تحالف ضد التضييق" وغيره من التحالفات ، حيث قامت كل مجموعة بقراءة القوانين بحضور محامين وتم قراءة الفصول والتدقيق فيها واستخراج "نقاط الخطر" التي كانت متقاربة في معظمها. هذا المرسوم لا يتناسب مع دستورنا ومع تونس الحرية وما حققته من مكاسب وريادة عالمية في هذا المجال، خاصة بعد ما قدمته الجمعيات من عمل ريادي لبناء المجتمع التونسي ونبحث حاليا عن التطوير والمساهمة الفعالة في البناء من خلال التواجد والمعاضدة وليس الإقصاء.
كجمعية فاعلة وهامة ومتعددة النشاطات خاصة فيما يخص المساواة وحقوق المرأة كيف ترى "رؤية حرة" العمل الجمعياتي في السنوات الأخيرة؟
تقييمنا للعمل الجمعياتي في تونس، رغم بعض التجاوزات لبعض الجمعيات، كان دوما في الصفوف الأولى وهو ما برز في الجائحة حيث كانت الجمعيات تعمل جنبا إلى جنب مع الإطار الطبي ونحن كجمعية رؤية حرة قمنا بعمليات توعية كبيرة جدا وشاملة على امتداد الجائحة وتصنيع وتوزيع الكمامات ذات الإستعمالات المتعديدة وغيرها، وكذلك لا ننسى المشاركة الفعالة والناجحة في المحافل الانتخابية بعد الثورة إضافة إلى عديد النجاحات في المجال التعليمي.
مثلا رؤية حرة قدمت مبادرة ومقترح لإدماجه في المحتوى التعليمي بالبرامج الجديدة الإصلاحية التي تعدّها وزارة التربية وقوبل المقترح باستحسان وشكر كبير من الوزارةالتي وعدت بإدراجها ضمن تعديلاتها لأهميته. ولا أحد ينكر مساهمة الجمعيات في تونس في شتى المجالات نذكر منها المهتمة بذوي الإعاقة والمعنفين والمهاجرين وللأطفال فاقدي السند وغيرها كثير جدا من النشاطات التي لا تحصى ولا تعدّ للمجتمع المدني الذي أثرى المشهد التونسي وساهم بالأرقام والإحصائيات في دعم المجتمع والرقي به. ونحن الآن في فترة حساسة وفترة انتقال ديموقراطي، نتمنى أن تمر بأمان وتوفي كل طرف حقة وتحافظ على الحقوق والحريات بفضل تعاضد جهود كل الأطراف دون استثناء.
ماهي خطواتكم القادمة وأشكال النضال التي ستنتهجونها؟
خطواتنا بدأت بإصدار بيان يرفض كل مبادرة تشريعية حالية في هذا الوضع الإستثنائي خاصة مبادرة المنشور المسرّة التي نعتبرها ملغّمة بالعديد من الفصول التي تحد بل وتقضي على حرية التنظّم والتعبير ونحبّذ من جهتهتنا إلى تأجيل كل مبادرة أو مرسوم إلى حين عودة المؤسسات التشريعية للعمل ويكون بعد سلسلة من المشاورات والحوارات والإقتراحات بصفة تشاركية لكل الأطراف المعنية. أما بقية خطواتنا القادمة نحن لطالما كنا دعاة للحوار كآلية أساسية لفض أي اشكال أو أي لبس يمكن أن ينجرّ عن مثل هذه المراسيم. أما بقية خطواتنا في حال عدم الإستجابة للحوار سننتهج كل أساليب النظال السلمي المكفولة في تونس التي من شأنها المساهمة في إرجاء تعويض المرسوم 88 إلى حين إرساء المؤسسات الدولة، بطريقة تشاركية فعلية حقيقية بين جميع الأطراف بوسائل ديموقراطية سعينا معا لإرسائها وتكريسها.
لو تقدمين لنا لمحة عن المرسوم 88؟
المرسوم 88 حسب رأينا هام ويحتوي على الكثير من الأساسيات المطلوبة للعمل الجمعياتي وتنظيمه كما ينص على المراقبة ومتابعة كل التجاوزات ويبقى على الحكومة وضع كل الآليات اللازمة لتطبيق ذلك وهو مالم يتم العمل عليه من قبلها. حسب رأينا المرسوم 88 ينص على كل التفاصيل فقط يحتاج لتطبيق ما جاء به وفي حال عدم توفر المطلوب يمكن التطوير أو التعديل مع العلم أن كل النقاط المذكورة في المرسوم المسرّب موجودة فعلا في سابقه.
بالنسبة لنقطة التمويل الأجنبي فإن تعديلا بسيطا يمكن أن يحل المشكل حيث يمكن أن تمر مباشرة للبنك المركزي لمعيانتها ثم توزيعها على حسابات الجمعيات مع العلم أن الجمعيات القانونية يتم تنزيل تمويلاتها في بنوكها ثم يتم اعلام البنك المركزي مباشرة. أما بالنسبة لمن ينتهجون طرقا غير قانونية فهم على مرأى ومسمع من الدولة وهي قادرة على مراقبتهم ماليا وإداريا وتطبيق فصول المرسوم 88 على أفضل وجه وسيتحقق المطلوب دون المس من ما حققته الجمعيات التونسية الفاعلة من ريادة وكطنية وعالمية.
هل ستكون الجمعيات كعادتها شريكا فاعلا في الحوارات والمحطات المزمع تنفيذها في الفترة القادمة بتونس؟
الجمعيات مستعدة للحوار ومستعدة للمشاركة في البناء الفعال لتونس وندعو للحوار وننتظر فعلا الدعوة والتفاعل من سلطة اللإشراف سواء الحكومة أو رئاسة الدولة. فالجمعيات التونسية تؤمن بآليات الحوار التي تضمن التشاركية وتفضي إلى نتائج ترضي الجميع، ولطالما قدمت الدراسات والمقترحات والدعم اللازمين لإنجاح كل المحافل في تونس. وأرى من وجهة نظري أن المجتمع المدني بنشاطاته المتعدّدة التي لامست فئات كثيرة من المجتمع وجابت كل البلاد التونسية وتفاعلت بشكل مباشر مع مكوناته إضافة إلى ما أنجزته من إحصائيات ودراسات وبحوث علمية يشهد لها، قادرة على إثراء الحوار لو دعيت له، وتقديم الإضافة الشافية والهامة للمرحلة المقبلة.
ماهو تقييمكم للوضع العام بالبلاد في ظل هذه الآزمات؟
الوضع العام في البلاد يسوده الغموض ولا أستطيع شخصيا أن أدلي برأيي. خاصة بعد الإستشارة الإلكترونية التي أثارت حفيظتي وأرى أن طريقة غير ناجعة للتشاور بوجود عراقيل جامة لا تخدم نجاحها منها نسبة التغطية بالأنترنت التي لا تشمل كل البلاد التونسية. كذلك توفر الوسائل كالحاسوب والهاتف الذكي وهو ما يجعلها تشمل فئة وتسقط فئات من المجتمع التونسي. لذلك ستكون محدودة ولن تشمل الجميع. أما في نص الإستشارة الذي يقوم على الجواب والسؤال فهو محدود وضيق لأن الحوار تفاعلي وتشاركي لذلك فحسب رأيي أعتبرها جامدة محدودة ومرتبطة أشد الإرتباط بإمكانية وصولها للجميع دون مراعاة قدرتهم على الوصول لها وقدراتهم الشخصية في التعامل مع المنصة. باختصار الإستشارة الوطنية غير موجهة لكل شرائح المجتمع التونسي ومهدّدة بالفشل.
سؤالي الذي أوجه للسلطات أين نحن منكم نحن نريد المشاركة نريد البناء. لا نريد فقط الإنتظار والمتابعة عن بعد. تونس تزخر بالكفاءات القادرة على الإدلاء بدلوها والمساهمة الفعالة في هذه المرحلة. يجب فتح آفاق الحوار والتواصل بعيدا عن الغموض.
"المجتمع المدني الحرّ هو ركيزة أساسية في البناء الديموقراطي"