كان وصفا مجازيا ذكيا عبّر عن حقيقة السلوك البشري بشكل جيد، ذلك الوصف الذي أعطاه الكاتب محمد العرجوني لمفكري وفلاسفة الأنوار حين وصفهم بالقمر بوجهيه: المنير والمظلم. وإذ أستأنس بهذه الصورة المجازية، سأستعين بشكل خاطف بخلاصات العلوم التي اهتمت بالفضاء ولاسيما بجزئه المرئي والمعاش لدى الكائن البشري.
لقد ساعدنا العلم على التمييز بين الكواكب والنجوم، وما يميز النجوم هو أنها أجرام نارية/مضيئة (الشمس مثالا) بينما الكواكب أجرام مختلفة (الأرض مثالا)، لكن ما موقع القمر من هذا التصنيف؟ باختصار إنه "قمر" لا هو بالكوكب ولا هو بالنجم، وخصوصيته جعلت منه سطحا عاكسا لضوء الشمس، غير أن ضوء الشمس لا يغطي القمر برمته، وفي أقصى الحالات يغطي نصفه وفي هذه المنزلة يسمى "البدر التمام"، ويحدث أن يغطي جزء صغيرا منه وفي هذه المنزلة يسمى "هلالا"، وبالتالي فإن مساحة النور على سطح القمر تزداد وتنقص وفق منزلة القمر من الشمس، فللقمر وجهان: وجه ظاهر/ منير، ووجه خفي/مظلم؛ وكذلك الكائن البشري تزداد استنارته وتتضاءل حسب علاقته وتفاعله مع الأفكار النيرة ومع الحكمة في بعدها الكوني؛ وإن مفكرا أو فيلسوفا أو أي فاعل في مجال من مجالات الشأن البشري ليس من الصواب أن نعمل على تقديسه كليا أو تدنيسه، بل يجب أن نتفاعل مع تجربته بالفحص والنقد، ومن ثمة نعمل على تثمين الإيجابي فيها وتسليط الضوء على جانبها السلبي، ذلك أن التنوير سيرورة مفتوحة على المراجعة والتصحيح والاستلهام والإبداع.