علاقة المرأة بالحجاب عادة ما تربط بالجانب الروحي والديني أو بعادات وتقاليد المجتمع في اللباس وفي بعض الدول العربية اقترنت مؤخرا بالموضة، لكن في بعض المجتمعات يمكن أن تخضع هذه العلاقة لتأثيرات أخرى منها السياسة ليصبح ارتداؤها الحجاب تعبيرا عن انتمائها أو مساندتها لطرف سياسي دون غيره، ولعل تاريخ المرأة المصرية مع الحجاب خير دليل على ذلك، حسب صحيفة العرب.

وبين دعوة هدى شعراوي في عشرينات القرن الماضي ودعوة الصحفي شريف الشوباشي نساء مصر إلى خلع حجابهن، وحملات الإسلاميين لحث النساء على ارتدائه، يمكن اختزال تلك المساحة الهائلة من الجدل في مصر في الصراع السياسي بين العلمانيين والإسلاميين.

ارتداء المصريات للحجاب أو خلعه تجاوز في حقيقته حدود الالتزام الديني، أو طريقة النساء لفهم التعاليم القرآنية ليصبح انتصارا لأنصار هذا المعسكر أو ذاك، بدليل ما أورده التاريخ عن ارتباط يكاد يكون شرطيا بين تزايد ظاهرة المحجبات وتعاظم نفوذ الإسلاميين السياسي والمجتمعي، ونفس الشيء عندما تنتشر ظاهرة النساء غير المحجبات.

تقول د. ثناء منير صادق في بحث أعدته عن تطور الحركة النسائية في مصر، إن الصراع على استقطاب النساء بلغ ذروته في فترة السبعينات من القرن الماضي، وتحديدا خلال حكم الرئيس الراحل أنور السادات، حيث كانت المرأة الفريسة والورقة التي تستغل لإزكاء روح التصارع بين الإسلاميين والمعارضين المناصرين للعلمانية.

وأضافت “من التحولات الاجتماعية الملفتة أن المرأة المصرية من الطبقتين العليا والمتوسطة التي تخلت عن حجابها في أوائل القرن العشرين عادت خلال السبعينات لتكون السباقة لارتدائه، في انعكاس لنجاح الإسلاميين في نشر مجموعة من الأفكار التي وجدت آذانا صاغية في المجتمع″.

أما هدى بدران رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، فقد اعتبرت أن جماعات الإسلام السياسي منذ انتشارها في فترة السبعينات والثمانينات، تحاول تغيير مفاهيم الهوية الثقافية للمجتمع المصري، كي يتلاءم مع حلم “دولة الخلافة”، الذي يتطلب فرض الحجاب على المصريات، مستغلين ارتفاع نسبة الأمية بين صفوف النساء التي تعدت 50 بالمئة.

لم تكن دعوة الشوباشي إلى خلع الحجاب أخيرا، الأولى من نوعها فقد سبقه كثيرون، خاصة في السنوات الأربع الماضية التي تلت نجاح ثورة 25 يناير 2011، وتعاظم نفوذ الإسلاميين السياسي على حساب القوى العلمانية، أبرزها دعوة بهاء أنور رئيس حزب “مصر العلمانية” في نهاية شهر سبتمبر من عام 2012، لتنظيم ما يسمى بـ”اليوم العالمي لخلع الحجاب”، موضحا أن حزبه سوف يقدم المساعدة النفسية والنصائح للفتيات اللاتي يتم إجبارهن على ارتدائه أو اللاتي يردن خلعه.

في المقابل، يمكن ملاحظة أن انتشار الحجاب ارتبط بصعود نجم التيارات الإسلامية داخل فئات المجتمع، مثلما حدث في السنوات الأولى لظهور جماعة الإخوان المسلمين نهاية حقبة العشرينات من القرن الماضي.

حيث أثمرت جهود إنشاء ما يسمى بجمعية “الأخوات المسلمات” التي ضمت عددا لا يستهان به من النساء، وإن كانت أغلبهن من بنات الطبقتين المتوسطة والدنيا اللواتي اقتنعن بكلام حسن البنا، ظهور أفكار منها أن واجب النساء هو القيام بالأعمال التقليدية أي تلبية رغبات الزوج ورعاية الأبناء، وإذا تعلمت المرأة ففي حدود مضبوطة، كما أنها لا تخرج إلى العمل إلا تحت ضغط الحاجة والفقر وبشروط تتحكم في مظهرها العام وسلوكها الاجتماعي.

لكن انحياز الرئيس جمال عبدالناصر في الخمسينات للدولة الوطنية العلمانية ونجاحه في تحجيم نفوذ الإخوان، ساهم بقوة في تقليص انتشار الحجاب بين المصريات.

وبعد رحيل عبدالناصر جاء الرئيس السادات ليفسح المجال أمام تيار الإسلام السياسي، في محاولة للقضاء على تيار الاشتراكيين والعلمانيين من مؤيدي عبدالناصر، فازدهرت مرة أخرى ظاهرة الحجاب، لا سيما مع السماح بظهور دعاة جدد لا ينتمون إلى مؤسسة الأزهر ويملكون “كاريزما” مميزة للتأثير في الرجال والنساء على حد سواء، مثل الشيخ كشك والمحلاوي وغيرهما.

خلال حقبتي التسعينات من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي، اكتسبت ظاهرة الحجاب قوة إضافية، بعد أن تمكن بعض الدعاة الجدد، مثل عمر عبدالكافي وعمرو خالد من إقناع عدد غير قليل من الفنانات بارتدائه.

واستمر هذا المد حتى بلغ ذروته عقب ثورة يناير التي مهدت الأرض السياسية للصعود المؤقت للإسلاميين، والهيمنة المؤقتة على المؤسسات، التي كانت محرمة عليهم، مثل الرئاسة ومجلس الوزراء، إضافة إلى أغلبية البرلمان، لكن السنة الوحيدة التي حكمها محمد مرسي الإخواني أفرزت بداية جديدة لانكسار ظاهرة الحجاب.

الدكتور محمد حافظ أحد قيادات حزب النور السلفي، قال تعقيبا على ذلك، إن الحجاب فرض في الإسلام، مثلما في الدين المسيحي، ومن غير المقبول أن نربطه بجماعة معينة أو تيار سياسي دون غيره.

الشوباشي أكد أن مبعث دعوته هو اقتناعه بأن أغلب الفتيات المحجبات مرغمات على ارتداء الحجاب منذ صغرهن، وأنهن يتعرضن للضرب والإهانة في البيوت والمدارس، مستدلا على ذلك ببعض الحالات التي حدثت على فترات زمنية متباعدة عندما قام بعض المدرسين من الإخوان بقص شعر طفلتين لإرغامهما على ارتدائه.

الدكتور محمود الخيامي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وصف لـ”العرب” دعوة الشوباشي بأنها دعوة للكفر بأحد الفروض والثوابت في الدين الإسلامي، في إشارة منه إلى أن ارتداء الحجاب ليس فيه اجتهاد، بل إنه أمر مسلّم.

بينما اكتفى الشيخ ناصر رضوان رئيس ائتلاف الصحابة مؤسس ائتلاف أحفاد الصحابة وآل البيت، بقوله: إن فكر الشوباشي لا يختلف كثيرا عن تنظيم داعش الإرهابي، فكلاهما متطرف في فكره عن الإسلام.

اللافت أن ناشطين مسيحيين انضموا إلى الإسلاميين في الهجوم على دعوة الشوباشي، حيث طالب جرجس بشرى، الناشط الحقوقي القبطي، الشعب المصري برفض دعوات رفع الحجاب، قائلا في بيان أصدره على صفحته الشخصية على “فيسبوك”: أيها المصريون ارفضوا دعوة شريف الشوباشى للتظاهر لخلع الحجاب في ميدان التحرير، لأنها دعوة مثيرة للفتنة في توقيت حرج تمر به الأمة”، لافتا إلى أن أمه المسيحية محجبة.

ومثلما ظهر منتقدون لدعوة الشوباشي ظهر أيضا من تضامن معها، مثل الكاتبة فريدة النقاش، التي قالت إن الحجاب فكرة من صناعة تيارات الإسلام السياسي، معتبرة ارتداءه إهانة للمرأة، مشيرة إلى أن المتأسلمين يتعاملون مع المرأة على أنها جميعها عورة صوتها وشعرها وجسدها.

تاريخيا ارتبطت علاقة المصريات بالحجاب بمحرار السياسة، فوصول التيارات الإسلامية إلى مواقع السيادة والسيطرة من إعلام ومقرات الحكم، مكنهم من نشر فكرهم القاضي بتطبيق الشريعة الإسلامية -من منظورهم الخاص- على المجتمع بكل فئاته، ولعل أهمها المرأة التي يرونها كائنا ضعيفا لا يجب أن يتجاوز حدود الواجبات تجاه الرجال القوامين عليهن.

انتشار هذا الفكر أنتج في أغلب الحالات صعودا في أعداد الفتيات والنساء المرتديات للحجاب تأثرا بما تلقينه وتقبلنه من توجيهات وتعليمات من الجهات الدينية والسياسية التي ينتمون إليها، غير أن ما شهدته مصر خلال حكم الإخوان بعد الثورة أدى إلى انحسار ارتدائه وكأنما تعاقب المصريات الإخوان على ما آلت إليه مصر إثر تقلدهم الحكم وعلى ما بلغته أوضاعهن الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية من سوء ولّد لديهن نقمة عن التطرف والتشدد وحتى عن تمظهرات التدين كالحجاب.