بعد أشهر من انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية في أبريل/نيسان الماضي،يواصل الجيش الوطني الليبي تحقيق المزيد من التقدم على الأرض فيما يتصاعد مأزق حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج التي تتزايد خسائرها ما دفعها للبحث عن دعم أمريكي جديد في محاولة لوقف التقدم المستمر للقوات المسلحة الليبية اتجاه الدخول الى العاصمة وانهاء سطوة المليشيات فيها.

وحاولت حكومة الوفاق الليبية عر وزير داخليتها المكلف فتحي باشاغا، الذي قاد وفد بلاده في زيارة إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، انتزاع دعم أميركي في محاولة لوقف تقدم الجيش الليبي الذي كثف مؤخرا من ضرباته بهدف التسريع في عملية دخول العاصمة طرابلس في أقرب وقت.

ودعت الولايات المتحدة الأمريكية، قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، إلى وقف هجومه على العاصمة طرابلس.وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان لها، بعد زيارة وزيري الخارجية والداخلية في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها لواشنطن "تدعو الولايات المتحدة الجيش الوطني الليبي إلى إنهاء هجومه على طرابلس"، وذلك حسب وكالة "رويترز".

وبالرغم من محاولات الدوائر المقربة من حكومة الوفاق اظهار هذه الدعوة الأمريكية لوقف القتال بمثابة انتصار سياسي لها،فان الكثير من المتابعين للشأن الليبي يرون بأن هذه الدعوة لا تعكس موقفا أمريكيا ايجابيا من حكومة الوفاق،وذهب الباحث السياسي الليبي سراج الدين التاورغي،الى اعتار الدعوة الأمريكية تأكيد على شرعية الجيش الليبي.

ونقلت وكالة "سوتنيك" الروسية عن التاورغي،السبت،قوله أن "الدعوة الأمريكية غير ملزمة للجيش الليبي، بل هي تأكيد على شرعيته وما يقوم به، خاصة أن الجانب الأمريكي نفذ غارات عدة في المنطقة الغربية ما يؤكد وجود الجماعات الإرهابية في العاصمة طرابلس".وأشار التاورغي إلى أن "التجهيزات والاستعدادات الأخيرة للجيش تؤكد أن القوات عازمة على عدم التراجع وتحرير العاصمة، وأنه لا يمكن فرض أي رؤية للتراجع عن محاربة الإرهاب، وأن العالم يدرك ذلك جيدا خاصة بعد وجود أدلة قاطعة بذلك".

وعرفت الإدارة الأميركية باعترافها بدور الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر في محاربة الإرهاب وحماية المنشآت النفطية.وقد أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتصال هاتفي بعد أيام قليلة من بداية معركة تحرير طرابلس،بدور "المشير خليفة حفتر الجوهري في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية"،حسب بيان للبيت الأبيض.وأكد البيان حينها أن ترامب وحفتر "تناولا رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر".

وبحسب فرج الشلوي، عضو مجلس النواب الليبي،فأن الموقف الأميركي الجديد الداعي لوقف اطلاق النار في طرابلس "لا يخرج عن كونه مجاملة لوفد حكومة الوفاق"،مشيرا الى إن "قرار إيقاف الحرب ليس بيد أميركا أو أي دولة أخرى، وإن الجيش الليبي يستعد منذ فترة لهجوم كاسح ونهائي على جميع محاور القتال" في طرابلس".

ونقلت صحيف "الشرق الأوسط"،عن الشلوي وله أن "أميركا تعلم جيداً أن الجيش الوطني يحارب ميليشيات مسلحة، وما تبقى من الميليشيات الإرهابية الفارة من سوريا"،مشيرا الى أن "المشير (حفتر) ليس محسوباً على أميركا ولا على أي طرف خارجي. هو مجرد إنسان وثق فيه بعض ضباط وجنود القوات المسلحة والتف حولهم الشعب"، بحسب رأيه.

وتأتي هذه التطورات في وقت صعد فيه الجيش الليبي من عملياته العسكرية على تخوم العاصمة الليبية،وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش،السبت، أن القوات المسلحة قامت بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية البرية والجوية على مواقع وتمركزات القوات التابعة لحكومة الوفاق في محيط العاصمة طرابلس.

وبينت شعبة الإعلام الحربي أنه جرى تنفيذ غارات جوية بمنطقة وادي الربيع استهدفت ثلاث شاحنات مُحمّلة بالذخائر وآليات مُسلحة، والتي تنقل أيضاً عدد من العناصر الإرهابية ، موضحة أن الضربات كانت دقيقة للغاية ونتج عنها خسائر فادحة في صفوف قوات حكومة الوفاق.وأوضحت شعبة الإعلام الحربي أنه جرى أيضا تنفيذ غارة جوية بمنطقة تاجوراء استهدفت عدد خمس عربات مُسلحة تابعة لقوات حكومة الوفاق وتم تدميرها بالكامل كما جرى تنفيذ غارة جوية على مواقع قوات الوفاق بمحور خلة الفرجان ومحور عين زارة.

وتزايدت الخسائر في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق،حيث أعن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،عن مقتل القيادي في مليشيات مصراتة صدام عبدالسلام اقشيرة من مواليد 1993 آمر سرية الكورنيت بمليشيا "301 سرانتيات"، خلال مواجهات مع قوات الجيش الليبي في محور اليرموك-طرابلس.

كما أعلنت عمليات الكرامة،السبت،عن سقو أعداد كبيرة من الجرحى في صفوف قوات الوفاق بمحوري صلاح الدين وعين زارة وتخصيص مستشفى الحوادث أبوسليم لهم.فيما أعلن مركز مصراتة العام عن وصول 31 قتيل من القوات الموالية لحكومة الوفاق نتيجة الاشتباكات بمحور القرة بوللي و عين زارة فقط.

وفي سياق متصل،أعلن الجيش الليبي العثور على مقبرة جماعية في منطقة العزيزية "45 كم" جنوب العاصمة طرابلس، تضم أطفالًا قُصّرًا ومرتزقة.وقالت شعبة الإعلام الحربي، في بيان السبت، إن المقبرة دُفن فيها عدد من الجثث التابعة لقوات الوفاق، من بينهم مرتزقة وليبيون لم تتعدَ أعمارهم الثمانية عشر عامًا، حيث شارك في عملية الانتشال فريق الهلال الأحمر فرع ليبيا.

وأشارت الشعبة إلى أنها ستنشر مشاهد مصورة توضح جثث الأطفال التي عُثر عليها، والتي كانت تقاتل في صفوف قوات الوفاق، وأبلغوا أهاليهم بأنهم وقعوا تحت أسر قوات الجيش الوطني.فيما قال المركز الإعلامي "العزيزية-ورشفانة"، التابع للجيش الليبي: إنّ المقبرة تضم أكثر من 18 جثة من المرتزقة التشادية، عثر عليها الجيش الليبي في الساعدية الشرقية، مضيفًا:"نعتقد بوجود عدة مقابر مماثلة في المنطقة".

وتتهم حكومة الوفاق بتجنيد الأطفال في المعارك الدائرة في العاصمة الليبية.وسبق وحذر الجيش الليبي من تجنيد مليشيات أبوعبيدة الزاوي "شعبان هدية" الأطفال لتقاتل ضد الجيش في طرابلس بإغراءات مادية.كما حذر من تجنيد 20 طفلا من منطقة الحرارات لم يصلوا سن الثامنة عشر للقتال مع المليشيات مقابل مبالغ مالية.

وسبق أن أعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،في مايو الماضي اكتشاف مقبرة جماعية بمدينة القربولي، شرق العاصمة طرابلس، مؤكدا وجود عدد من المقابر الجماعية التي أقامتها المليشيات.وقال المركز أن "المليشيات تدعي أن قتلاها أسرى لدى الجيش الليبي للتغطية على خسائرها الفادحة، وخوفا من ردة فعل أهالي القتلى، واتهاما للقوات المسلحة بهذه الأفعال".

وأوضح المركز، بأن "ما يقوم به الميليشياوي أسامة الجويلي من التغرير ببعض شباب الزنتان هو ضرب للنسيج الاجتماعي بهذه القبيلة العريقة المجاهدة التي تقف مع القوات المسلحة العربية الليبية، وهذا لا يستغرب من الذي يقوم بتجنيد المرتزقة ضد القوات المسلحة الشرعية".وحذر المركز في بيانه الشباب الليبي من الانخراط في صفوف هذه الميليشيات وترك السلاح والانصياع للقانون.

ويبدو أن الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس تسير نحو تطورات هامة قد تكشف عنها الأيام القادمة.  فالجيش الوطني الليبي الذي يشن هجوما منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي، بهدف بسط سيطرته على المدينة وإنهاء نفوذ المليشيات المسلحة فيها، يبدو أنه يتجه نحو تغيير تكتيكاته العسكرية التي اعتمدت على استنزاف المليشيات وقرر التصعيد باتجاه اقتحام طرابلس وتحريرها بصفة كاملة.

ومنذ أبريل الماضي، أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" بهدف إنهاء نفوذ المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية.  لكن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج سارعت لعقد تحالفات مع المليشيات لصد قوات الجيش الليبي التي نجحت خلال الأيام الأولى للمعركة في السيطرة على عدة مدن ومناطق إستراتيجية على تخوم العاصمة طرابلس،وتواصلت المعارك على أشدها خلال الأشهر الماضية وسط دعوات دولية لانهاء القتال.

وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويشير هؤلاء الى أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة مؤسسات الدولة يمثل أولوية قصوى في اتجاه تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.