تتصاعد وتيرة الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس منبئة بتطورات هامة قد تكشف عنها الأيام أو الساعات القليلة القادمة،خاصة في ظل التقدم الميداني المتواصل للجيش الوطني الليبي الذي يشن هجوما منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،بهدف بسط سيطرته على المدينة وانهاء نفوذ المليشيات المسلحة فيها،والذي يتزامن مع تأكيدات عسكرية بقرب حسم المعارك.
ويواصل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، تضييق الخناق على الميليشيات المسلحة وتكثيف ضرباته على تمركزاتها في عدة مناطق تمهيدا لدخول العاصمة طرابلس خلال أيام،وهو ما أكده اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم قوات الجيش الليبي:بقوله "سندخل العاصمة طرابلس خلال أيام".
وقال المسماري في مؤتمر صحفي،"إن شرعية عمليات الجيش مستمدة من الشعب الليبي، وأن عملية الكرامة صارت رمزا للوطنية داخل ليبيا و خارجها. نحن أمام مهمة تاريخية تنفّذ في إطار القانون".وأضاف "الأموال القطرية و التركية دمّرت العاصمة طرابلس، وهدف عملياتنا في طرابلس القضاء على الجماعات الإرهابية والإجرامية في العاصمة".
 وأكد المسماري أن "هناك حملة إعلامية كبيرة جدا تستهدف قوات الجيش الليبي".وحول أهداف الجيش عقب تحرير طرابلس قال المتحدث "نعمل على الوصول إلى تنظيم انتخابات حرّة تلبي تطلعات الشعب الليبي".وأضاف المسماري "سنحاسب فائز السراج (رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا) أمام الشعب الليبي".
وتأتي تصريحات المسماري بالتزامن مع تطورات ميدانية متسارعة،حيث تمكنت قوات الجيش الليبي، الخميس، من فرض سيطرتها على مواقع وتمركزات جديدة في محيط جنوب العاصمة طرابلس وضواحيها.وأكد المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،في تدوينة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "إن مواقع جديدة تسيطر عليها قواتنا وتدخلها لأول مرة وانهيار في صفوف الميليشيات"، بحسب تعبيره.
ومن جانبه،أوضح مصدر عسكري – فضل عدم ذكر اسمه- في تصريح خاص لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، إن الوحدات العسكرية أحرزت تقدمات في محور عين زاره، ووادي الربيع وصلاح الدين بالعاصمة طرابلس، لافتا إلى أن التمركزات بمحور الخلة لازالت تحافظ على أماكنها كما هي.
وشهدت في مدينة طرابلس الليبية،أمس الأربعاء،معارك عنيفة بين الجيش الوطني والقوات الموالية لحكومة الوفاق، شهدت استخدام مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، خاصة في الضواحي الجنوبية من العاصمة.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن مسؤول بارز في الجيش الوطني، إن "قوات الجيش اقتربت جدا من اجتياح العاصمة طرابلس، وفقا للخطة الموضوعة من القائد العام للجيش المشير حفتر". لكنه لم يكشف مزيدا من التفاصيل.
وتحدث المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة"، التابع للجيش الوطني، عما وصفه بضربة موجعة للدعم التركي، ومشروع الموز، وذلك من خلال قصف قوات الجيش للجزء العسكري في مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، أول من أمس.وقال المركز إن "الميليشيات التي قصفت عشوائيا في كل الاتجاهات 11 صاروخا لعربات جراد تم إسكاتها نهائيا، وتدميرها باستهداف جوي"، لافتا إلى أن ضربات جوية أخرى استهدفت تجمعات الميليشيات في عين زارة والخلة، وشوارع الخلاطات بجنوب العاصمة.
ورأى المركز أن الضربات الليلية جعلت عددا من الميليشيات تنسحب باتجاه مدينة مصراتة، وقال إن "الهروب الجماعي لهذه الميليشيات سيكون قريبا".فيما أعلنت غرفة عمليات الكرامة سوق الجمعة، أن سلاح الجو استهدف طائرة ميغ 25 اعتراضية بقاعدة معيتيقة الجوية، تم تجهيزها منذ أيام لاعتراض طائرات سلاح الجو التابعة للجيش الليبي. وأوضحت الغرفة، أن الطائرة المستهدفة جُهزت من قبل طاقم أجنبي تركي، مشيرة إلى أنّ استهداف الطائرة وتدميرها أدى إلى حدوث إشكالية بين المجموعة المتواجدة بهنجر الصيانة بسبب اتهام بعضهم الآخر بالخيانة وإعطاء الإحداثيات.
وفي غضون ذلك،تتواصل أزمات حكومة الوفاق سياسيا في أعقاب تصريحات حليفها التركي أردوغان والتي تحدث فيها،عمّا رآه حق بلاده في الحضور في دول عدة كانت ضمن "جغرافيتنا القديمة"،مما غضب كثير من الليبيين، في جميع أنحاء البلاد، ما دفعهم إلى مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لاستبعاد أنقرة من حضور اجتماع برلين المرتقب حول الأزمة الليبية.
واعتبر ليبيون أن تصريحات أردوغان تعد بمثابة دليل على نواياه المشبوهة في ليبيا وهو ما وضع حكومة الوفاق في مأزق بحكم تحالفها مع أنقرة.وقالت مجموعة "أبناء ليبيا" في بيان وقّع عليه دبلوماسيون سابقون وأكاديميون ونشطاء، إن سبب تمادي إردوغان وادعاءاته يرجعان إلى "السلطة الحاكمة في طرابلس وحلفائها الإسلاميين المتحالفين مع أنقرة".
ومنذ أبريل الماضي،أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية.لكن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج سارعت لعقد تحالفات مع المليشيات لصد قوات الجيش الليبي التي نجحت خلال الأيام الأولى للمعركة في السيطرة على عدة مدن ومناطق استراتيجية على تخوم العاصمة طرابلس.
ومع تصاعد خسائرها استنجدت مليشيات الاخوان بتركيا التي دخلت معركة طرابلس بقوة حيث سارعت بارسال شحنات السلاح بحرا وجوا.ولم تكتفي بذلك بل أرسل أردوغان ضباطه للاشراف على المعارك وقصف الليبيين بطائرات تركية مسيرة،وفتحت المليشيات الباب للعناصر الارهابية القادمة من سوريا عن طريق تركيا التي تمثل الداعم الأبرز لهذه العناصر خدمة لأجنداتها في العديد من الدول.
ووصف مجلس مشايخ وحكماء مدينة ترهونة، خطاب إردوغان بأنه "عكس بشكل واضح سياسة حزبه الاستعمارية"، مشيرين إلى "أنه زعم أن لبلاده حقاً في ليبيا إضافة إلى حقها في دول بينها سوريا، ضمن ما يعدّه إردوغان جغرافية سلطنتهم العثمانية القديمة... ونحن نطالب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بأن تعمل على إيقاف الصلف التركي الاستعماري الذي كشر عن أنيابه، وأخبر بنفسه عن حقيقة نياته الاستعمارية في بلادنا". وأضاف مشايخ وحكماء ترهونة "إن الإرث العثماني في بلادنا لا نذكره إلا بالدم والفقر والجهل والضرائب والسلب والنهب ودكّ القرى بالمدافع وقتل أجدادنا".
وتتزايد الضغوط على حكومة الوفاق في ظل ارتهانها للمليشيات المسلحة وللأجندات القطرية والتركية التي تسعى لتمكين تيار الاسلام السياسي الموالي لها من مقاليد السلطة امعانا في نهب ثروات الليبيين.وكان رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح،طالب الثلاثاء، الأمم المتحدة بضرورة اتخاذ خطوات جادة لحماية ثروات الشعب الليبي ووقف جرائم النهب والسرقة من قبل حكومة الوفاق غير الدستورية بقيادة فايز السراج.
وشدد صالح، خلال مذكرة رسمية أرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، على ضرورة حماية أموال الليبيين المجمدة والمودعة بمؤسسات مالية خارج البلاد من قضايا التعويضات الوهمية، التي يسعى رافعوها للحجز والتصرف فيها.وتابع: "يتعين حماية الصناديق السيادية في الخارج التي تسعى حكومة الوفاق غير الشرعية إلى رفع التجميد عنها بحجة تنفيذ مشاريع تنموية بينما الثابت أنها تسعى لنهبها والاستيلاء عليها وتسخيرها لدعم الجماعات الإرهابية للسيطرة على العاصمة طرابلس".
وجدد رئيس مجلس النواب الليبي مطالبته لمجلس الأمن بضرورة إعادة النظر في استمرار ترأس فايز السراج لحكومة الوفاق، بعد انتهاء المدة المقررة في الاتفاق السياسي وعقب فشلها في إدارة البلاد.وقال عقيلة صالح: "السراج يترأس جسماً غير شرعي بالمخالفة للاتفاق السياسي، كما يباشر عمله دون تأدية اليمين القانونية".وأضاف: "السراج تفرد بإصدار قرارات مخالفة للاتفاق السياسي الذي ينص على أن قرارات المجلس الرئاسي بالإجماع".
ولفت رئيس النواب الليبي إلى أن المحاكم الليبية قضت ببطلان قرارات وإجراءات المجلس الرئاسي لعدم دستورية ومخالفته لأحكام المادة رقم 27 من الإعلان الدستوري، التي تنص على أن الميزانية تصدر بقانون.مشيرا الى أن حكومة فايز السراج خالفت كذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2259، الذي يطلب فيه إكمال الترتيبات الأمنية لبسط الاستقرار في البلاد.
وأوضح صالح أن المنطقة الغربية من ليبيا بما فيها العاصمة طرابلس تعاني من انفلات أمني وسيطرة الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة الخارجة عن القانون،مؤكدا من جهة أخرى أن حكومة الوفاق لم تلتزم بالقرار رقم 1470/2011 في تعاونها مع المحكمة الجنائية والمدعي العام، بل عينت مطلوبين للعدالة في وظائف قيادية ودبلوماسية.
ودخلت حكومة الوفاق الوطني طرابلس في 30 آذار/مارس عن طريق البحر، واستقرت في القاعدة البحرية في المدينة.ورغم التأييد الدولي الواسع الذي رافق وصولها الى العاصمة الليبية، ورغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"، إلا أن حكومة السراج لم تستطع نيل ثقة البرلمان كما عجزت عن حل أزمات البلاد وإنهاء حالة الانقسام.
كما مثل عجز حكومة الوفاق دافعا كبيرا لتغول المليشيات وسيطرتها على مؤسسات الدولة وباتت العاصمة الليبية في قبضة المتطرفين الذين استنزفوا ثروات البلاد فيما يعيش المواطن الليبي أوضاعا صعبة في ظل تهاوى الخدمات الصحية العامة، وأزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ومأزق السيولة النقدية، وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار العملات الصعبة وتوقف المصارف.وباتت حكومة الوفاق في ظل هذه الأوضاع المتردية في مرمى الغضب الشعبي الذي تمثل في خروج مظاهرات متكررة في أكثر من مناسبة تطالب بإسقاط رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.
وفي أغسطس الماضي،تقدمت "مجموعة أبناء ليبيا" التي تضم عددا من المثقفين والناشطين السياسيين والإعلاميين بمقترح في رسالة وصفتها بـالهامة موجهة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة طالبته خلالها بالنظر الجاد والعاجل في سحب الاعتراف الأممي بالمجلس الرئاسي وحكومته.وعددت المجموعة في رسالتها 10 أسباب دفعتها إلى طلب سحب الاعتراف الدولي من حكومة الوفاق، مؤكدة أن المجلس الرئاسي غير منتخب، ولم يختره جسم منتخب أصلا وأنه لا يجسد إرادة الشعب التي هي أساس الشرعية، وفقا للرسالة.
وتأتي هذه التطورات لتزيد من الضغوط على حكومة السراج محليا في وقت يتصاعد فيه الحديث عن عزلتها دوليا وهو ما أشارت اليه مؤخرا  صحيفة "ديلي نيوز"،التي أشارت إلى تغيّرات في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وتطورات في تعامله مع الملف السوري ستتبعها تغيّرات أخرى في تعامله مع الأزمة الليبية عبر دعمه للقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر مقابل تخليه عن رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
ربطت الصحيفة بين تخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "حلف تاريخي" مع الأكراد، وبين تخلٍ محتمل له عن حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج، إذ توقفت الصحيفة عند الاتصال الهاتفي لترامب الذي أجراه مع قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في شهر أبريل الماضي بعد أيام قليلة من بدء حرب تحرير طرابلس.
وأثنى ترامب، وفقًا للبيت الأبيض، على "دور حفتر الهام في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية". وبحسب الصحيفة، فإن اتصالا إضافيا أجراه آنذاك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أسهم في بلورة موقف لدى ترامب بأن ليبيا تحتاج إلى القضاء على الإرهاب ومكافحته، قبل أن يُقرّر ترامب معارضة قرار دولي يطلب وقف تنفيذ عمليات الجيش الوطني في طرابلس.
ويرى الكثيرون أن حكومة الوفاق فشلت في فرض نفسها بسبب ضعفها وإعتمادها على المليشيات،كما كشفت معركة طرابلس تحول حكومة السراج الى بوابة لتدخل العديد من الدول في الشأن الليبي وخاصة المحور التركي-القطري الذي يسعى لتمكين تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" الموالية له من السلطة بهدف تمرير أجنداته ليس فقط في ليبيا وانما في المنطقة ككل.ويرى مراقبون أن المجتمع الدولي قد تفطن لضعف حكومة السراج وعجزها عن مواجهة التحديات الكبرى في البلاد وحل أزمات ليبيا التى باتت معقدة.