مع أن الرجل دخل دهاليز النظام الجزائري مبكرا ومع أنه حامل لشهادة جامعية عليا سنوات الستينيات من القرن الماضي في بعد استقلال الجزائر بسنوات قليلة فقط - وهو أمرٌ نادر في زمانه - إلا أن الشارع الجزائري لا يكاد يحتفظ لـ"علي بن فليس" سوى بصورة الرجل الذي ترشح ضد الرئيس بوتفليقة في رئاسيات عام 2004 وما صاحبها من جدال كون الرجل حين اشتد ساعده وأصبح رئيسا للحكومة حاول قلب نظام من وضع الثقة فيه. وعلى النقيض من ذالك ، للحكاية في مخيلة آخرين جذور تمتد إلى عقود ماضية تكون الجهوية الضيقة لدى بعض منهم في السلطة وبعض أصحاب النفوذ بالبلاد إحدى محددات فهمها.

"بن فليس" المحامي والقاضي فالوزير  

ولد على "بن فليس" في 8 سبتمبر عام 1944 بمحافظة "باتنة" الشرقية و تخرج من معهد الحقوق بالعاصمة الجزائرية عام 1968 ليعين قاضيا بمحكمة البليدة (50 كلم جنوب العاصمة) ثم نائبا عاما بمجلس القضاء في مسقط رأسه. اشتغل بالهيئات الحكومية التابعة لوزارة العدل الجزائرية في عدة مناصب ودخل المحاماه سنوات الثمانينيات والتي اشتغل فيها لمدة طويلة ، وبعدها تحول مسار الرجل الذي كان يشتهر كونه رجل قانون إلى الرجل النقابي الذي دافع عن حقوق المحامين لجهته الشرقية ولعل ذلك ما عبد الطريق في أن ينتقل إلى السياسية ويكون أحد رجالها. وكان انتخابه نائبا بالبرلمان عن ضاحيته باب ولوج السياسة من الباب الأعلى.  

قفز سلم التدرج المهني للمحامي والنائب البرلماني ليصبح وزيرا في مجال إختصاصة عام 1988 حين عين وزيرا للعدل في حكومة المغتال لاحقا "قاصدي مرباح" واحتفظ بالمنصب على مدار أربعة أعوام حتى حكومتي "مولود حمروش" و "سيد أحمد غزالي". وكون الوزير رجل قانون بالأساس فقد عرف القطاع في عهده قرارات جريئة وعميقة بصدور القانـون الأساسي للقضـاء سنة 1989 الذي كـرس اسـتقلال السلـطة القـضائية لأول مرة بالبلاد ثم تـلاه صـدور القانون المـنظم لمـهنة المحاماة الذي ناضل من أجله أيام كان نقيبا عن المحامين والذي دعم حـقوق الدفـاع ثم القوانـين المتـعلقة بمـهن التوثيـق و المحـضر و النصوص المتـعلقة بكـتابة الضـبط وكلها قوانين ونصوص كانت تعاني نقصا واختلالا كونها استنسخت عن إدارة الاستعمار الفرنسي وبقيت سارية لأكثر من ثلاثة عقود.

جبهة التحرير الوطني عنوان الارتكاز دوما

ظل كل من يريد التسلق للمناصب العليا بالجزائر بما فيها المناصب السياسية مربوطا بالانتماء إلى الحزب الوحيد قبل إقرار التعددية بالبلاد عام 1990 وبعدها أيضا - وحتى الآن - كطريق أقصر من طرق الكفاءات والشهادات وغيرها. و تعتبر العضوية باللجنة المركزية للحزب أصعب من ولوج المناصب الحساسة، وعليه كانت عضـوية اللجـنة التنفيذية و المـجلس الوطـني لجبهة التحرير عام 1985 الخطوة العملاقة لـ "بن فليس" لولوج باب الوزارة لأول مرة . كما كانت رئاسته للأمانة العامة للحزب العتيد  في 20 سبتمبر 2001 عنوانا لإستمراريته في رئاسة الحكومة التي تقلدها قبل عام من ذلك وبقي فيها حتى عامين بعدها في وقت اعتبرت فيه أوساط متتبعة للشأن الجزائري أن ذلك كان لخلق توازن جهوي لا غير بين الجهة الشرقية للجزائر التي ضيعت الحكام و رئاسة البلاد لصالح أبناء الجهة الغربية بعد تولى الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" وهو ابن مدينة "تلمسان" الغربية.

ولعل المفارقة أيضا أن مرشح حزب جبهة التحرير في كل حقبات البلاد كان الأبرز والأهم والأوفر حظا لكن ترشيح الجبهة لـ"علي بن فليس" في رئاسيات الـ 8 أبريل 2004 لمنصب رئيس الجمهورية لم يف بالغرض وهزم بعد أن قسم  ترشيحه البلاد من مواطنين وصناع القرار كذلك في موقف قوي يحتمل أن يعاد هذه المرة مع إعادة ترشحه لرئاسيات الـ 17 أبريل 2014 بعد عشر سنوات كاملة طلق فيها "على بن فليس" الأمانة العامة لأقدم حزب بالجزائر مجبرا في ماي 2004 بأمر قضائي بعد شهرين من تزكيته من طرف المؤتمر العام للحزب قبيل الرئاسيات وأعلن عدم مغادرة السياسة والبقاء وفيا لأفكاره التي لم يتقدم لتجسيدها في الانتخابات الرئاسية لعام 2009 لعلمه بإحكام الرئيس "بوتفليقة" قبضته على زمام اللعبة السياسية برمتها بالبلاد ولكنه أعاد تجديدها الآن فيما يراه محققا إن تجسدت العدالة واستقلت الإدارة والسلطة التنفيذية ووراءه جهة شرقية كأكبر داعم له.

الشاوية و الحكم المفقود

مع أن اسم "على بن فليس" يحمل في جعبته رجل القانون والسياسة المحنك صاحب الأفكار المرتبة والممنهجة ومع أن الرجل ذو شعبية وطنية تلتمس كل ربوع الجزائر الطويلة والعريضة، إلا أنه لا يخفى على أحد بالجزائر ذلك الصراع الخفي الظاهر بين من يسمون بأصحاب الغرب وأصحاب الشرق في وقت لا يجد فيه سكان مناطق آخرى كالصحراوية أو السهبية من يجمع إطاراتهم الكثيرة في المناصب الحساسة المتعددة ليشكلوا جبهة مماثلة وبقوا مساندين لإحدى الجانبين أو ممتنعين عن الدخول في السجال أصلا. وتعتبر الانتخابات الرئاسية لعام 2004 أكبر مجسد لذلك الصراع بعدما استدام حكم الجهة الشرقية للبلاد على رأس هرم السلطة من الراحل الرمز "هواري بومدين" إلى الراحل "الشاذلي بن جديد" إلى هيئة المجلس الانتقالي سنوات العشرية السوداء إلى "اليمين زروال" الذي يأبى الترشح الآن. وكانت انتخابات عام 1999 عنوان التغيير الجهوي إلى الغرب مع "بوتفليقة" النظام الذي أراد تغييره لصالحه باستبعاد أسماء عسكرية قوية شرقية واستبدالها بإطارات شابة موالية وما تلاها من تغيير في المناصب السياسية والوزارية والمركزية المهمة والتي صبت كلها في مجرى واده حتى نعتت التشكيلة الحكومية في سنوات معينة بأنها وزارات "تلمسان" وندرومة" (وهي بلدة قريبة من تلمسان) بضمها لأكثر من 13 وزيرا في الحكومة. وكان ذلك بالأمر الذي يصعب هضمه ممن كانوا في صفوف قيادة البلاد الأولى. وشكلت الجبهة المناهضة لتجديد ولاية ثانية للرئيس "بوتفليقة" عنوانها "علي بن فليس". وضخ أصحاب المال من الشرق عملاتهم وأنشأوا قناة تلفزيونية تبث من لندن تحت وصاية المجمع البنكي "الخليفة" الذي حل بعد ذلك وفرار صاحبه قبل أن يعاد ليحاكم بالجزائر مؤخرا كنوع من النكاية لمن وظفوه. وحشد مؤيدو الشرق ترسانتهم من مختلف هيئات الدولة الرسمية بما فيها الجيش والشعبية إلى درجة أن أسماء سياسية ووطنية وعناوين حزبية احتارت في الميل إلى أي الجانبين. واليوم العود أحمد لـ "علي بن فليس" وهو المحسوب على منطقة " الشاوية" (أمازيغ الغرب) التي ناضلت وقدمت من الشهداء للبلاد الكثير بينها والده وشقيقه. وإن كان من الجزائريين وهم كثر من يرفضون باب الجهوية في التفكير وفي حكم البلاد إلا أن ذلك واقع عند البعض يعول عليه تحت مظلة على بن فليس و "عبد العزيز بلعيد" رئيس "جبهة المستقبل" المرشح من البلدة والجهة ذاتها. و يبقى مع كل هذا اسم "علي بن فليس" اسما ثقيلا سياسيا وفاعلا بشهادة الجميع.