حيثما وليت وجهك في موريتانيا ثمة صبي منهمك في العمل في ظروف أكثر من قاسية ، مجسدا بذلك جزءا من عذابات الطفولة البريئة في موريتانيا .
لا يختلف اليوم في حياة أحمد ذو الخمسة عشر ربيعا عن ماضي أيامه منذ التحاقه قبل أربع سنوات بصفوف الكادحين ، بعيد ا عن مقاعد الدراسة يتنقل في يوم يتجاوز أحيانا أربع عشرة ساعة من سيارة لأخرى عونا لرب عمل يدفع له مقابل شقائه أقل من دولار لليوم .
الطلاق والفاقة والفشل الدراسي أبرز أسباب الظاهرة
عشرات الأطفال في ورشات وشوارع انواكشوط وزقاق مدن موريتانيا الداخلية يمارسون مهنا مختلفة لا تناسب براءة سنهم ولا تستطيع بنياتهم الجسمية تحمل ، أغلبهم تحول في عمر الزهور إلى معيلي أسر مما يجنيه من دخل ضئيل نتيجة اليتم أو شدة الفاقة أو الطلاق المفاجئ لأب تزوج لضرورات العمل أو لإشباع غريزة عابرة.
بيد أن جيوش العمالة الصغيرة في موريتانيا باتت تولد مشكلات اجتماعية أخرى كجنوح القصر وانتشار استعمال المخدرات في صفوفهم .
ويرى باحثون اجتماعيون أن وراء ظاهرة عمالة الأطفال أسباب لعل أهمها التفكك الاسري في ضوء غياب إطار ترعاه الدولة يكفل ضمانا اجتماعيا للأطفال الضحايا ، إلى جانب ثلاثي الجهل والأمية والفقر ما يعني أن الظاهرة تحمل بعدا اقتصاديا واجتماعيا.
أرقام مخيفة
تعتبر عمالة الأطفال من أكثر الظواهر الاجتماعية المقلقة في موريتانيا، والتي تشهد نموا كبيرا منذ سنوات مع تزايد الفقر في المجتمع الموريتاني.
ورغم أن موريتانيا من أوائل البلدان التي صادقت على المواثيق الدولية التي تجرم عمالة الأطفال، إلا أن البعض يرى ضرورة سن المزيد من القوانين المحلية للحد من الظاهرة التي تشير الأرقام الرسمية أنها تبلغ 13 بالمائة، في حين تؤكد بعض المنظمات الحقوقية أنها تتجاوز 16% من عمال موريتانيا .
ويقول مختصون ان الحد من ظاهرة عمل الأطفال في موريتانيا "لن يكون بقوة القانون حسب الكثيرين، لأن اللجوء لاستخدام الأطفال في أعمال شاقة شر لا بد منه".
الشر الذي لا بد منه !!!
يرى الباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد الجيد أنه "توجد قوانين زاجرة لكن المشكلة هي في تطبيقها، وفي هذه الحالة بالذات المشكلة ليست في القصور عن تطبيق القانون، وإنما في المجتمع الذي لا يمكنه أن يستوعب تطبيق تلك القوانين، المجتمع يعيش فقرا مدقعا".
ويؤكد أن كثيرا من الأسر الموريتانية تعيش على سواعد أبنائها القُصّر "فإذا منعتهم عن ذلك فعليك أن تقدم البديل، مادامت الدولة عاجزة عن سد تلك الثغرة فإن النتائج ستكون عكسية وكارثية".
وترى الكاتبة زينب بنت محفوظ في مقال لها أن "عمالة الأطفال هي ظاهرة يرفدها الفقر والجهل و غياب الدولة, إضافة إلي طبيعة المجتمع الموريتاني الحديث التي سمحت بتشكل فئة تقبع تحت فقر مدقع يسكنون في مناطق عشوائية في مساكن لا تصلح للاستخدام الآدمي".
يعمق مشكلة عمالة الأطفال في موريتانيا ارتباطها الوثيق بالفقر وبظواهر أخرى كالجريمة والتسرب المدرسي ما يعني عدم جدوائية الحلول الجزئية معها ويفرض مقاربة شاملة اجتماعية واقتصادية وأمنية للحد من تفاقمها ومن ثم معالجتها من جذورها .