سلط الصحفي محمد بعيو، الضوء على ملف إغلاق معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس. 

وقال بعيو، في تدوينة بعنوان (رأس جدير..معبر العذابين الاضطرار والإذلال) نشره عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "الموقف الذي اتخذته داخلية الوفاق بإقفال معبر رأس جدير مؤقتاً، هو موقف سليم وكان لابد من اتخاذه، رغم ما يترتب عنه من مصاعب ومتاعب لآلاف الليبيين الذين تضطرهم أسباب كثيرة لدخول تونس عن طريق هذه البوابة الحدودية الرئيسية، التي أصبحت منذ 2011 بوابة للمصاعب والمتاعب، عندما سيطرت عليها من الجانب الليبي، ميليشيات مناطقية جهوية، مثلما سيطرت ميليشيات مناطقية وقبلية أخرى على مطار طرابلس الدولي، قبل أن يتم تخريبه، وإغلاقه نهائياً في حرب ضياع لـــيـبـيـــا المسماة فجر لـــيـبـيـــا، وهذا لا يلغي حقيقة العبث وسوء المعاملة من الجانب التونسي، منذ 2011 أيضاً حين سقطت سلطة بن علي الأمنية القوية، ودخلت تونس دوامة الأدلجة والأسلمة والأرهبة، التي بلغت ذروتها بوجود ما سمي سلطة الترويكا حتى 2015، والتي أوصلت متطرفي النهضة السجناء والهاربين السابقين، أمثال حمادي الجبالي، وعلي العريّض، إلى سدة رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، ومكنت الجناح المتطرف فيها من السيطرة على بعض الأجهزة الأمنية الحساسة، في ظل الرئاسة الشكلية للسياسي الساذج المنصف المرزوقي، إضافة إلى تفشي ظاهرة الرشوة في تونس إلى درجة الوقاحة والابتزاز، عدا عمليات الإغلاق الابتزازية للمعبر وللطرق التي يقوم بها مهربو الوقود، كلما تم التضييق على تهريب الوقود من لـــيـبـيـــا، وهو عمل وطني قامت به مجموعة من الشباب الوطنيين، على رأسهم المهندس (ميلاد الهجرسي)، قبل أن تتمكن مافيات التهريب ذات النفوذ الكبير على المسؤولين الليبيين الضعفاء، من طرده وحل اللجنة، واستخدام ذراع المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط التي يتبعها الهجرسي، في التنكيل بالرجل الشجاع الذي خسر وظيفته، وكسب نفسه ووطنه، لكنه لم يحصل على أي دعم حقيقي من الوطنيين المزعومين، غير خربشاتنا الفيسبوكية الخجولة، التي نستخدمها لمجرد رفع العتب، وليس للعمل الوطني الحقيقي، الذي لا يكون إلا في الشارع وبين الناس، ولقد كان الهجرسي وزملاؤه أكثر وطنية وشجاعة، من وطنيي فنادق تونس والقاهرة صيادي الفرص في رحلة الصيد السوداء للطريدة التي هي لـــيـبـيـــا"، بحسب تعبيره.

وتابع بعيو، "ورغم بعض مظاهر الفوضى المتوقعة في فترة الانتقال الرئاسي في تونس، وبعض التشدد الأمني المفهوم، فإن المضايقات المنهجية التي تقوم بها سلطات الأمن التونسية في معبر رأس جدير، والتي تصاعدت هذه الأيام، لا يمكن فصلها في تقديري عن تكتيكات الإسلامويين في تونس ولـــيـبـيـــا، للتضييق على الليبيين العابرين إلى تونس، والتونسيين المستفيدين اقتصادياً ومعيشياً من هذا التدفق الليبي، الذي تزايد مع إغلاق مطار معيتيقة، خاصة سكان المناطق الحدودية في الجنوب التونسي، ضمن الصراع المتصاعد على السلطة في البلدين دموياً عنفياً في لـــيـبـيـــا، وعنفياً سياسياً وإعلامياً في تونس، حيث بدأت وبسرعة عملية ترويض وتدجين الرئيس المنتخب (قيس سعيّد)، بعدما ظهر منه من تغريد خارج سرب المافيا السياسية التونسية، التي تختلف أيديولوجياً وسياسياً، لكنها تتحالف واقعياً وموضوعياً، حرصاً على بقائها الذي هددته جدياً توجهات التونسيين خلال الانتخابات الأخيرة، وحفظاً لمصالحها غير الشرعية، التي يتطلب الحفاظ عليها ليس الحذر فقط من مخرجات صناديق الاقتراع، بل العمل على إحداث فوضى منضبطة تستخدم للضغط والابتزاز والسيطرة والتمكين. وتبقى حقيقةٌ لا مهرب منها، هي أن عذاباتنا نحن الليبيين من صنع أيدينا، أو بالأحرى وتحديداً للمسؤولية، من صنع منظومات الصراع على السلطة والثروة عندنا، فما الذي يمنع لو صدقت نوايا المتحاربين في طرابلس، خاصة القوى المهاجمة، من إعادة فتح مطار معيتيقة المدني، وتحييده تماماً عن الحرب، والامتناع عن قصفه أرضاً وجواً، ليساهم في تخفيف السفر براً. لا أريد أن أدخل في يوتيوبيا الحلم، فأتصور الآلاف منا نحن سكان طرابلس يشكلون طـوقاً حول المـطار التعيس، لحمايته وتشغيله، والتقليل من هذه التعاسة التي يعيشها الليبيون في عاصمتهم وأم مدائنهم، لكنني أتصور أنه ليس صعباً الإتّكاء على بقية من وطنية وإنسانية لدى المتحاربين، لمنع اتخاذ مطار معيتيقة، وكل المطارات المدنية الليبية متاريس وتبّات قتال، ونقاط تقاطع نيران، ومخازن للذخيرة، ومدارج ومهابط للطائرات العسكرية. لن يعطف علينا الجيران، ولن يتعاطفوا معنا، ما دمنا لا نعطف على بعضنا، ومادام بأسنا بيننا شديد، وما دامت بلادنا علينا رخيصة، وكرامة بعضنا عند بعضنا بخيسة، وإذا كان هذا العذاب ليس قدراً، ولابد أن يزول، فلماذا لا نبدأ نحن في إزالته قبل أن يُزيلنا وطناً وكياناً وشعباً من الوجود، وقد أوشكنا أن نزول"، بحسب قوله.