خصصت المجلة الفرنسية "لوبوان" مقالا للاقتصاد المغربي بعنوان "المغرب: نقاط ضعف المملكة"، معتمدة على أحدث تقرير لمعهد "أماديوس"، لا سيما في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي، في الربع الثاني من عام 2020، وأوضحت أنّ الناتج المحلي الإجمالي المغربي انكمش بنسبة 13.8 في المائة، وانخفضت الصادرات بنسبة 25 في المائة، أما بالنسبة للواردات فقد سجلت انخفاضا بنسبة 26 في المائة، ومن بين الآثار المباشرة لتداعيات الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، انخفاض الإيرادات الضريبية إلى 7.5 في المائة من عجز الموازنة. كما بلغ الدين العمومي 91.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى منسوب للديون في دول المغرب العربي.

وبسبب الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، استفحلت البطالة الرسمية التي تستثني القطاعات غير المهيكلة، حسبما أفادت إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، لتنتقل من 10.5 في المائة في الربع الأول من العام الجاري إلى 16 في المائة في الربع الثاني. بالإضافة إلى ذلك ، تم فرض عطالة مؤقتًة على 810 آلاف موظف وأجير أثناء فترة الحجر الصحي. وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، فقد تلقت 4.3 مليون أسرة تعيش من الاقتصاد غير المهيكل، مساعدات مالية. وأوضحت لجنة اليقظة الاقتصادية التي أنشئت خصيصا لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية للجائحة، أن 2.4 مليون مغربي يعملون في هذا القطاع الذي يدر 410 ملايير درهم أي ما يعادل نسبة 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي مواجهة هذه الصورة القاتمة، قدم معهد "أماديوس" بعض التوصيات، كما ركز بشكل خاص على نقاط الضعف الهيكلية للنموذج الاقتصادي المغربي الذي يشجع على انتشار اقتصاد الريع ويحد من المنافسة الحرة. ويقول المعهد إن المغرب مطالب بتركيز الإنتاج نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية الاستهلاكية، وتقوية المنتج الوطني المحلي للنهوض بالقطاع الاقتصادي بشكل متين قوي ومستدام، الأمر الذي يخول إغناء مصادر السُوق المَحَلِّي، إبتكار فرص جديدة للتصنيع، تنويع المنتجات الخاصة، ورفع الصادرات في عدد من القطاعات. بالإضافة إلى تفادي جعل الإنتاج الوطني مرتبطا ومرهونا بوضع السوق الدولي، مع عقلنة اللجوء إلى الواردات، من خلال وقف استيراد الاحتياجات غير الضرورية التي من شأنها استنزاف احتياطيات العملة الصعبة وإلحاق الضرر بالمنتوج المحلي، الذي يتعين أن يتمتع بالأولوية في الاستهلاك.

وبالنسبة لخبراء "أماديوس" فإن مغرب ما بعد كورونا، سيعرف مجموعة من المتغيرات التي تمس في العمق مواصلة الإصلاح الشامل للقطاعات الأساسية والاستثمار في العنصر البشري الذي يعد محرك التنمية، فالتفكير في نموذج تنموي يستلزم التركيز على القضايا التي تمس عمق المجتمع، وهي ثلاثية الأبعاد الاجتماعية الصحة التعليم والأمن بمفهومه الواسع، تهيئ الوسائل الجديرة بتحقيق معدل تنمية يضمن تكافؤ الفرص وتكريس قيم التضامن في المجتمع، تفعيل دور الجهوية المتقدمة في تحقيق العدالة المجالية وتوفير آليات خلق الثروة والسهر على توزيع عادل لثمار التنمية بين جميع الجهات، للحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتقليص معدلات الفقر والأمية والبطالة والتهميش. نموذج تنموي يكون بإمكانه تجسيد آمال وأحلام المغاربة، يضع في صلب اهتماماته قضايا الشباب وطبقة وسطى مواطنة، ترسيخ أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ويرفع المواطن إلى درجة العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية…

وما يحفز على الاستمرار في هذا التوجه، أن المغرب يوجد ضمن الدول الست الأولى في قائمة الدول العربية من حيث مؤشر الأمن الغذائي، حيث تحتل المرتبة 6 في الوطن العربي لسنة 2019 حسب وحدة المعلومات التابعة لمجلة "اكونمويست" البريطانية، ويصنف المغرب ضمن الدول الواقعة في المنطقة الخضراء عالميا، وهي الدول التي لا تعرف تهديدات بنقص الغذاء. بفضل رؤية الملك محمد السادس، والتي كان لها الأثر المستدام في تحصين الدولة من الأزمات و الفترات العصيبة التي يمر منها المغرب على غرار باقي دول العالم.