عاد الذهب الأسود الليبي أمس الجمعة الى التدفق من جديد نحو الأسواق الخارجية بعد ستة أشهر من إغلاق الحقول والموانئ ، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من طرابلس مقرا لها ، رفع القوة القاهرة عن كل صادرات النفط من ليبيا ، على أن تكون الناقلة “كريتي باستيون” أول سفينة تقوم بالتحميل من ميناء السدرة النفطي ، شرقي البلاد.
وأشارت الوطنية للنفط إلى أن زيادة الإنتاج التدريجية ستستغرق وقتاً طويلاً نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمكامن والبنية التحتية بسبب الإغلاق المفروض منذ 17 يناير 2020.
وفي بيان له ، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المهندس مصطفى صنع الله «نحن سعداء للغاية لأننا قد تمكننا في النهاية من اتخاذ هذه الخطوة الهامة نحو تحقيق الانتعاش الوطني، وأود أن أشكر جميع الأطراف التي شاركت في المناقشات الأخيرة للمساعدة في تحقيق هذه النتيجة الناجحة. يجب الاعتراف بأن هذه لحظة مهمة ذات هدف وطني مشترك من أجل البناء عليها لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين للبلاد »
وأضاف صنع الله أنه و “بالنسبة للمؤسسة الوطنية للنفط، فإنّ العمل قد بدأ للتو. لقد تعرضت بنيتنا التحتية لأضرار دائمة، ويجب أن يكون تركيزنا الآن على الصيانة وتأمين ميزانية للقيام بهذه الأعمال. يجب علينا أيضا أن نتخذ خطوات للتأكد من أن إنتاج ليبيا من النفط لن يكون عرضة للمساومة مرة أخرى”.
وتابع أنه “وبالإضافة إلى الخسائر التي تكبدتها البلاد ككل نتيجة تراجع إنتاج النفط والتي قُدرت قيمتها بحوالي 6.5 مليار دولار، تواجه المؤسسة الوطنية للنفط تكاليف إضافية باهظة لإصلاح الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية. حيث ستصل قيمة تكاليف إصلاح شبكة خطوط الأنابيب والمعدات السطحية وصيانة الآبار إلى مليارات الدنانير »
وسارعت السفارة الأمريكية في ليبيا الى الترحيب عن رفع القوة القاهرة واستئناف المؤسسة الوطنية للنفط عملها الحيوي، مشيرة إلى ضرورة ضمان تعاون المؤسسة مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لضمان عدم اختلاس الإيرادات والحفاظ عليها لصالح الشعب الليبي.
وأكدت السفارة أنها ستواصل دعم الشفافية المالية في ليبيا، من خلال الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة، لضمان وصول الليبيين إلى تفاهم بشأن التوزيع العادل لإيرادات النفط والغاز.
وقالت مصادر مطلعة أن الجانب الأمريكي قام بدور كبير لإقناع الأطراف المتصارعة بتحييد النفط من المواجهات العسكرية والسياسية، والعودة الى الإنتاج والتصدير وجمع الإيرادات وفق آليات مختلفة عن سابقتها
وأبرز سليمان الشحومي الخبير الاقتصادي الليبي ، إن النفط الخام الليبي عاد للتصدير امس الجمعة من ميناء السدرة ، ولكن بترتيبات جديدة ودون أن تتحكم حكومة الوفاق في العوائد ودون أن تذهب مباشرة للبنك المركزي بطرابلس
وأوضح الشحومي أن هذا الحل لإعادة تصدير النفط قد ينزع فتيل الحرب المدمرة المرتقبة، ويفتح صفحة جديدة للحوار الليبي الليبي. مشيرا إلى أن الحوار هذه المرة ليكن حوار نخب وممثلين للمجتمع الليبي بكافة تركيباته ودون وجود أو تدخل من الأطراف السياسية الموجودة على الساحة، متابعا:” قد نري الضوء قريبا”.
والأسبوع الماضي ، قالت جيرالدين جريفيث المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أنه من الضرورة إنهاء عملية إقفال النفط، كونها خطوة حيوية لمنع المزيد من الصراع والانتهاك للسيادة الليبية، داعية لضرورة السماح لمؤسسة النفط الوطنية بالعودة إلى العمل، كي لا تتسنى لأي دولة أجنبية فرصة استخدام الإغلاق كذريعة لشن عمل عسكري من أجل "إنقاذ" الهلال النفطي.
وساهمت دول عدة في حلحلة ملف النفط عبر إقناع القيادة العامة للجيش والقبائل بفتح الحقول والمنشئات ، بهدف قطع الطريق أمام التدخل الخارجي ، وسحب أي مبرر قد يعتمده الجانب التركي وحكومة فائز السراج في الدفع عن حرب على منطقة الهلال النفطي وحقول الواحات والجنوب
كما دفعت واشنطن نحو حل يرضي مختلف الأطراف ، وذلك عبر تشديد الرقابة على واردات النفط التي تواجه حكومة الوفاق اتهامات بتبديدها في تمويل الميلشيات الخارجة عن القانون وجماعات المرتزقة والإرهابيين ، وكذلك من خلال ظاهرة الفساد التي تضرب مؤسسات الدولة في طرابلس
وكان السنوسي الحليق، رئيس قطاع النفط والغاز بالمجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا ، الذي تبنى غلق الحقول والموانئ النفطية في يناير الماضي ،ردا على جلب المرتزقة السوريين من قبل نظام أردوغان ، أشار إلى نية لفتح حساب مصرفي جديد لعائدات النفط، وقال أن القبائل تعارض إيداع جميع الأموال العائدة من تصدير النفط في مصرف ليبيا المركزي، معتبرا أن هذه المسألة كانت أحد الأسباب الرئيسة لوقف تشغيل حقول النفط.
وتابع الحليق : "قمنا بدعوة المجتمع الدولي إلى فتح حساب مصرفي جديد، تودع به جميع عائدات النفط الليبي. بحيث تكون جميع عائدات بيع النفط في هذا الحساب ثم يتم توزيعها بالتساوي على مناطق ليبيا الثلاث"
والأربعاء الماضي ، شدد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على أهمية إحراز تقدم في إنشاء آلية ذات مصداقية لرصد عائدات النفط الليبي.
وقال في كلمة لودريان خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي عبر دائرة تلفزيونية ، إنه "من المهم إحراز تقدم في إنشاء آلية ذات مصداقية لرصد عائدات النفط الليبي، لضمان أنها تفيد الشعب الليبي ولا يتم تحويلها إلى الميليشيات".
ورحبت سفارة فرنسا في ليبيا بإعلان المؤسسة الوطنية للنفط رفع القوة القاهرة واستئناف عملها لصالح كل الليبيين، «مع ضمان التعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في إدارة إيرادات النفط بشفافية وعدم تحويلها»
وهنأت السفارة جميع الأطراف الليبية التي سهلت هذا التقدم، مشيرة إلى «رفضها عسكرة المنشآت النفطية»، كما أكدت «أهمية الحفاظ على حياد الشركة واحتكارها وسلامة جميع أفرادها»،
وفي موقف لافت ، قال وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، إن النفط ملك لكل الليبيين ويجب أن تدار عائداته بشفافية وتوزع بعدالة على مختلف المناطق، وألا سيكون مصدرا لابتزازات فئوية أو مناكفات سياسية، على حد قوله
ودون باشاغا عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” الجمعة:« نرحب بإعلان المؤسسة الوطنية رفع القوة القاهرة عن جميع صادرات النفط ونشكر جميع الأطراف التي ساهمت في تحقيق ذلك»
وكانت ليبيا تنتج حوالي 1.2 مليون برميل يوميا ، قبل غلق الحقول والموانئ ، بينما كانت تضخ للأسواق العالمية من 1.6 مليون برميل يوميا قبل العام 2011.
ويوجد أكثر من 90 بالمئة من الحقول والموانئ النفطية في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي ، والقبائل الموالية له ، التي سبق أن نددت بما قالت أنه عبث من قبل حكومة الوفاق بواردات الثروة النفطية.
وفي سياق متصل ، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش اللواء أحمد المسماري أن أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السيطرة على النفط الليبي لن تتحقق بقوة الشعب الليبي ورفضه للاستعمار التركي الغاشم.
وطالب بأن تمتد الخطوط المصرية الحمراء إلى طرابلس وما بعد طرابلس، مؤكدا أن تركيا تحشد كل إمكاناتها القتالية للتقدم نحو الهلال النفطي وتهدد الأمن العربي.
غير أن مراقبين يرون أن عودة النفط الى التدفق سيقطع الطريق أمام مخططات أردوغان وحلفائه في غرب ليبيا للهجوم على مدينتي سرت والجفرة، للسيطرة على ماورائهما من حقول النفط.