في مجال الإرهاب ، لا يدع فرانسوا هولاند شيئا. إذا كانت  عملية الاغتيال التي استهدفت زعيم حركة الشباب، أحمد عبدي "غودان"، 1 أيلول، على بعد 170 كيلومترا جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، قد تم تنفيذها من قبل واحدة أو أكثر من طائرات بدون طيار الأمريكية التي تعمل من قاعدة في جيبوتي، فإن العناصر الأساسية لهذه العملية - كالتحديد دقيق لشاحنته والطريق الت كان سيسلكها – قد تم إرسالها من الأدارة العامة للأمن الخارجي DGSE (جهاز المخابرات الفرنسي في الخارج ) إلى وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" بأمر صريح من رئيس الجمهورية الفرنسية.

عين غودان على رأس حركة "الشباب" في عام 2008، بعد مقتل سلفه عدن العشي افرو في غارة أمريكية. وفي 14 يوليو 2009،  خطف اثنين من عملاء جهاز المخابرات الفرنسية في الخارج. الأول، المعروف تحت اسم مستعار "أوبريير" ، تمكن من الفرار، إلا أن الثاني، دينيس أليكس، اعتقل من قبل جودان في ظروف وحشية جدا. وعندما تقلد منصبيهما في عام 2012، جعل الرئيس فرانسوا هولاند وزير دفاع جان ايف لودريان - الذي يشرف على جهاز المخابرات الخارجية  DGSE - من اطلاق سراح دينيس أليكس أولوية قصوى وقدما جميع الوسائل والدعم لتحقيق ذلك.

 في صفقة سرية أبرمت في أواخر عام 2012 بين باراك أوباما وفرانسوا هولاند، تم الاتفاق على أن تساعد الولايات المتحدة الفرنسيين    في القضاء على زعيم الجهاديين الصوماليين الدموي، والذي صُنف بهدف عال القيمة "HVT" ( أي High Value Target  "هدف ذو قيمة عالية") على غرار التصنيف الذي أعطي لزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. وتم بعدها التفاوض بشكل مباشر بين البيت الأبيض والإليزي حول الدعم الأميركي للغارة الفاشلة التي نفذت في 11 يناير 2013  على ملو مارر، مما أدى إلى وفاة الرهينة واثنين من رفاقه في مركز تدريب المظليين التخصصي في بربينيان (CIHC).

بعد هذه العملية، أعطى الرئيس أوامر حازمة جدا لجهاز المخابرات الفرنسي في الخارج (DGSE). وطلب شخصيا من مصالح بلاده أن "تمحو" غودان، ويقول مصدر وثيق بهذا الخصوص: "أعطى تعليمات دقيقة في أعقاب وفاة ثلاثة من عملائنا . الرسالة : فرنسا لا تغفر لأولئك الذين يؤذونها". بموارده التقنية والبشرية ، لم يتوقف جهاز المخابرات الخارجي DGSE أبدا عن البحث عن غودان منذ فشل غارة 2013. مرات عديدة في الأشهر الماضية، رصد الفرنسيون الزعيم الإرهابي ونقلوا إحداثياته ​​إلى وزارة الدفاع الأميركيةي كما في أواخر عام 2013، العام الذي اتُهم فيه بالوقوف وراء مقتل فرنسيين(اثنين) في مذبحة ويست جيت مول في نيروبي، بكينيا.

 ومع ذلك، ووفق ما تفيد به مصادرنا، فإن البنتاغون كان يرفض في كل مرة استهداف غودان بسبب الاحتياطات التي كان يتخذها . إذ لم يكن الرجل يستخدم الهاتف أو أية وسيلة من الوسائل الإلكترونية إطلاقا ، كما كان يتجنب بشكل منهجي التواجد في منطقة نائية أومعزولة. وكانت حمايته فعالة نظرا لوجوده وسط العديد من المدنيين ، وذلك على مدى 21 شهرا.

خطأ فادح 

الخطأ الوحيد الذي ارتكبت غودان خلال هذه الفترة الطويلة وقع في 31 أغسطس، أي يوما قبل مصرعه. معتقدا ربما أنه مازال متخفيا  وربما أنه قد نُسي ، قام غودان بتحرك إلى ملاذه في جنوب الصومال، ومكان الإقامة الجديد. ، لسوء حظه ، تم رصد هذا التحرك.

في غضون ساعات، وبسرعة قصوى، تقرر شن غارة طائرات بدون طيار والطائرات الأمريكية. وقال الاميرال جون كيلبي في 2 من سبتمبر أن الغارة أجري "من معلومات استخبارية". يمكننا القول إن الفرنسيين رفضوا السماح للبنتاغون بالإشارة إلى دورهم.

كان الزعيم الإرهابي وحيدا على متن في سيارة معزولة، يرافقه طاقم في الحد الأدنى ، فقط مع اثنين من حراسه. وبينما كان في منطقة صحراوية تقريبا، تعرضت سيارته "البيك آب" لضربة عنيفة جدا ، حيث تم استخدام بضعة صواريخ المضادة للدبابات AGM-114 هيلفاير، قادر على تدمير دبابة، واثنين على الأقل من قنابل GBU- 12 Paveway II  والتي تزن الواحدة منها 250 كجم. لم يكن لركاب السيارة الثلاثة أي فرصة للنجاة. وبعد هذه العملية الراديكالية، أُبلغ الرئيس الفرنسي بنجاحها المحتمل، لكن استغرق الأمرعدة أيام للحصول على التأكيد الضروري.

رجال جودان، الذين قلقوا لعدم رؤيته يصل إلى وجهتها، ذهبوا للبحث عنه، ولكن لم يعثروا على أي حطام  قابل "للاستغلال" في منطقة التفجير. "فقط اكتشفوا العناصر متفحمة، وتم دفنهم في الموقع"، وفق مصدر مطلع على القضية.  تأكيد وفاة غودان جاءت إذن من حركة الشباب نفسها في 5 سبتمبر.

في بيان، أكدت الحركة "الشباب" مجددا ولاءها لتنظيم القاعدة، وأعلنت اسم الخليفة : الشيخ أحمد عمر أبو عبيدة، محذرة "أعداءهما من أنه لاينبغي "أن أي يتوقعوا أي شيء آخر غيرالكرب العظيم" . وفي اتصال أجرته Le Point   مع جهاز المخابرات الخارجية DGSE ، استخدمت الإدارة صياغتها المعتادة: "لا نؤكد ولا ننفي أنشطتنا الفعلية أو المفترضة."