لا يزال الحوار بين الليبيين مستمر على مختلف المستويات، منذ سنوات. وقد تمخض عن عدد من التفاهمات والاتفاقات، كان أبرزها اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، الذي أنشأ مجلسا رئاسيا وحكومة مؤقتة، منهيا بذلك ازدواجية المجالس التشريعية التي أخرجت التسوية السياسية عن مسارها بين مختلف الفاعلين السياسيين في الشرق والغرب والجنوب.
ومع ذلك، حتى هذا الاتفاق الكبير كان له معارضوه. وعلى مدى سنوات، حاول عدد من المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة سد الفجوة بين الشرق والغرب في محاولة لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وتوحيد البلد الذي مزقته الحرب.
فالقضية الرئيسية في ليبيا ما بعد القذافي هي حول من سيحكم الدولة الشاسعة الغنية بالنفط وذات الكثافة السكانية المنخفضة في شمال إفريقيا؟
قدم عقيلة صالح مشروع قانون لإنشاء محكمة دستورية في بنغازي مع خفض رتبة محكمة تتمتع بسلطات مماثلة في طرابلس. وقطع هذا الإقتراح جميع خطوط الاتصال بين الجانبين مجلسي النواب والدولة.
ويُعتقد أن المحكمة الدستورية المقترحة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام بعض المرشحين لترتيب أوراقهم الانتخابية للرئاسة. بشكل أساسي لإلغاء قانون متفق عليه سابقا يمنع ترشيح ذوي الخلفية العسكرية و / أو الجنسية المزدوجة من الترشح.
في غضون ذلك، مرّ عام على تأجيل الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، ومع عدم وجود موعد جديد في الأفق، أصدر حفتر إنذارا نهائيا الأسبوع الماضي، "فرصة أخيرة"، لوضع خريطة طريق لإجراء انتخابات جديدة.
من جانبها تعهّدت التدخلات الدولية من الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة باللجوء إلى "آليات بديلة" ما لم يتفق المجلس الرئاسي والبرلمان على إطار دستوري لإجراء الانتخابات المؤجلة.
وتحت هذه الضغوط، أعلن صالح أنه لن يمضي قدما في تمرير مشروع قانون المحكمة الدستورية بينما اتفق هو ورئيس المجلس الرئاسي على استئناف الحوار. من جانبه، قال الدبيبة إنه مستعد للإشراف على الانتخابات التي طال انتظارها شريطة ألا تكون الحكومة المقبلة حكومة انتقالية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتفق فيها المعارضون على الحوار وتنفيذ ما تم تبنيه في الماضي. لكن الحقيقة هي أن هناك الكثير من الفاعلين، المحليين والأجانب، الذين يمنعون التوصل إلى اتفاق نهائي. كما أصبحت ليبيا رهينة للصراعات الجيوسياسية على السلطة، حيث تمارس القوى الإقليمية ضغوطا على مختلف الأطراف. كما لن يتفق المحاورون الأجانب أبدا على ما هو أفضل للشعب الليبي ومستقبله، وهذا ما يجب أن يقرره الليبيون وحدهم، بعيدا عن الضغوط الخارجية. وإذا فشلوا في القيام بذلك، فإنه من المرجح أن تعود ليبيا إلى ما قبل الدولة مما يمهد الطريق للإنقسام على أسس قبلية.
الأمر متروك الآن، للشعب الليبي وممثليه لإنقاذ بلدهم من التدخل الأجنبي وما يبدو أنه سيناريو معقول لكن انطلاقا من سجل مختلف الفاعلين في السنوات القليلة الماضية، فإن الخلاف بدلا من الوحدة هو ما يمكن توقعه.