تبدو الملفات الاقتصادية من أكثر العوامل تأثيرا في خيارات الناخبين التونسيين خلال الانتخابات التشريعية التونسية. ويرى محللون أن استعادة الحكومة المؤقتة لجزء من ثقة المستثمرين الأجانب، عمقت موقف التونسيين الساخط على أخطاء الحكومات السابقة التي قادتها حركة النهضة الإسلامية.

يقول مراقبون إن أنظار التونسيين في انتخابات الغد، ستتجه إلى السجل الاقتصادي المحبط للحكومات السابقة، والأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها لتضع الاقتصاد على حافة الإفلاس.

وساعد التقدم الطفيف الذي أحرزته الحكومة المؤقتة خلال وقت قصير في استعادة جزء من ثقة المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الأجانب، سيسهم في توجيه اللوم إلى الحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية التي أدت إلى هروب المستثمرين وتعثر القطاع السياحي وتراجع جميع المؤشرات المالية والاقتصادية وتفاقم البطالة.

ويرى الخبراء أن الخيارات الاقتصادية ستتحالف مع الخيارات الأمنية، حيث يرى معظم التونسيين أن الأحزاب الإسلامية، وخاصة حزب النهضة جزءا من المشكلة.

كما أن المؤسسات المالية والدول المانحة والمستثمرين، وخاصة الدول الخليجية، بدأت تتحرك نحو الاقتصاد التونسي في عهد الحكومة المؤقتة، وهناك وعود كبيرة، يمكن أن تتلكأ إذا فازت الأحزاب الإسلامية في الانتخابات، وإذا ما كان لها دور كبيرة في قيادة الحكومة التي ستتمخض عنها الانتخابات.

ويبدو واضحا أمام الناخب التونسي أن انتعاش الاقتصاد مرتبط بتراجع دور الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية.

وتظهر الفترة القصيرة التي تولت خلالها حكومة مهدي جمعة مقاليد السلطة مؤشرات كثيرة على إمكانية تحسن الاقتصاد.

فقد حصلت تونس في العام الماضي على خط ائتمان بقيمة 1.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بموجب اتفاق لتسريع الإصلاحات الاقتصادية.

وهي تتطلع للحصول على مبلغ 660 مليون دولار جديدة من الصندوق كدفعة جديدة من القرض الائتماني، المرهون بتنفيذ توصياته بشأن إصلاح منظومة الدعم والتخلص التدريجي من أعباء صندوق الدعم الحكومي.

وعقد في الشهر الماضي مؤتمر “الاستثمار في تونس″ الذي جاء بمبادرة أطلقها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والذي استقطب عددا كبيرا من الدول والمؤسسات الدولية والمستثمرين الخليجيين والأجانب، وشهد وعودا كبيرة للاستثمار في تونس.

وأطلق مستثمرون خليجيون خلال المؤتمر مشروعا عملاقا لإقامة “مدينة تونس الاقتصادية” باستثمارات تصل إلى 50 مليار دولار. كما أعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر أنها ستعقد مؤتمرا استثماريا واسعا في تونس في مارس المقبل وأنها ستدعو أكبر عدد ممكن من المستثمرين الأميركيين بغرض تشجيعهم على الاستثمار في مجموعة كبيرة من المشاريع الهامة في تونس والتي سيتم تقديمها بهذه المناسبة، وفقا للعرب.

وقالت آن باترسن، مساعدة وزير الخارجية حينها، إن الحكومة الأميركية بصدد دراسة تمويل عدد من المشاريع التي تم عرضها خلال المؤتمر والبالغ عددها إجمالا 22 مشروعا وتشمل أساسا القطاع الصناعي والطاقة والبنية التحتية والصحة والنقل والسياحة.

ويتوقع محللون أن تكون انتخابات الغد نقطة تحول كبرى بعد تزايد التشجيع الدولي لبوادر خروج تونس من المرحلة الانتقالية، خاصة إذا تراجع نفوذ حركة النهضة الإسلامية في البرلمان والحكومة المقبلة.

وتتأرجح تقديرات الخبراء والمحللين في تونس وتقديرات خبراء المؤسسات الدولية بين التفاؤل المشروط بالقيام بإصلاحات صارمة وبين التشاؤم المستند إلى التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات التي قادتها حركة النهضة منذ ثورة يناير 2011.

ويقول الخبير الاقتصادي التونسي، مُعز الجودي، إن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى ثورة جديدة نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات السابقة، وأن الانتخابات فرصة حقيقية للخروج من هذا المأزق.

وأكد أن “اقتصاد تونس مبني بالأساس على الاستثمار الأجنبي والتصدير والسياحة والخدمات المصرفية، وهي قطاعات حساسة تعتمد بالأساس على البيئة ومناخ الأعمال”.

وأشار تقرير للبنك الدولي في سبتمبر إلى أن الشركات التونسية تنفق حاليا قرابة 18 بالمئة من إيراداتها السنوية على الأعباء البيروقراطية وما يتصل بها من حالات الفساد الصغيرة.

ويقول محللون إن أمام الناخبين اليوم خيار إصلاح الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وبين العودة إلى الفوضى وعدم الكفاءة التي وضعت الاقتصاد على حافة الإفلاس.

ويرى الجودي أن انعدام الاستقرار السياسي والأمني منذ ثورة يناير 2011 ترافق مع أداء حكومي باهت ومُرتبك في عهد الحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية، الأمر الذي راكم المشاكل إلى أن أصبح الوضع “كارثيا بكل ما للكلمة من معنى”.

وحمل حكومات حركة النهضة مسؤولية ما وصل له الوضع الاقتصادي في البلاد، لأن وزراءها لم تكن لديهم خبرة اقتصادية وسياسيات واستراتيجية واضحة، وقال إنهم اهتموا بمصالحهم السياسية على حساب مصالح البلاد.

ويقول محللون إن ابتعاد الناخبين عن أحزاب الإسلام السياسي من شأنه أن يعيد الثقة للمستثمرين الأجانب والمحليين ويخلق مشاريع جديدة تساهم في خفض معدلات البطالة في تونس التي تبلغ حاليا 15 بالمئة.

وهم يرجحون أن تضغط تلك الملفات الاقتصادية على خيارات الناخبين بسبب الفشل الكبير للحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية خلال السنوات المقبلة.