يبدو أن سوء العلاقة بين السلطات الليبية المختلفة أصبحت السمة السائدة بين مختلف الأطراف، وإن كانت الحكومة هي الطرف المشترك في  كل هذه الخلافات، فما حدث من مشاحنات وشد وجذب بين البرلمان والحكومة والذي تجاوز الحدود المتوقعة ليصل إلى المطالبة بسحب الثقة من الحكومة من قبل أعضاء مجلس النواب.. هذا الوضع يبدو أنه ليس وحده ما يسيطر على علاقات الحكومة إذ تسود علاقتها بالمجلس الرئاسي الذي جاء كتؤم لها كنتاج للاتفاق السياسي الجديد، تسودها حالة من الخلافات هي الأخرى نتيجة لتقاطع المهام وتضارب الصلاحيات وتجاوها في بعض الأحيان لا سيما فيما يتعلق بتكليفات السلك الدبلوماسي من السفراء والقناصل وممثلي ليبيا في المنظمات الأقليمية والدولية الذي يفترض أن يكون من بين مهام الرئاسي بالتشاور مع الحومة ووفق سياق محدد إلا أن وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء تجاهلا في أكثر من مناسبة وجود المجلس الرئاسي وقاما بشكل منفرد بإنهاء مهام سابقة وتكليف بمهام جديدة دون العودة له، الأمر الذي أثار حفيظة الرئاسي ليوجه خطابات شديدة اللهجة لتنبيه لما اعتبره تجاوزا لدوره وتخطيا لصلاحياته.

وقد ألقت هذه الأحداث بظلالها على الاجتماع الذي عقد يوم الأثنين 13 سبتمبر بناء على طلب عبدالحميد الدبيبة ليطرح قائمة مقترحة لتسمية عدد من السفراء وممثلي ليبيا في عدد من المنظمات، حيث كشف مصدر من داخل المجلس الرئاسي أن الاجتماع خصص لمناقشة تسمية عدد من السفراء والمندوبين، الذين سبق وأن نفى رئيس الحكومة ما تردد من تسريبات عن اسمائهم في وقت سابق بالتنسيق مع عدد من أعضاء مجلس النواب قبيل جلسات المساءلة التي استدعى خلاها البرلمان الحكومة، إلا مصدر بالخارجية أكد أن القائمة التي تمت مناقشتها في الاجتماع التقابلي هي ذاتها القائمة المسربة قبل أيام على الرغم من نفي الدبيبة!!.

حيث أكد المصدر الدبلوماسي أن أغلب الأسماء التي تم اعتمادها في الاجتماع مطابقة لما ورد في القوائم التي انكر الدبيبة وجودها، مستدلا ببعض الأسماء مثل مصطفى القليب، وامحمد المغراوي، ونبيل بشينة، وعبدالرحمن العبار، وحمزة العوكلي، وعبدالمطلب ثابت، وصلاح امريحيل، والشيباني بوهمود، وسفيان الشيباني.... وغيرهم.

وبين المصدر الدبلوماسي المطلع أن الاجراء برمته يعد مخالفا للتشريعات النافذة حيث انه كان يتوجب على وزارة الخارجية والتعاون الدولي تقديم مذكرة للعرض على مجلس الوزراء بالترشيحات لشغل وظائف السفراء والمندوبين والقناصل العامون، حيث يتولى مجلس الوزراء مجتمعا مناقشتها وإقرارها جزئيا أو كليا أو إرجاعها إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولي لإعادة تقديمها له وفقا لملاحظات المجلس، ثم يتم عند إقرارها إحالتها إلى المجلس الرئاسي للبت النهائي فيها.

وأضاف أن الأمر لا ينتهي عند هذه الحلقات المحلية، بل أن المجلس الرئاسي مجتمعا يناقش المقترح ويقوم بإحالة الاسماء المجازة إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولي ليتم مخاطبة الدول والمنظمات المعنية باسم المرشح لمنصب السفير أو المندوب أو القنصل العام في تلك الدولة أو المنظمة بهدف استبيان رأيها حول قبول الترشيح من عدمه لتجنب رفضه عند تقديمه، ولا يتم ذلك إلا عبر القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها في العلاقات بين الدول، وضمن سياقات معتادة.

وحذر الدبلوماسي، من استمرار التجاوزات وعدم احترام قواعد واساليب العمل الحكومي وتجاوزها بشكل عمدي ومتكرر في مخالفة وصريحة للتشريعات والاعراف المستقرة في إدارة الدولة سيؤدي إلى فوضى إدارية وضياع حقوق الأفراد واختلال القيم المهنية ونشؤ اساليب تقفز على القوانين، مطالبا مجلسي النواب والرئاسي بأداء مهامهما الرقابية والتدخل لمعالجة هذه الظاهرة التي أصبحت مقترنة بتصرفات رئيس مجلس الوزراء.

لعل الفشل الذريع الذي ساد عمل الحومة في الملفات الداخلية المختلفة جعل من الدبيبة يحاول تصديرها للخارج بالاتجاه لاختلاق أزمة لا مبرر لها من الشقيقة الجارة تونس، التي عانت من بعض الظروف الاستثنائية خلال الفترة الماضية، وذلك بالتزامن مع خسارة الإخوان عقب أحداث 25 يوليو الماضي وما اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيَد من اجراءات، ما وضع علامات استفهام حول الأسباب الحقيقية التي جعلت الدبيبة يساهم في تأجيج الوضع ويسمم العلاقة بين البلدين الشقيقين، لاسيما أن قبل هذه الأحداث بقليل شهدت العلاقة بين البلدين تورا وتقاربا لم يتحقق من قبل حتى خلال فترات الاستقرار التي سبقت أحداث الربيع العربي، إذ قام وفد تونسي غير مسبوق قوامه أكثر من 1200 شخصية من بينها رئيس الحكومة التونسية السابقة هشام المشيشي وكامل تشكيلته الوزارية إضافة لرجال أعمال ومستثمرين تونسيين اجتمعوا مع نظرائهم في طرابلس على الرغم من الاجراءات الاحترازية للتعاطي مع جائحة كورونا، إلا أن كل ما تم الاتفاق عليه خلال تل الزيارة التي وصفتها وسائل الإعلام في البلدين بالتاريخية، ذهب مع أول هبة لرياح التغيير في تونس، فهل تتأكد فرضية أن ما جمع البلدين خلال تل الزيارات المتبادلة لم يكن إلا لقاء مصالح خاصة بين الأطراف الممثلة للبلدين ولم يكن لقاء وطنيا يمثل شعبي البلدين؟.

ويبدو أن الدبيبة يمارس سياسة الهروب للأمام فبدل أن يعمل على التهدئة بين البلدين ويتعاطي بشكل دبلوماسي لإعادة الأمور لنصابها قام بزيارة لتونس التقى خلالها بالرئيس التونسي الذي يبدو أنه لم يجد ما يتوافق معه عليه ليخرج "وفقا لبعض المصادر" غاضبا من قرطاج، وبدل أن بعود أدراجه إلى طرابلس، يتجه إلى إلى الجزيرة المتوسطية الصغيرة "مالطا" التي حاول أن يقتع سلطاتها بأن تمنحه ما فشل في افتاكه من تونس، حيث طلب فتح خطوط بحرية مباشرة بين مالطا والموانئ الليبية فكان الرد أن هذا الأمر مقبول من حيث المبدأ ولكن مالطا لا تستطيع أن تتعامل منفردا دون نظيراتها في الاتحاد الأوروبي، وأن ليبيا التي كانت لاتنقطع الرحلات البحرية بينها وبين موانئها لم تعد هي ذات الشريك الذي تستطيع إقناع الشركاء الأوروبيين بعودة التعاون معه دون محاذير.

بهذا فأن الحكومة اليوم أصبحت محاصرة محليا من قبل كل الأطراف بما فيها توأمها الذي ولدت معه في مخاض عسير شهده منتدى الحوار السياسي في جنيف "المجلس الرئاسي"، من جهة والبرلمان من جهة أخرى، وفي حالة تخلي خارجي بعد خسارة الحليف الجار في تونس والوسي السابق بعد الانتخابات البرلمانية المغربية.... فهل تكون مصر التي تحتضن الخميس اجتماعات اللجنة الوزارية الرفيعة هي الملاذ الآمن للخروج من حالة التخبط؟.