عقب وفاة "جورج فلويد"، المواطن الأمريكي الذي يرجع لأصول أفريقية، الذي قتلته الشرطة في مدينة مينيابوليس، تشهد عدة ولايات أمريكية مواجهات عنيفة بين المحتجين وعناصر الشرطة التي تتعامل بوحشية مع المتظاهرين، لتكون حادثة وفاته بمثابة الشرارة التي تسببت في حريق أتى على العديد من المدن الأمريكية، حتى وصولت إلى البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، ما اضطر مسؤولو البيت الأبيض إلى نقل الرئيس دونالد ترامب إلى مخبأ للطوارئ، حيث أكدت تقارير أنه أمضى فيه أكثر من ساعة.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه أحداث اميركا تتصدر نشرات الأخبار في كل دول العالم دون استثناء، ركز طيف من الليبيين بشكل أساسي على العلم الذي رفعه عدد من المتظاهرين ذوي البشرة السمراء والذي يتماثل من حيث الألوان وترتيبها مع "علم الاستقلال" في ليبيا الذي قدمته الأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي كعلم لليبيا، وأن كانت تنقصه اللمسة التركية المتمثلة في الهلال والنجمة التي كانت تتوسط علم ولاية برقة قبل الاستقلال "رقعة سوداء يتوسطها الهلال والنجمة"، وهو ما انتج حالة من اللغط والتأويلات عن العلاقة بين ما تشهده أمريكا اليوم وما شهدته ليبيا خلال أحداث فبراير 2011، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليصف ما تشهده أمريكا بالربيع من باب المقارنة بما شهدته المنطقة العربية في أواخر سنة 2010 وبداية 2011 من حراك وفوضى.
وتبقى حقيقة هذا العلم المتكون من الألوان الثلاثة الأحمر والأسود والأخضر، وبنفس ترتيب العلم المستخدم في ليبيا اليوم هو علم المؤتمر الافريقي الجامع الذي أعتمد كعلم موحد للأفارقة في الشتات منذ عام 1920، وتم استخدام مكوناته في أعلام عدة دول أفريقية نالت استقلالها ضمن موجة التخلص من الاستعمار الغربي في القارة السمراء، لاسيما التي كانت تحت الاحتلال والانتداب البريطاني، وهو ما يفسر تطبيقه على ليبيا عندما منحت الاستقلال من قبل الأمم المتحدة، حيث اقترحه المسؤولون في "البعثة الأممية" حينها والتي كان يترأسها الدبلوماسي الهولندي "أدريان بلث" الذي عين كمفوض سامي لحل مشكلة التنافس بين الدول المتنازعة على أحقية الوصاية على ليبيا "بريطانيا-فرنسا-إيطاليا-امريكا"، ليتم تحت رعايته اعتماد الدستور وعلم الاستقلال الذين أضيفت إليه الرمزية العثمانية "التركية" المتمثلة في الهلال والنجمة، وباعتباره يتكون من ثلاثة ألوان تم الترويج لأنه يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة خاصة وان ولاية برقة كانت تعتمد اللون الأسود في علمها.
وخلال أحداث فبراير 2011 نظمت أمة السود في أمريكا مظاهرات مؤيدة للنظام في ليبيا ومنددة بتدخل حلف الناتو في ليبيا قادها لويس فرقان، في شهر أغسطس رفع خلالها هذا العلم ما اعتبره البعض بمثابة تأييد "للمجلس الانتقالي" حينها لتشابه ألوان العلمين.
واليوم وبعد إظهار حقيقة اختيار العلم الذي تعتمده مختلف السلطات في ليبيا على الرغم أنه محل خلاف باعتباره مرفوض من طيف كبير من أبناء الشعب الليبي الذين رفضوا فرضه من جديد نتيجة لما شهدته ليبيا من أحداث دامية خلال المواجهة الكبرى مع حلف الناتو، وما ترتب عليها من شرخ غير مسبوق في نسيج المجتمع الليبي، وما يزيد الطين بلة هو الرمزية العثمانية التي يحملها هذا العلم الذي فقد هويته الافريقية بحمله للهلال والنجمة التي عرفت بها أعلام كل الأيالات التي كانت تتبع الباب العالي في اسطنبول.
بهذه الحقائق مجتمعة يتبين أن هذا العلم الذي أصبح يعرف بعلم الاستقلال، والذي عاد إلى ليبيا من جديد خلال موجة الربيع العربي، ليس نتاج ليبي محلي وطني، بل وليد اقتراح خارجي قدم ضمن مسوغات منح ليبيا الاستقلال، وهو بذلك يفتقد الآصالة والوطنية، فهل سيقول الليبيون اليوم كلمتهم في استمراره من عدمه؟ ... لاسيما وهم يواجهون غزوا تركيا جديدا يحاول استعادة الحلم العثماني إلى شمال افريقيا من بوابة طرابلس عاصمة كل الليبيين.