قالت صحيفة فورين بولسي الأمريكية إنه في 4 أبريل شن قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر هجومًا على عاصمة البلاد طرابلس. وكانت هذه الخطوة تتويجا لعدة سنوات التي اكتسب خلالها تدريجيا سيطرته على الأراضي الليبية. وبعد عدة أيام عندما نفذت طائرات حفت غارات جوية على ميعيتيقة المطار الأخير في العاصمة الليبية وحذر مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة من "انتهاك خطير للقانون الإنساني".

وسيطرت قوات فتر لفترة وجيزة على مطار طرابلس الدولي  -المطار الرئيسي للعاصمة- والذي يقع على بعد حوالي 15 ميلاً جنوب المدينة. وعلى الرغم من أن المطار مغلق أمام السفر الجوي المدني منذ عام 2014 إثر تضرره بسبب القتال بين الميليشيات المتنافسة، وأرادت قوات حفتر استخدامه كقاعدة انطلاق لمزيد من التقدم في طرابلس. لكنهم لم يحصلوا على الفرصة: الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني  المعترف بها دولياً استعادت السيطرة على المنشأة بعد يومين فقط.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها مطارات ليبيا مركز للحرب الأهلية في البلاد. ومنذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011 ،و أصبحت المطارات وكذلك البنية التحتية الحيوية الأخرى بما في ذلك محطات النفط ومستودعات الأسلحة والثكنات العسكرية والجسور والطرق الرئيسية أصولاً استراتيجية حيوية للعديد من الميليشيات التي تتنافس للسيطرة على الموارد الطبيععية الكبيرة لدى ليبيا وفي نهاية المطاف السيطرة على البلاد.

ويرتبط تاريخ مطار طرابلس الدولي بإحكام مع الحرب الأهلية. وعشية انتفاضة 2011 كان المقاولون الأتراك يبذلون قصارى جهدهم في بناء محطات جديدة هناك العمل الذي لم يكتمل على الإطلاق. وفي أغسطس 2011 قامت مجموعة من الميليشيات بما في ذلك الألوية من بلدة الزنتان الجبلية الغربية ومدينة مصراتة الساحلية الوسطى بتحرير طرابلس من قوات القذافي.

وسيطرت ميليشيات الزنتان القوية على المطار واستفادت فيما بعد من عائدات الجمارك والتهريب التي وفرتها. أي شخص طار عبر طرابلس في أوائل سنوات ما بعد القذافي سيكون موضع ترحيب من قبل شاحنات بيك آب تويوتا المثبتة بمدافع مضادة للطائرات. وارتدى رجال الميليشيات الذين كانوا يديرون المطار شعارات الدولة لتخلق وهم الشرعية لكن لا أحد يشك في من كان يسيطر حقًا.

وفي يوليو 2014 اندلع القتال في طرابلس بين الزنتان والميليشيات من مصراتة. وسرعان ما أصبحت قيمة المطار واضحة: قام الزنتانيون بإشعال النار فيه بدلاً من السماح له بالسقوط في أيدي الميليشيات المتنافسة. ومع ذلك سيطرت ميليشيات مصراتة على ما تبقى من المطار بحلول أغسطس 2014 ، مما أجبر الزنتان على الانسحاب.

وبدوره أصبح مطار أصغر وهو مطار معيتيقة الدولي الواقع على بعد خمسة أميال شرق طرابلس المطار الفعلي للعاصمة رغم أن شركات النقل الأجنبية لم تستخدمه أبدًا. عشية القتال الأخير خدمت المنشأة ثلاث شركات طيران ليبية فقط  مع حوالي 10 رحلات يومية معظمها إلى تونس أو تركيا، إلى جانب حفنة من الوجهات الأخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وعلى مدار تاريخ ليبيا الذي يمتد لقرن تقريبًا من يسيطر على معيتيقة يسيطر على البلاد. وفي أوائل العشرينات من القرن الماضي بنت إيطاليا مطارًا هناك. وخلال الحرب العالمية الثانية ، أصبحت  معيتيقة قاعدة جوية ألمانية تم الاستيلاء عليها من قبل البريطانيين في عام 1943 ثم نقلت إلى الجيش الأمريكي. وقام الأمريكيون بإعادة تسميتها باسم قاعدة ويلوس الجوية ، وعلى مدار حوالي 25 عامًا كان أفراد من الولايات المتحدة وعائلاتهم يعيشون ويعملون هناك. بمرور الوقت أصبح الوجود العسكري الأمريكي رمزا لاستغلال الغرب لمصادر ليبيا النفطية.

وعندما قام ضابط بالجيش الليبي الشاب يدعى معمر القذافي بثورة الفاتح على الملكية الحاكمة في عام 1969 ، كان من أول أعماله طرد الأمريكيين من ويلوس. قام القذافي بإعادة تسمية المطار بقاعدة عقبة بن نافع الجوية ، ولبعض الوقت كانت القوات الجوية الليبية والسوفيتية تعمل من هناك. في عام 1995 أصبح المطار ثاني مطار مدني في طرابلس وحصل على اسمه الحالي مطار معيتيقة الدولي.

وخلال ثورة 2011 سقطت معيتيقة تحت سيطرة ميليشيا سلفية يقودها قائد شاب يدعى عبد الرؤوف كارة. وحصل كارة ومقاتلوه على غطاء سياسي ورواتب من السلطات الانتقالية الهشة في ليبيا. وكانت المدفوعات جزءًا من محاولة أوسع لتمكين الميليشيات كمزودي أمن في مرحلة ما بعد القذافي طرابلس. وكلفت ميليشيا كارة  ولواء النواصي بمكافحة تهريب المخدرات وتهريب البشر والإرهاب.

واستخدم كارة المطار كقاعدة له لكنه ذهب أبعد بكثير من المهمة الموكلة له فقد بدأت ميليشياته في عمليات قتل انتقامية بعد 2011 تمثلت في مطاردة مسؤولي أمن القذافي وغيرهم من المرتبطين بالنظام السابق. 

وفي عام 2018 ، ادرجت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة  -التي تسيطر اسميا على طرابلس وبقع من غرب وجنوب ليبيا - ميليشيا كارة وغيرها من الميليشيات ضمن قوة الردع الخاصة، وهي جزء رئيسي من جهاز الأمن القومي. 

وعلى الرغم من أن القوة تعمل بصورة اسمية تحت سلطة وزارة الداخلية ، إلا أنها تحتفظ بهياكل قيادتها الخاصة وتعمل بمستوى كبير من الاستقلال الذاتي باعتبارها واحدة من أربع ميليشيات قوية تتنافس للسيطرة في طرابلس.

ومن قاعدته في معيتيقة أصبح كارة أيضًا أحد أمراء حرب من المستوى المنخفض. ولقد انخرط في التطرف الإسلامي أيضاً رغم أنه تحت ستار ما يسمى بالفرع الهادئ من السلفي الذي يعارض ظاهرياً الجهادية العنيفة. ولقد تورطت قوة الردع الخاصة في الاتجار بالبشر وغيره من الجرائم. ومرفق الاحتجاز في معيتيقة الذي تديره الميليشيا هو أكبر سجن في غرب ليبيا يزعم أنه يضم 2600 رجل وامرأة وطفل، وهو موقع للاعتقالات التعسفية والتعذيب ورفض الرعاية الطبية والوفيات في الحجز.

ومطارات ليبيا هي رمز مأساوي لفشل الحكومة المركزية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. فكل منها في أيدي ميليشيا لا تخضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني. وعلى سبيل المثال يوفر مطار بنينا الدولي في بنغازي في الشرق مركزًا لوجستيًا حيويًا ونقطة اتصال بين جيش حفتر ومؤيديه. وفي جنوب ليبيا تسمح سيطرة الجيش الوطني الليبي على المطارات مثل قاعدة تاماننت الجوية بالقرب من سبها لحفتر بإعطاء السلطة على مناطق شاسعة وذات أهمية استراتيجية من ليبيا وتعزيز سيطرته على حقول النفط في المنطقة.

وعلى الرغم من أن المطارات تنطلق من مبدأ الدولة الحديثة، فإنها تظهر عكس ذلك: الميليشيات الصغيرة والوحشية تتشاجر على بقع من الأراضي المدمرة. كما أنها تذكير بفشل المجتمع الدولي في ليبيا. وفي عام 2011 تدخل حلف شمال الأطلسي –الناتو- لحماية المدنيين ومساعدة المتمردين في الإطاحة بالقذافي ، لكنه لم يفعل الكثير بعد ذلك لضمان حماية البنية التحتية الحيوية في ليبيا والمؤسسات الضعيفة خلال فترة انتقالية هشة.

ولم يكن هناك أي دافع موحد ذي معنى لنزع سلاح الميليشيات الليبية. بدلاً من ذلك في وقت مبكر من الفترة الانتقالية اختار لاعبون من الخارج وكلاء الميليشيات المفضلين لديهم وزودوهم عبر المطارات الليبية والآن لا يمكن إيقافهم.

ويمكن أن تزداد الأمور سوءًا إذا نجحت حملة حفتر في طرابلس وتقطع روابطها مع العالم الخارجي. سيكون بإمكان حفتر استخدام معيتيقة لدعم خطوط الإمداد الخاصة به في غرب ليبيا، ومنع ممثلي حكومة الوفاق من الوصول إلى المجتمع الدولي ، وتقويض الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لمدة أربع سنوات لتعزيز شرعية حكومة الوفاق.

والحرب على المطارات الليبية توضح المكان الذي تتجه إليه البلاد. وطالما تمكنت الجماعات المسلحة المتنافسة من استخدام المطارات لتأمين الأسلحة والمساعدة من الداعمين الأجانب ، فستكون الميليشيات الليبية قادرة على زعزعة استقرار مؤسسات الدولة الضعيفة. وستبقى مطارات ليبيا مراكزا للاتجار والابتزاز والاحتجاز خارج نطاق القضاء وغير ذلك من الممارسات التي تقوض قدرة الدولة وحقوق الإنسان.





*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة