في أعقاب معارك درنة الاخيرة بين كتيبة شهداء بوسليم الموالية للقاعدة و قوات تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"،نشر الباحث الليبي محمد جراح تقريرا في مجلة الــ"فورين بوليسي" الامريكية تحت عنوان"انتصار على داعش في ليبيا" يرى فيه أن ما حدث في درنة يعطي مؤشرات كبيرة عن امكانية هزم داعش في مناطق أخرى من ليبيا اذ ما توفرت الظروف الموضوعية و الذاتية التي بسط تفصيلاً في المقالة،التي فيما يلي نصها:

يقلق المجتمع الدولي، وهو محقٌ في ذلك، من انتشار تنظيم الدولة الإسلامية وأيدلوجيته. وقد ظلت حقيقة أن قوات التنظيم نجحت في الحصول على موطئ قدم في ليبيا، بعيدا عن معاقله الأصلية في سوريا والعراق، مصدرا لقلقٍ كبير.لكن قوات تنظيم الدولة الإسلامية عانت من هزيمةٍ ساحقة خلال الأسبوعين الماضيين – ولم ينتبه العالم الخارجي للأمر تقريبا. يعكس غياب التغطية بلا شك غياب مصادر إعلامية موثوقة على الأرض، لكنه يمكن ايضا أن يكون مرتبطا بأن الأخبار ليست دائما جيدة. كما يتكشف، فإن هزيمة الدولة الإسلامية لا تعني بالضرورة أن الأشخاص الجيدين ينتصرون.

في 9 يونيو، اندلع القتال في مدينة درنة الشرقية بين مقاتلي داعش وقوات مجلس شورى المجاهدين، وهي ميليشيا مرتبطة بتنظيم القاعدة. حيث اندلعت الاشتباكات بعد أن قتل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية أحد قادة مجلس شورى المجاهدين. في يومٍ واحد، انتفض مقاتلو مجلس شورى المجاهدين وطردوا التنظيم من المدينة، مجبرين مقاتليه على الانسحاب إلى مخابئهم في الجبل الأخضر البعيد نسبيا.

هذه التطورات مهمة لعدة أسباب. أولا، شهدت المدينة نوعا من الانتفاضة الشعبية ضد الدولة الإسلامية. خرجت جموعٌ غير مسلحة، غاضبةً من الممارسات الدخيلة والقمعية التي طبقها التنظيم في المدينة منذ أن استولى على السلطة في العام الماضي، إلى الشوارع احتجاجا. وكما كان متوقعا ربما، نظرا لعدم تسامح التنظيم بتاتا مع المعارضة السلمية، فتح مقاتلوه النار على الحشد، ليقتلواسبعة على الأقل ويصيبوا 30 آخرين. حسب محادثاتي الخاصة مع مصادر في درنة، استمرت المواجهات التي أعقبت ذلك لعدة أيام. في النهاية اتحد مجلس شورى المجاهدين فعليا مع الجيش الوطني الليبي، الموالي للحكومة المعترف بها دوليا. استهدف الجيش مواقع الدولة الإسلامية بضرباتٍ جوية. لم يكن التحالف الضمني بين هذين الطرفين، المعادين لبعضهما عدا ذلك، متصورا لولا الدولة الإسلامية.

حتى الآن، فإن المنتصر الواضح في هذه الحلقة الدرامية هم سكان درنة. أُبطلت بعض السياساتالتي فرضها التنظيم خلال العام الماضي ويعود شعور بالحياة الطبيعية إلى المدينة. البنوك تفتح مجددا، محطات الراديو المحلية تعود للبث، محلات السجائر تعيد فتح أبوابها، ويصدر الشباب موسيقى صاخبة بينما يقودون سياراتهم حول المدينة. خلال الأيام القليلة الماضية تحدثت مع عددٍ من الأسر النازحة من درنة، وأخبروني جميعا أنهم يتوقون للعودة. كل هذا تطورات ايجابية ومرحب بها.

رغم ذلك فإن الصورة ليست وردية كما قد يبدو. مازالت درنة تواجه عقباتٍ جادة في الطريق إلى سلامٍ مستدام. المشكلة الأولى هي أنها تظل تحت سيطرة ميليشيا إسلامية أخرى. رغم تمتعه بالدعم من السكان المحللين في قتاله ضد الدولة الإسلامية، فإن مجلس شورى المجاهدين له أجندة متشددة تتضمن الفصل بين الجنسين في المدارس والأماكن العامة وتأسيس محاكم شرعية. استعاد سكان درنة بعض حرياتهم القديمة نتيجةً لطرد الدولة الإسلامية، لكن حتى هؤلاء الذين دعموا مجلس شورى المجاهدين في قتاله ضد الدولة الإسلامية يقلقون من أن حكام المدينة الجدد يمكن أن يفرضوا سياساتٍ مقيدة خاصة بهم.

تجدر الإشارة الى أن مجلس شورى المجاهدين قد سمح للدولة الإسلامية بالازدهار في المدينة تحت نظرهم، وقرروا فقط مواجهتهم عندما هاجم المسلحون الآخرون قادتهم. كما لم يفعل مجلس شورى المجاهدين شيئا لإيقاف تكتيكات الدولة الإسلامية لبث الرعب، والتي تضمنت إعدامات علنية، ذبح النشطاء، بل ووصلت إلى صلب أسرة محلية. بدأ مجلس شورى المجاهدين بالفعل اتخاذ خطوات لتدعيم سلطته عبر الإعلان عن نيته تشكيل سلطة محلية سوف تدير شؤون المدينة.

ويبدو أن سكان درنة قد اختاروا دعم أهون الشرين في الوقت الحالي. السؤال الكبير الآن هو ما إذا كان السكان المحليون مستعدين لتحدي مجلس شورى المجاهدين كما فعلوا مع تنظيم الدولة الإسلامية – خاصةً إذا تحركت قوات الجيش الليبي، الموالي للحكومة المعترف بها دوليا والتي يقع مقرها في طبرق، للسيطرة على المدينة. أخبرني بن حميدة، وهو ناشط من مدينة درنة يبلغ عمره 30 عاما، عبر الهاتف أن "سكان المدينة سوف ينحازون إلى الجيش إذا حاول مجلس شورى المجاهدين فرض أجندته وأيدلوجيته الخاصة عليهم كما فعلت داعش". تحاصر قوات الجيش الوطني المدينة حاليا، والتي استغلت الاشتباكات بين الجماعتين الاسلاميتين للتقدم نحو المدينة.

رغم التعاون الأخير بين الجيش الوطني ومجلس شورى المجاهدين، وايضا مبادرات السلام المحلية التي يقف خلفها قادة قبليون حاليا، فإن احتمالية مواجهة مسلحة جديدة تظل مرجحة بشدة. لكن موجةً جديدة من القتال سوف تكون مدمرة بالنسبة لسكان المدينة. قال مجلس شورى المجاهدين علنا إنه لا يعارض تشكيل جيش أو قوة شرطة داخل درنة، لكنهم أصروا على تطبيق قواعد صارمة للشريعة، من بينها الفصل بين الجنسين، وسياسات شديدة التقييد على حقوق النساء وقانون الأسرة، ومنع قروض البنوك القائمة على الفائدة.

ثم هناك احتمالية انتقام الدولة الإسلامية الذي يلوح في الأفق. في فبراير، نفذت قوات الدولة الإسلامية هجماتٍ انتحارية في مدينة القبة، التي لا تبعد عن درنة، قتلت أكثر من 45 شخصا ردا على ضرباتٍ جوية مصرية-ليبية مشتركة ضد مواقع التنظيم في درنة. إنه الخوف من موجة هجماتٍ انتقامية جديدة للدولة الإسلامية هو الذي يدفع الأهالي في المدينة إلى التسامح مع وجود مجلس شورى المجاهدين قبل كل شيء. لكن خلال محادثتنا أشار بن حميدة إلى أن سكان درنة لا يريدون تكرار أخطائهم: "إذا سمحنا باستمرار سيطرة المتشددين، فسوف نشهد تكرار نفس الحلقة المفرغة من العنف وعدم الاستقرار التي اجتاحت المدينة طوال السنوات الأربع الأخيرة".

يستلزم السلام والاستقرار القابلين حقا للاستمرار تشكيل قوة مدعومة من الدولة لحماية المدينة من أي تهديدات من تنظمياتٍ مثل الدولة الإسلامية. بعد ذلك سوف تساعد الحكومة المعترف بها دوليا في طبرق أو حكومة توافق وطني مستقبلية (كما اقترح وسطاء الأمم المتحدة مؤخرا) في إنشاء إدارة محلية لتسيير شؤون المدينة وإعادتها تحت سيطرة الدولة. والأهم أن السلطات الليبية والمنظمات الدولية ينبغي أن تعمل على خلق بيئة يمكن أن تزدهر فيها منظمات المجتمع المدني، وهي شرط رئيسي لمكافحة الأيدلوجية المتشددة. سوف ترسل هزيمة المتشددين وخلق ظروف تساهم في الاستقرار في درنة إشارة ترحيب بالتغيير الإيجابي إلى باقي أنحاء ليبيا.

*ترجم المقال على موقع مشروع "راقب"