لم يتمكن الفيلم "تومبكتو..شجن الطيور" من حصد جائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان كان السينمائي الدولي لهذا العام، لكنه أثار بعد عرضه جدلا واسعا في الشارع الموريتاني.

فالبعض اعتبروا الفيلم، الذي يعد العربي والأفريقي الوحيد في المسابقة، عملا فنيا يستحق الإشادة لأنه حاول أن ينقل معاناة واحدة من أعرق المدن التاريخية في مالي؛ فيما انتقده البعض الآخر بقوة ووصفوه بـ"العمل المبتذل" الذي كرس وجهة النظر التي تتبناها فرنسا ومالي، والصورة النمطية السلبية للجماعات الجهادية.

ويتناول الفيلم لمخرجه الموريتاني عبد الرحمن سيساغو حكم الجماعات المسلحة بشمال مالي من مارس/آذار 2012 حتى بداية 2013 بعد التدخل الدولي بقيادة فرنسا لطرد هذه الجماعات.

واعتبر منتقدو الفيلم أنه "عملا فنيا يجاري الأجندة الفرنسية، التي تهدف إلى بسط نفوذها العسكري بمنطقة الساحل بذريعة الحرب على الإرهاب". وقال الصحفي الموريتاني سيدي أحمد ولد باب لوكالة الأناضول إن "الفيلم ظلم مدينة تومبكتو، حيث لم يتعرض لمآذنها ومكتباتها وحضارتها العريقة".

وأضاف ولد باب وهو رئيس تحرير الموقع الالكتروني لوكالة أنباء الأخبار المستقلة أن الفيلم "عملية ترويج قذرة" لعملية "سرفال" العسكرية التي تقوم بها فرنسا ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي.

وتابع أن مخرج الفيلم "نسى أو تناسى الثورة الأزوادية بمالي ليختزل كل ما يجري في الشمال بخطر الجماعات الإسلامية الإرهابية". واعتبر ولد باب أن أصل حكاية أزمة أزواد متمثلا في "حراك التيارات الأزوادية التي حملت السلاح دفاعا عن حقوقها وشرف أبنائها بحثا عن عيش كريم".

وفي نفس السياق، قال المدون الموريتاني محمد سالم ولد إن "الفيلم كان إنتاجا فنيا يدعم في عيون الغربيين الهيمنة العسكرية على منطقة الساحل". واعتبر في تصريح للأناضول أن غياب التوازن في الفيلم من خلال "الرؤية الأحادية" للمخرج هي السبب في الضجة التي أثيرت حوله.

وفشل فيلم "تمبكتو" في الحصول على جائزة "السعفة الذهبية" بمهرجان كان السينمائي الدولي الذي أعلنت نتائجه الاسبوع الماضي. واعتبرت الناقدة السينمائية صفاء الصالح أن المخرج سيساغو يبدو في فيلمه أكثر "ملكية من الملك" في تعزيز الصورة النمطية المقدمة عن دول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا في كثير من وسائل الإعلام الغربية.

ويعتبر سيساغو أحد أكبر المخرجين السينمائيين بأفريقيا، ويشغل حاليا منصب مستشار الرئيس الموريتاني المكلف بالثقافة. لكن المخرج الشاب محمد ولد ادوم اعتبر أن مشكلة الفيلم هي "الأحكام الجاهزة" عليه، معتبرا أن نقد أي عمل سينمائي يتطلب مشاهدته قبل كل شيء، وذلك في إشارة إلا أن بعض منتقدي الفيلم بموريتانيا لم يشاهدوه.

وقال ولد ادوم إن مجرد الترشيح للسعفة الذهبية هو في حد ذاته إنجاز، لأن الفيلم كان من بين 18 فيلما فقط من بين المئات من العالم تم ترشيحها لجائزة السعفة الذهبية.

وأضاف أن الفيلم فاز بجائزتين من جوائز مهرجان كان، ويتعلق الأمر بجائزة (François-Chalais) التي تمنحها الصحافة الفرنسية لأحسن فيلم ، وجائزة لجنة التحكيم (oecuménique)، وهما جائزتان وإن كانتا دون السعفة الذهبية إلا أنهما من الجوائز المهمة. والجائزتان تمنحهما هيئات صحفية فرنسية من خارج مهرجان كان السينمائي.

و قال سيساغو أمس الأحد عقب لقاء أجراه مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إن ما لقيه الفيلم من نجاح عالمي من شأنه رفع مكانة موريتانيا على الصعيد العالمي.

و أضاف في تصريحات للصحفيين أن عمله الفني يشكل "شرفا لجميع الموريتانيين وأنه تكريس لما ينبغي أن يقوم به كل موريتاني للرفع من مكانة بلده والارتقاء به إلى فضاءات ثقافية أرحب".  

وتدور أحداث الفيلم في مدينة تمبكتو، تخللته بعض مشاهد العنف من جانب الجماعات المسلحة التي سيطرت على المدينة كالجلد والرجم وتنفيذ أحكام الإعدام، ولقطات ومقاطع تنقل معاناة السكان .

 لكن الفيلم تطرق لجوانب أخرى، حاول فيها سيساغو أن يظهر للعالم أن "الجهادي رغم أفعاله فإنه يبقى إنسانا، كالجهادي الذي يحرم التدخين وهو يدخن في السر، والآخر الذي يحب زوجة رجل آخر".