عاشت ليبيا منذ العام 2011، وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا جراء التدخل الغربي أسقط النظام.ولكن الأسوأ من ذلك كان سقوط البلاد ضحية للارهاب الذي استغل تلك الفوضى ليؤسس لنفسه موطئ قدم في البلاد لتتحول ليبيا في ظل تلك الضروف الى جحيم يعيشه أهلها وخطراً   يخشاه جيرانها.مآسي لم تمنع تيار الاسلام السياسي وعلى رأسهة جماعة "الاخوان" من المطالبة باعادة تكرار التدخل الغربي في ليبيا.

وعلى وقع الصراع العنيف الذي تشهده العاصمة الليبية طرابلس منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،تتسارع تحركات تيار الاسلام السياسي المهيمن على السلطة في طرابلس في محاولة لعرقلة تقدم الجيش وذلك بهدف المحافظة على آخر معاقل المليشيات الموالية لجماعة "الاخوان".

ووتعددت محاولات "الاخوان لصد الجيش الليبي فمن التحالف مع المليشيات والعناصر الارهابية والمطلوبين دوليا،مرورا بتجنيد المرتزقة والمهاجرين وصولا الى استجداء الدعم التركي والقطري.لكن ضربات الجيش الليبي مؤخرا وتقدمه الميداني مقابل تقهقر المليشيات دفع "الاخوان" الى المطالبة باعادة التدخل العسكري في ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين في تكرار لمأساة التدخل الغربي في العام 2011.

وجاء الطلب الأخير على لسان رئيس مجلس الدولة،القيادي الاخواني خالد المشري،الذي قال أن استهداف منطقة الفرناج بالعاصمة طرابلس الاثنين يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة محليا ودوليا وبشكل عاجل بهدف حماية المدنيين.وأوضح المشري في خطاب موجه لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أن الإجراءات التي يجب اتخاذها تتمثل في "دعوة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا" مثلما فعل في 2011 بحسب البيان.

ودعا المشري لفرض "حظر جوي على الطيران العسكري في الأجواء الليبية" معتبرا أن الصمت الدولي تجاه ما يحدث في ليبيا هو ما يشجع على الاستمرار في الانتهاكات وتكرارها الأمر الذي يفاقم الأزمة على المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.على حد تعبيره.

ويأتي طلب المشري في أعقاب محاولات قادها تيار الاسلام السياسي في محاولة لتشويه الجيش الليبي من خلال اتهامه باستهداف المدنيين في قصف على منطقة الفرناج.واعتبرت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق في بيان لها إن استهداف المدنيين يعتبر جرائم حرب وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية والتي تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار داخل العاصمة.وطالب البيان "بعثة الأمم الأممية ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الأعمال الإجرامية والعمل على توثيقها ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة".

لكن اتهامات حكومة الوفاق سرعان ما قوبلت بنفي من الجيش الليبي واتهم الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري،عبر صفحته بموقع "فيسبوك" جماعة الاخوان بمحاولة تشويه الجيش الليبي لعرقلة تقدمه في المعارك،قائلا  "إن ما تدعية العصابات الضالة ما هي إلا اكاذيب وادعاءات لا اساس لها من الصحة".وأوضح المسماري أن "فبركة الاخبار الكاذبة والمضللة أصبح اختصاص اصيل للإخوان ومن يسير في ركبهم بعد الخسائر الفادحة التي تلقتها مليشياتهم أمام القوات المسلحة العربية الليبية ودقة الضربات البرية والغارات الجوية.

تصريحات المسماري حول فبركة "الاخوان" ومحاولاتهم تشويه الجيش الليبي أكدتها صورة روجها إعلام الوفاق وجماعة الإخوان منذ الاثنين الماضي لشخص ينتحب في حضن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السرّاج مدعية أنه والد أطفال قتلوا في الغارة على منطقة الفرناج.لكن سرعان ما كشفت وسائل اعلام ومواقع الكترونية زيف هذه الرواية.

وتبين أن ذلك الشخص  يدعي سفيان الهادي تاج  من أصل تونسي، ووالدته تدعي زينب وهي أيضًا من أصول تونسية ، وظهر وهو يتحدث بوصفه والد البنات الثلاث القتيلات ثم ظهر في فيديو أخر  متحدثاً وقال إن الأسرة التي جرى استهدافها هي أسرة نازحة من طريق الأبيار، وأنه نازح من نفس المنطقة.واعتبر متابعون للشأن الليبي أن هذه الحادثة كشفت بوضوح محاولات الاخوان لتشويه الجيش الليبي أملا في استجداء التدخل الغربي لصالح مليشياتها ضد الجيش الوطني.

وتأتي مطالبات "الاخوان" بتكرار التدخل في ليبيا،في وقت تواصل فيه القوى الدولية الاقرار بخطأ ضرب ليبيا لا سيما بعد النتائج التي آلت إليها البلاد بعد إسقاط النظام وسيطرة الجماعات المتطرفة على البلاد.آخر هذه التصريحات جاء على لسان الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين،الذي أقر بأن التحذيرات التي أطلقها الزعيم الراحل معمر القذافي بشأن تبعات إسقاط الدولة الليبية قد تحققت.

وقال بوتين في لقاء تلفزيوني "إن الفوضى التي سادت بعد العمليات الحربية، (في ليبيا) لم تتوقف حتى الآن" مضيفا شركاؤنا الغربيون خدعونا.وأردف بوتين "لقد صوتت روسيا على قرار بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي" موضحا أن القرار يمنع الزعيم الراحل معمر القذافي "من استعمال الطيران، ولكنه لا يتضمن أي شيء يبيح لأي طائرات أن تقصف أراضي ليبيا ولكن هذا ما فعلوه تماما. أي أن هذا أيضا، في حقيقة الأمر، مخالفةً، تجاوز، لمجلس الأمن الدولي في كل ما جرى عمليا ونحن جميعنا نعلم تمام العلم ماذا نتج عن ذلك".

وأضاف الرئيس الروسي، "هناك حتى الآن الفوضى، والتخبط وانهال سيل من المهاجرين عبر ليبيا، الأمر الذي كان القذافي يحذر منه دائما، وما أن اختفى هذا الجدار، حتى انطلق السيل والآن ها هم يواجهون ما سبق تحذيرهم منه. ولكن هذا ليس الأهم، ربما.. بل الأهم أنه يزعزع استقرار الشرق الأوسط بأسره".

وينتقد المسؤولون الروس التدخل الغربي في ليبيا،والذي أحدث فراغا أمنيا كبيرا ساهم في إنتشار الفوضى وسهل الأنشطة الإجرامية والإرهابية في البلاد.وهو ما حذر منه الزعيم الراحل معمر القذافي في خطابه الشهير يوم 22 فبراير 2011 حين أكد أن الانفلات الأمني سيحول ليبيا إلى بؤرة إرهاب أقليمي عقب تمكين جماعات تيار الإسلام السياسي منها بسبب التدخل الخارجي.

وخلال السنوات الماضية،توالت الاعترافات من رؤساء الدول الكبرى بما في ذلك أمريكا عندما أقر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بخطأ التدخل الخارجي في ليبيا، كما أقر بذلك الرئيس الفرنسي أولاند الذي حمل سلفه ساركوزي مسؤولية إقحام فرنسا في الهجوم على ليبيا، وكذلك عبرت العديد من الدول وساستها عن خطأ التدخل في ليبيا، وسؤ تقدير العمليات العسكرية في ليبيا.

أما في بريطانيا فقد أعربت لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس العموم البريطانى،خلال جلسة للمجلس  في السادس من يناير 2017، عن ادانتها الشديدة تجاه التدخل العسكرى فى ليبيا، الذى قامت به كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2011 بدعم من حلف الناتو، وبتأييد العديد من دول العالم.

وأصدرت اللجنة تقريرا، بعد ان شكلت فريق برلماني أثبت أن التدخل في ليبيا كان بناءاً على معلومات مضللة من المعارضة الليبية السابقة، موضحة أن الناتو استخدم التدخل العسكرى لحماية المدنيين من الناحية الظاهرية فقط، إلا أن الوجهة الحقيقية كانت تغيير النظام الليبي، والإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافى بدلاً من حماية المدنيين، مضيفا أن الحوار السياسى مع النظام، كان من شأنه التوصل إلى حل سلمى فى ليبيا، دون اللجوء الى التدخل العسكري في البلاد.

وبدوره أفاد تقرير حكومي نرويجي بأن أوسلو تدخلت في حرب ليبيا إلى جانب الناتو عام 2011، رغم امتلاكها معلومات قليلة ومحدودة جدا حول الوضع الليبي وعواقب قرار الناتو.وأشار التقرير الصادر عن لجنة يترأسها وزير الخارجية السابق يان بيترسن إلى أن المسؤولين النرويجيين اتخذوا قرار المشاركة في الغارات الجوية التي نفذها الناتو على ليبيا، استنادا إلى معلومات غير مؤكدة حصلوا عليها من دول أخرى ووسائل إعلام.

ويجمع مراقبون على أن التدخل الغربي في ليبيا كان خاطأ وحول البلاد الى ساحة خلفية للتنظيمات الارهابية.و هو ما أشار اليه تقرير حول ليبيا نشره موقع "جلوبال ريسيرش"،في فبراير 2015،قائلا   أن تدخل حلف الناتو في عام 2011، جعل ليبيا  دولة فاشلة وقادها واقتصادها إلى حالة من الفوضى.واكد "جلوبال ريسيرش" أن سقوط "القذافي" خلق السيناريوهات الاسوأ في البلاد، حيث أصبحت ملاذا للإرهابين، وبات الساحل الشمالي مركزا لتجارة المهاجرين والهجرة غير الشرعية،   كما أغلقت كل من مصر وتونس والجزائر حدودها مع ليبيا، وسط الاغتصاب والاغتيالات والتعذيب داخل البلاد، وهو ما يكمل صورة الدولة الفاشلة.

دعوة الاخواني خالد المشري للتدخل الغربي في ليبيا ليست بجديدة على جماعة "الاخوان"،التي ظهرت عناصرها تحت الغطاء الجوي للناتو في العام 2011.وتكررت دعوات القيادات الاخوانية للتعويل على التدخل الخارجي،على غرار مطالبة عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة "الإخوان" المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم، عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،في يوليو 2018،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.

وقبل ذلك، تحدث رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا، محمد صوان، عن إمكانية الاستعانة بتدخل أجنبي في منطقة الهلال النفطي، على خلفية قيام الجيش الليبي بتحريرها من قبضة عصابات إبراهيم الجضران (حليف سرايا الدفاع التابعة للإخوان).ودعا صوان حينها المجلس الرئاسي لطلب المساعدة في مواجهة الجيش الليبي.

ناهيك عن ذلك فقد قامت جماعة "الاخوان" تحت غطاء حكومة الوفاق بفتح الباب أما التدخل التركي بهدف الابقاء على آخر معاقلها في العاصمة طرابلس.وتعتبر جماعة "الاخوان" في ليبيا، الذراع التخريبي لتركيا، التي تتهمها عدة أطراف ليبية بمحاولات نشر الفوضى في البلاد.وهو ما تؤكده شحنات السلاح المختلفة التي تتدفق إلى الجماعات الإرهابية في ليبيا قادمة من تركيا وبأموال قطرية بهدف استمرار الفوضى في ليبيا، وتمكين الجماعات الإرهابية وثيقة الصلة بالتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان" من السيطرة على البلاد.

واعتبر مراقبون أن تركيا قد استُدرجت إلى الصراع بسبب تقاربها الأيديولوجي من عناصر جماعة "الإخوان" داخل حكومة الوفاق  الوطني.وتحولت ليبيا الى ساحة لتجريب صنوف الأسلحة والطائرات التركية التي عمقت الصراع وسفكت دماء الليبيين.كما دفعت أنقرة بقواتها الى طرابلس حيث أكد الجيش الليبي في أكثر من مناسبة عن وجود تركي في معركة طرابلس وهو ما اعتبره الكثيرون محاولات اخوانية لتسليم ليبيا لأردوغان الساعي لتحقيق مطامعه التوسعية في الدول العربية وتمرير أجنداته المشبوهة.

وتحتضن تركيا وقطر عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار كبيرة في قيادة الحرب  على ليبيا منذ العام 2011،  على غرار علي الصلابي،إلى جانب قيادات الجماعات المتطرفة الذين يرتبطون معها بعلاقات كبيرة،على غرار عناصر مجلس شورى بنغازي المصنف تنظيما إرهابيا ناهيك عن المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي.

وقوف جماعة "الاخوان" ضد الجيش الليبي وضد تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، كشف النوايا المشبوهة للجماعة ودعمها للتنظيمات الارهابية التي تنشر الفوضى في البلاد.وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة "الإخوان" مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التي تسعى لنهب ثرواتها وتمرير أجنداتها في المنطقة.

وشهدت المدن الليبية تحركات ضد جماعة الاخوان،الذين نددوا بما وصفوه بسيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وتغلغلها في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تحميلها مسؤولية الفتنة والاقتتال في البلاد.وكان مجلس النواب الليبي،صوت في مايو الماضي على حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية، وهي خطوة تمهد لملاحقة أعضاء الجماعة قانونيا.ووفق الموقع الرسمي لمجلس النواب، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس، طارق الجروشي، "إن استنجاد تنظيم الإخوان المسلمين بتركيا للتدخل العسكري في ليبيا يدل على قرب نهاية مشروعهم".

ورغم شحنات السلاح والدعم الكبير الذي تتلقاه المليشيات من قطر وتركيا فان ذلك لم يمنع الجيش الليبي من تحقيق انتصارات ميدانية متكررة بسيطرته على عدة مواقع إستراتيجية، كما تمكن من القضاء على العديد من القيادات الهامة في صفوف المليشيات والتنظيمات الإرهابية.ويشير مراقبون الى أن جماعة "الاخوان" باتت تستشعر نهايتها مع اقتراب الجيش الليبي من تحرير العاصمة وهو ما يدفعها باتجاه محاولة استجداء الغرب لتكرار التدخل في ليبيا،ويؤكد هؤلاء بأن هذا لن يتحقق في ظل اققتناع المجتمع الدولي بتسببه في حالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ سنوات