يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القيام بزيارة رسمية إلى الجزائر خلال الفترة من 25 إلى 27 أغسطس/آب. وحسب بيان للرئاسة الفرنسية فأن الزيارة تهدف لإعادة إحياء الشراكة بين البلدين أو على الأقل السعي إلى تبديد الخلافات والتوترات، وستكون ثاني زيارة رسمية يقوم بها ماكرون للجزائر التي تربطها علاقات تجارية وثيقة بباريس.. ولمزيد من التفاصيل حول زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر وتوقيت الزيارة وأسبابها كان لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع الكاتب والباحث الجزائري الدكتور محمد بغداد، وإلى نص الحوار:
بداية.. زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، في أي إطار تحللون هذه الزيارة من حيث أسبابها ودلائلها وتوقيتها؟
هذه ليست الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، ولكن عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية عدة حالات من التوتر والهدوء خاصة في موضوع الذاكرة والعلاقات التاريخية بين البلدين كانت لها ردود فعل متباينة، لكن هذه الزيارة ينظر لها من الطرفين على أنها زيارة مهمة كونها تأتي في ظل التداعيات الدولية الخطيرة خاصة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والطاقوية، وما يتوقع أن يصل إليه الملف النووي الإيراني زيادة على ما تعرفه منطقة الساحل الإفريقي من مستجدات نوعية وغيرها من المعطيات المهمة.
إلا أن الوضعية الأوربية التي يحاول الخطاب السياسي الرسمي الفرنسي التعبير بلغتها تجعل الزيارة ذات أهمية للطرفين الجزائري والفرنسي وبالذات إذا أدركنا حجم المصالح بين الدولتين وطبيعة العلاقات بينهما والتي تتميز بالتعقيد والتشابك، ومن هنا فإن الأولويات لكل طرف ليست بالضرورة متقاربة إلا أن إمكانية أن تكلل الزيارة بأفق معين يحقق للطرفين نوعا من التطلع المأمول.
ما انعكاسات الزيارة على العلاقات بين البلدين.. ومن الطرف المستفيد؟
من السابق لأوانه الحديث عن نتائج الزيارة، فهناك ثلاث مستويات من التوقعات عن المتتبعين، الأول منها يعتبر الزيارة مهمة وبإمكانها إحداث نوع من التحول في العلاقة بين الجزائر وفرنسا مستندين إلى مؤشرات الوضع الدولي وتداعياته المتوقعة، فيما يذهب البعض إلى أن الزيارة لن تضيف شيئاً سوى تحريك بعض الملفات العادية دون أن تغوص في تعقيدات الملفات الكبرى خاصة وأن الرئيس الفرنسي لن تكون له الفرصة للتفكير في عهدة رئاسية أخرى وأن أولوياته هي أولويات أوربية بالدرجة الأولى وبالذات موضوع الطاقة، في الوقت الذي يذهب آخرون إلى أن الزيارة بإمكانها أن تفتح آفاقاً جديدة بين البلدين وأنها ستكون مناسبة لتصفية الأجواء خاصة وأنها ستدوم ثلاثة أيام مما يجعل الوقت كافي لتناول الكثير من الملفات، إلا أن الملاحظ بروز تصريحات (من أطراف وازنة) في الفضاء الفرنسي قبيل الزيارة تعمل على تعكير الأجواء وتعبر صراحة لرفضها للزيارة، وهي الأطراف المعروفة بمعاداتها للتقارب الفرنسي الجزائري.
وقد عبر الخطاب الرسمي الجزائري في العديد من المرات عن هذه الحالة عندما عبر عن تفريقه بين فرنسا الرسمية وغير الرسمية وهي الحالة التي كان لها تأثير كبير في نوعية سلوك العلاقات بين البلدين في العديد من المحطات.
برأيك.. إلى أي مدى تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة؟
إذا دققنا النظر جيداً في الواقع وابتعدنا عن السطحية نجد الأمر منسجم مع التحولات الجارية ليس في المنطقة وإنما تأثيرات التحولات الدولية، مما يجعل من كلمة (تراجع) بعيدة عن الواقع كون النفوذ الفرنسي يتميز بنوع من المد والجزر وصانع القرار السياسي في باريس يتكيف مع التغيرات وبصفة سريعة دون التفريط في النقاط الاستراتيجية بالنسبة إليه.
خاصة وأن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جعله من صانع القرار الفرنسي يسارع إلى القيام بإعادة انتشار قواته العسكرية في منطقة الساحل وتعزيزها استعداداً للمستجدات المتوقعة في المستقبل. مما يجعلنا أمام استراتيجية عسكرية (يقظة) إن صح التعبير.
كما أن المتوقع في المشهد (المأساوي) للاقتصاد الدولي يجعل من صانع القرار في باريس يعمل على إعادة تنشيط ما يعتبره قواعد استراتيجية خلفية يستعين بها على مواجهة المخاطر المتوقعة خاصة الاستثمارات والأسواق المربحة في المنطقة والأهم من ذلك الاستعداد للمنافسة المحتملة.
من وجهة نظرك.. هل تحاول فرنسا ترتيب أوراقها في المنطقة المغاربية؟
عندما ننتبه إلى طبيعة تفكير النخب الفرنسية الجديدة نجد أنفسنا أمام نخب وإن ظهرت للبعض أنها جديدة إلا أنها ما تزال تعتبر المناطق المستعمرة فرنسيا ومنها المنطقة المغاربية من الفضاءات الإستراتيجية والمساحات الحيوية التي تشكل جزء هام من الأمن الاستراتيجي ولهذا فهي تفهم جيدا الوضعية الصعبة التي توجد فيها المنطقة المغاربية، وقد عملت النخب الفرنسية على دعم وتوسيع دائرة مشاكل هذه المنطقة، مما يجعلها في النهاية غير قادرة على مجرد التفكير في التملص أو التخفيف من الضغوط التي تمارسها النخب الفرنسية على هذه المنطقة.
وعندما نتطلع (التصورات والتطلعات الاستراتيجية) فيما تكتبه النخب الفرنسية ندرك الحجم الكبير الذي يبذله صانع القرار السياسي الفرنسي في التعامل مع المنطقة وكيف يحرص على ابتزازها والاستثمار في مشاكلها، في صورة تكاد تتشابه مع ممارساته في العقود الماضية، وفي المحصلة نجد هذه التطلعات لا تخرج عن إطار السعي الحثيث نحو تضخيم وتعقيد مشكلات المنطقة والاستفادة بأكبر قدر ممكن من خيراتها.