عندما هاجمت بوكو حرام قرية هاماتو جواندا، أحرق مقاتلوها الكنائس ودمروا الأناجيل والصور وأرغموا سكانها على التخلي عن المسيحية. "أمرونا بعدم التفكير في العودة إلى الكنيسة لأنهم جاءوا بدين جديد"، تقول امرأة خمسينية، مضيفة، "إنهم ماضون نحو تحويلنا إلى مسلمين".

قدمها زعيم القرية، وهو مسلم، وهي مرتدية حجابا من النايلون السميك، قبل أن يعطيها اسما جديدا، عائشة.

خضعت للأمر الواقع وهي تتألم. أما النساء اللائي لا يرتدين الحجاب فيتعرضن للضرب.

"عندما أذهب إلى السوق، أرتدي الحجاب"، تقول جواندا ، مضيفة، "لكن في المنزل، أنزعه وأصلي".

يعود المسلحون بين الفينة والأخرى إلى قرية باراوا، يطلقون النار على الناس ويحرقون المنازل ويلاحقون مقاومة القرويين.

في سبتمر الماضي، حل بالقرية 30 مسلحا ملثمين يرتدون عمامات، محملين بأسلحة ثقيلة. حاول زوج جواندا الفرار، لكنه أصيب بعيار ناري في الصدر وفارق الحياة.

أصبح الذعر أمرا مألوفا عند جواندا. لقد شاهدت شابا يتعرض لإطلاق النار في رأسه عندما كان يهم بالفرار على طول الطريق الريفية. وعاينت امرأة تبكي بمرارة عندما اختطفها مسلحون هي وأطفالها.

" طلبوا منها التوقف عن البكاء"، تقول جواندا. "قال لها زعيم الجماعة، "أن تبكي أو تصمتي، فلن يغير ذلك في الأمر شيئا".

وفي العام الماضي، فقدت الحكومة السيطرة على مناطق واسعة شمال شرق البلاد لصالح بوكو حرام من دون قتال تقريبا. في حملة شبه عسكرية، رفعت الميليشيات المتطرفة علمها الأسود في القرى وطردت المسيحيين من مزارعهم ومنازلهم وسحبت الناس من السيارات على الحواجز، ما أسفر عن مقتل العديد ممن يصفونهم بـ "الكفار".

قتلت بوكو حرام المتمردة حوالي إثني عشر ألف شخص ودمرت اقتصاد المنطقة الشمالية. أغلقت المدارس أبوابها بسبب الهجمات التي أدت إلى اختطاف مئات الطالبات وحرق التلاميذ أحياءً في مهاجعهم.

تلخص أزمة بوكو حرام المشاكل الكثيرة التي تتخبط فيها نيجيريا: الحكامة الضعيفة والفساد والإهمال الكبير للمنطقة الشمالية ذات الأغلبية المسلمة، التي ظلت لسنوات من أفقر مناطق البلاد.

إن اعتماد العنف والمقاربة الفوضوية للاحتجاج نفرت الجمهور وساعدت على تفسير مدى شعبية بوكو حرام في بدايتها واكتساحها لشمال شرق البلاد.

وقد تراجع دعم بوكو حرام بسبب استهدافها الوحشي للمدنيين. لكن الرئيس النيجيري المسيحي غودلاك جوناثان إلى جانب المؤسسة العسكرية التي تفتقر للقدرة والإرادة الواضحتين لحل الأزمة الأمنية، مازالوا يفتقرون كثيرا للشعبية في شمال البلاد.

فنيجيريا تنفق 5.2 مليون دولار سنويا على المسألة الأمنية، لكن بسبب الفساد المستشري، يذهب جزء كبير من هذه الميزانية إلى جيوب عناصر الجيش الفاسدة.

"إن الجيش غير قادر على خوض الحرب. الشرطة كذلك غير قادرة على الحفاظ على الأمن"، يقول كليمنت نوانكو، من مركز السياسة والدعم القانوني ومقره العاصمة أبوجا.

"بالنسبة لي، لا يوجد سوى حلين اثنين. القوة العسكرية لإخضاع المتمردين والحكامة الرشيدة، إذ يجب تحقيق التنمية والقضاء على الفساد لوضع حد لهذه الأزمة".

هذا وتضاعف حدة هجمات المتمردين خلال الشهر الماضي.

عندما هاجمت بوكو حرام قرية أتاغارا، قال مايكل يوحنا أنه وآخرون معه توسلوا القادة العسكريين للدفاع عن القرية.

"قالوا إنهم لم يتلقوا الأوامر لفعل ذلك" يقول يوحنا، وهو ناشط في بلدة جوزا. "حتى بعد الهجوم لم يتدخلوا"، مضيفا أن 150 شخصا على الأقل قتلوا في قرية أتاغارا.

"في هذا الوقت بالذات، لم يدخل بعد الجيش إلى القرية"، يقول يوحنا، "وصل المسلحون على متن عربات عسكرية وناقلة جند مدرعة. توجهوا إلى الكنيسة المركزية وأمروا أحد الرجال بجمع الناس، ثم أطلقوا النار عليهم بدم بارد".

"لم تجد النساء والأطفال ملجأً سوى الكهوف والتلال في الجبال المجاورة"، يحكي يوحنا. "الطعام غير متوفر. فقد نهب المتمردون جميع المواد الغذائية واستولوا على جميع الممتلكات".

كان هارونا زانغا، وهو مزارع من قرية غافا الغربية يبلغ 63 عاما، يرقد على حصيرة في الهواء الطلق عندما حلت ميليشيا بوكو حرام في مارس العام الماضي. ويحكي أنه لم يدرك الخطر المحدق به سريعا قبل أن يطارده المسلحون بالرصاص من على سياراتهم الرباعية الدفع. قفز على جدار أحد المنازل، لكن المسلحين تمكنوا من إصابته بأربع أعيرة نارية.

"عندما أصابوني، سقطت على الأرض فقط، فاعتقدوا أنني فارقت الحياة"، يسترسل زانغا. "في نفس اليوم، أطلقوا النار وقتلوا أربعة أشخاص آخرين".

عندما تماثل زانغا للشفاء في أحد المستشفيات بمدينة مايدوغوري، حذره أحد معارفه القدامى، وكان جزارا مسلما، من العودة، "نصحني أن أغادر، وقال: "لا تذهب إلى غافا الغربية، لأنك إذا فعلت، سيأتون مرة أخرى لمهاجمة المكان".

"أصبت بالرعب، لكن ماذا بوسعي فعله؟ كنت أشعر أنهم أشرار مصممون على تدمير المجتمع".

أخبر الجزار زانغا أن الجبال القريبة من جوزا  تعج بمتمردي بوكو حرام.

وبعد شهر، عاد زانغا إلى غافا الغربية، حيث تفاقمت الهجمات. فقد اختطف حفيده، بيتر بيي ذو 18 ربيعا وقتل بعد رفضه اعتناق الإسلام. كما اختطفت الكثير من فتيات ونساء القرية.

في سبتمبر الماضي، حاصر المتمردون القرية وهاجموها مع حلول الظلام، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص. أحرقوا خلال الهجوم 300 منزل. وفي اليوم التالي، فر زانغا صحبة عشرة من سكان القرية من منطقة جوزا صوب قرية فوجا وسط البلاد، حيث الملجأ والأرض.

"كان الهجوم الأخير هو أسوأ"، يقول زانغا، "أحرقوا جميع المنازل. وكان منزلي أول ما أحرقوا".

عندما غادرت العائلات المسيحية باراوا الواحدة تلو الآخرى، بقيت جواندا متشبثة ببيتها وأرضها. لكن الهجمات تضاعفت أكثر فأكثر. وكانت القشة الأخيرة التي قسمت ظهرها هي اختطاف الفتيات والنساء.

وعندما رحلت أخيرا من القرية شهر ماي، تحسرت كثيرا لأنها نسيت أن تأخذ الصورة الوحيدة لأخيها، آخر ما تبقى لديها من عائلتها. كانت الصورة مخبأة بعناية تحت الفراش لكي لا تقع في أيدي المسلحين.

عبرت الحدود إلى الكاميرون. وبمجرد وصولها سالمة، تخلصت من حجابها وشعرت بالحرية وهي تتنفس الهواء المنعش.

إنها آمنة الآن.

"كنت سعيدة للغاية"، تقول جواندا، وهي في طريقها إلى أبوجا. "شعرت بالهواء النقي كما لو أنني أتيت إلى مكان رائع لم يكن يخطر على بالي".

أصبحت جوانا تنعم بالراحة الآن بعد مغادرتها باراوا، لكنها تتذكر ما فقدته: زوجها، مزرعتها الصغيرة، منزلها، إنجيلها، ملابسها والصليب الذي تعودت على ربطه حول عنقها قبل أن يرغمها المسلحون على خلعه ، وصورة شقيقها.