يُحيي الليبيون اليوم 16 مايو 2020، الذكرى السادسة لانطلاق عملية الكرامة، والتي تحولت إلى ثورة شعب وجيش هدفها تحرير البلاد من الأطماع الخارجية والخيانات الداخلية ومن الإرهابيين ودواعش المال وعصابات الإسلام السياسي.

وتأتي هذه الذكرى في الوقت الذي تواصل فيه القوات المسلحة دكّ حصون الإرهاب والميلشيات الخارجة عن القانون على أبواب طرابلس، وخلال ست سنوات تغيّر المشهد كثيرا، فالجيش الذي انطلق بأقل من 300 مقاتلا على كوبري بنينا في بنغازي، بات اليوم قوامه 100 ألف مقاتل، يقف بعضهم على كوبري الزهراء غربي العاصمة، كما نجح في بسط نفوذه على أكثر من 90% من الجغرافيا الليبية الشاسعة.

ففي الـ 16 من مايو 2014، انطلقت عملية « الكرامة » لتحرير مدينة بنغازي من الجماعات الإرهابية، لتتحول بعد أشهر إلى ثورة ضد الميلشيات المسحة الخارجة عن القانون وأذرعها في الداخل والخارج،  واستطاعت تحقيق التأييد الشعبي في كامل أرجاء البلاد، ما عدا القوى الظلامية التي ترفض بناء الدولة الليبية المدنية الحديثة والموحدة والقوية، وتطمح الى أن تجعل منها تابعا ذليلا للمشروع الإخواني القطري التركي العابر للحدود.

انطلقت  عملية « الكرامة » بضربات موجهة إلى وحدات من ميليشيا 17 فبراير، و ميليشيا درع ليبيا 1، وأنصار الشريعة، وخاصة في المناطق الجنوبية الغربية من بنغازي  كالهواري وسيدي فرج، وتركز القتال على وجه الخصوص في المنطقة الواقعة بين حاجز البوابة الجنوبي الغربي ومصنع الأسمنت، وهي منطقة كانت تحت سيطرة مجموعة أنصار الشريعة، وفي اليوم التالي تحركت قوات درع ليبيا المرتبطة بالإخوان والجماعة المقاتلة، للهجوم على ميناء بنغازي البحري، حيث اشتبكت مع القوة الأمنية التابعة للدولة والتي كانت تقوم بحماية الميناء، كما اشتبكت مع قوات مشاة البحرية في القاعدة البحرية المجاورة في جليانا، في معركة استمرت نحو يومين، وانتهت باحتلال الميليشيا للميناء وسقوط قتلى وجرحى، مادفع بقوات الجيش إلى التدخل المباشر مدعومة بالمتطوعين من أبناء القبائل.

وفي الـ 17 من مايو، عقد اللواء (آنذاك) خليفة حفتر، مؤتمرا صحفيا  أعلن فيه أن المؤتمر الوطني العام الليبي ( الإخواني ) المنتهية ولايته آنذاك "غير شرعي" ولم يعد يمثل الشعب الليبي"، مؤكدا الكشف عن  أدلة بأن المؤتمر الوطني العام قد فتح الحدود الليبية لإرهابيين مُعلن عنهم واستدعى العديد من المقاتلين الإسلامويين الدوليين للقدوم إلى ليبيا، وقدم لهم جوازات سفر ليبية، موضحاً أن الهدف الرئيسي من  عملية « الكرامة » هو تطهير ليبيا من المتشددين الإسلاميين، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

وفي 25 يونيو 2014 ، نُظّمت انتخابات برلمانية في ليبيا، انهزم فيها الإسلاميين، ليعلنوا بعد ذلك الانقلاب على النتائج ، ثم قاموا بعد 18 يوما بتشكيل  ميليشيا « فجر ليبيا »، وهي عبارة عن تحالف جماعات متشددة  تضم ميليشيات بينها درع ليبيا الوسطى، غرفة ثوار ليبيا في طرابلس، وميليشيات تنحدر أساساً من مناطق مصراته، إضافة إلى ميليشيات إخوانية من غريان والزاوية وصبراتة، شنت هجوماً في 13 يوليو 2014، بهدف الاستيلاء على مطار طرابلس العالمي وعدد من المعسكرات في المناطق المجاورة، التي كانت قوات تابعة للجيش الليبي (أغلب منتسبيها من منطقة الزنتان) تتولى إدارتها وتأمينها منذ 2011.

وقد حازت ميليشيا فجر ليبيا على تأييد من بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، منهم رئيسه نوري بو سهمين، والمفتي المعزول  الصادق الغرياني، وكذلك تأييد  بعض المناطق خصوصاً مصراته، إلا أن هذا الهجوم  قوبل برفض من قبل أغلب السكان المحليين  في طرابلس وكذلك استنكار ورفض مجلس النواب الليبي المنتخب .، والذي منع من عقد جلساته في طرابلس  وعجز عن عقدها في بنغازي فإضطر الى الانتقال الى مدينة طبرق شرق البلاد ليتخذ منه مقر  مؤقتا

 كان هدف ميلشيات فجر ليبيا الإخوانية هو قطع الطريق أمام عملية  الكرامة في المنطقة الغربية، وإعادة خلط الأوراق بعد فشل الاسلاميين في المنطقة، وقد وجدت دعما واضحا من قطر وتركيا والجماعات الاسلامية في المنطقة، كما كانت تهدف إلى طرد كل القوات الداعمة للجيش الوطني بما في ذلك قوات الزنتان وورشفانة ، و في 25 ديسمبر 2014 قتل 19 جنديا ليبيا  من بينهم  14 من حراس محطة الكهرباء البخارية غربي سرت واالمنضوين تحت لواء كتيبة (الجالط) 136 مشاة التابعة للجيش ، وذلك في هجوم شنته ميليشيات فجر ليبيا التي تضم مقاتلين من أنصار الشريعة  استعدادا لمهاجمة ما يعرف بمنطقة "الهلال النفطي" شرقي البلاد، كما قتل أربعة جنود آخرين بعد اشتباكات دارت مع ميليشيات فجر ليبيا بسبب هذا الهجوم. فيما استهدف خزان للنفط في مرفأ السدرة النفطي بقذيفة صاروخية من قبل  الميلشيات الإخوانية  تسببت باشتعال النيران به ماتسبب في انصهاره وامتداد النيران إلى خزانات نفط مجاورة وذكر مسؤول في شركة الواحة النفطية  حينها "أن الحريق خرج عن السيطرة بعد أن انفجر وانصهر جسمه وسالت منه الحمم النفطية المشتعلة لتنتشر في محيط الخزانات ال19 التي تحوي 6.2 ملايين برميل من النفط الخام"

وبعد خمسة أشهر من انطلاق  عملية « الكرامة »، وتحديداً في 21 أكتوبر 2014، أعلن المتحدث باسم مجلس النواب فرج هاشم، تبنّي  المجلس "عملية الكرامة"، مؤكداً "مشاركة جميع ضباط وجنود الجيش الليبي في العملية التي قال أنها عملية للجيش الليبي.

وفي 17 نوفمبر  2016، أكد مجلس النواب الليبي أن الجيش في ليبيا يخوض مع الشعب كتفا بكتف حرباً على الإرهاب والتطرف، وأضاف  في بيان له  أن عملية الكرامة وقيادتها هي عملية عسكرية شرعية تابعة لرئاسة الأركان والحكومة الليبية بقيادة اللواء خليفة حفتر وهي تستمد شرعيتها من الشعب الليبي.كما جدد مجلس النواب دعمه للجيش ورئاسة الأركان المنتخبة ضد أي عدوان.

وفي مطلع   يناير 2015، وقّع  عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب، باعتباره قائداً أعلى للقوات المسلّحة، قرارا أعاد بموجبه 129 ضابطاً إلى صفوف الجيش، بينما  قال عضو لجنة الأمن القومي والدفاع بالبرلمان الليبي، طارق الجروشي: “أعاد عقيلة صالح قويدر رئيس البرلمان الليبي، 129 ضابطًا للخدمة العسكرية(جميعهم متقاعدين) بينهم اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة وذلك كدفعة أولى من إجمالي المحالين للتقاعد، وذلك بحسب الإعلان الدستوري المعدل في الثالث من اغسطس2014″.

وأضاف الجروشي أنّ هذا القرار: “مدد فترة الخدمة العسكرية للضباط الـ(129) لمدة عامين إضافيين”، وأشار إلى أنّ هذا القرار “أحيل لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي لتطبيقه” ،مردفا أنه ، والى جانب اللواء حفتر ، تقرر  عودة : “العميد ركن صقر الجروشي، قائد سلاح الجو، والعميد جمعة العباني، رئيس أركان الدفاع الجوي الليبي السابق”. مضيفًا: أن “الضباط الذين صدر لفائدتهم قرار بالعودة إلى الخدمة العسكرية جميعهم يقاتل الآن في الجبهات ضد الجماعات المسلحة الخارجة عن الدولة”.

وفي  2 مارس 2015  عين مجلس النواب الليبي الفريق اول خليفة حفتر قائدا عاما للجيش الليبي مع ترقيته الى رتبة فريق أول ، وفي  9 مارس  أدى الفريق اول خليفة حفتر اليمين القانونية امام النواب بمقرهم مجلس النواب بطبرق بحضور اللواء عبد الرزاق الناظوري رئيس الاركان العامة للجيش الليبي ورؤساء اركان القوات  الجوية والبرية والدفاع الجوي وحرس الحدود .

وقد شجّعت عملية الكرامة العسكريين السابقين والمتطوعين على الانضمام إلى الجيش الليبي بهدف الدفاع عن كيان الدولة ومؤسساتها وحماية المدنيين من عنف الجماعات المتطرفة، وفي  ابريل 2015 أمر الفريق خليفة حفتر القائد العام الجيش الليبي  بعودة جميع العسكريين السابقين إلى صفوف الجيش ،مشيدا  بالروح الوطنية التي أبداها كل الضباط والجنود والمدنيين الداعمين لعملية الكرامة أثناء حربهم الطويلة والمؤلمة الهادفة إلى إرجاع هيبة الدولة الليبية وسيادتها.

وفي أحد تصريحاته، أكد حفتر أنه : «لا يخفي على الجميع الهجمة الشرسة الممنهجة على الإسلام وعلى العروبة في ليبيا، وعلى جيشها الوطني، الذي كان أحد الجيوش العربية المدافعة عن الأمة، والواقف إلى جانب شعبه لتخليصه من كل أشكال الاستبداد»، مؤكدا أنه «تدارس بعد تكليفه بقيادة القوات المسلحة الليبية مع بعض الخبراء والمستشارين الذين التحقوا بالقوات المسلحة من أجل تنظيمها، وبما يناسب تنظيم المهام الوطنية التي تواجه الليبيين، بالإضافة إلى اهتمامهم الدائم بجبهات القتال».

وأوضح حفتر أن قوات الجيش تمكنت من التقدم في كل الجبهات ومن ثم  «تقرر الاستعانة بكل من يرغب في العمل مع الجيش الليبي، وذلك بإعادة كل العسكريين ذوي الخبرة والكفاءة للخدمة».

كما نجحت عملية الكرامة في حماية شرعية البرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه، بعد أن حظيت بمساندة قبائل المنطقة الشرقية ، وكذلك بعد أن إحتلت موقعا مهما في المنطقة الغربية من خلال ثوار الزنتان والمناطق المجاورة ، حيث باتت ترمز الى شرعية الدولة وتحظي بغطاء إجتماعي كبير ، ورغم محاولات إعادة تدوير قوى الإسلام السياسي المهزومين سياسيا ، من خلال إتفاق الصخيرات في ديسمبر2015 ، ورغبة فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في وضع يده على القيادة العامة للقوات المسلحة ، عبر تحالفه مع القوات المعادية للجيش ، واصلت عملية « الكرامة » تقدمها في ساحات القتال لتحقق إنجازات ميدانية كبرى.

ففي 11 سبتمبر  2016 ، نفذ الجيش الوطني الليبي عملية « البرق الخاطف » لتحرير منطقة الهلال النفطي والمنشئات والموانيء الموجودة من ميلشيات ابراهيم الجضران المدعومة من سلطات طرابلس والجماعات الاسلامية ، وفي مارس  2017 صد هجوما نفذته ميليشيات متشددة على الهلال النفطي  يدعمها الاخوان وحلفاؤهم ، حيث تعرض الى ضربة موجعة من خلال عملية « البرق الصاعق » ، كما صد هجوما أخر في يونيو من العام ذاته ، إنتهى بالقضاء على أغلب ميلشيات الجضران التي كانت مدعومة من المجلس الرئاسي ومسنودة بمئات من مسلحي المعارضة التشادية المتمركزة في ليبيا

وفي 3 يونيو 2017 استعاد الجيش الوطني الليبي، السيطرة على كافة مناطق الجفرة الصحراوية وسط ليبيا و"قاعدة الجفرة العسكرية الجوية"، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى في التواصل بين الوسط والجنوب ، وكبوابة تفتح على شمال البلاد ، كانت الميلشيات والجماعات الإرهابية تستعملها لنقطة فصل بين أقاليم برقة وطرابلس وفزان

وفي 6 يوليو 2017 أعلن المشير خليفة حفتر، التحرير الكامل لمدينة بنغازي من المسلحين المتطرفين بعد اكثر من 3 سنوات من المعارك الدامية ، وقال حفتر في خطاب موجه إلى الشعب الليبي عبر التلفزيون "بعد كفاح متواصل ضد الإرهاب وأعوانه، دام أكثر من ثلاث سنوات متتالية تزف إليك اليوم قواتك المسلحة بشرى تحرير مدينة بنغازي من الإرهاب، تحريرا كاملا غير منقوص، وتعلن انتصار جيشك الوطني في معركة الكرامة ضد الإرهاب".

وفي 29 يونيو 2018 أعلن المشير حفتر  تحرير مدينة درنة من  الإرهابيين ،ليطوي بذلك صفحة كندهار ليبيا ، أو المدينة اللغز التي كانت مصدرا للإرهاب في الداخل والخارج منذ تسعينيات القرن الماضي

وفي يناير 2019 ، أطلق الجيش الوطني عملية تحرير الجنوب التي تواصلت لمدة شهرين تقريبا وإنتهت ببسط نفوذه على إقليم فزان الذي تصل مساحته الى 552 ألف كلم مربع ، وعلى الحقول النفطية الكبرى وبخاصة حقل الشرارة وحقل الفيل ، ثم وفي الرابع من أبريل 2019 تم إطلاق عملية « طوفان الكرامة » لتحرير العاصمة طرابلس ، التي تم إخضاعها بقوة السلاح للمشروع الإخواني الإرهابي من خلال ميلشيات خارجة عن القانون يتزعمها عدد من قادة الحرب المتورطين في جرائم القتل والنهب والسلب والإغتصاب والإبتزاز والعمالة للخارج

واليوم، وبعد ست سنوات على إطلاق عملية الكرامة ، بات الجيش الوطني الليبي يحظى بدعم الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي ، فقد إنضمت إليه القبائل والمدن والقرى الليبية التي رأت فيه مشروعا وطنيا إستطاع أن يحقق المصالحة الوطنية الفعلية على الأرض وفي جبهات القتال ، كما أعاد مؤسسات الدولة الى سالف نشاطها في كل المناطق التي بسط عليها نفوذها ، وإجتث الإرهاب بجميع تفرعاته ، وفتح أبواب الأمل على مصاريعها أمام شعب يطمح الى تجاوز النفق المظلم الذي دفعته إليه قوى الإرهاب والتطرف والفوضى ، وذلك بالتوصل الى الحل السياسي الذي لن يكون إلا في ظل الأمن والإستقرار وسلطة الدولة

تحولت عملية الكرامة الى ثورة شعبية تدعم مشروع قواتها المسلحة التي تواجه اليوم تدخلا تركيا سافرا من خلال المسلحين وآلاف المرتزقة وشحنات السلاح والذخيرة التي تصل الى غرب البلاد ، كما تواجه حكومة خائنة معادية لسيادة وطنها ، تدار من قبل سلطات فاقدة للشرعية الدستورية والشعبية ، وتم فرضها على الشعب الليبي من قبل الدوائر الإستعمارية واللوبيات صاحبة المصالح المالية والنفطية والإستراتيجية 

لقد دفع الجيش الألاف من أبنائه على مذبح الوطنية والتحرير ، وتصدى بقوة لمشروع إخواني عابر للحدود كان يجد دعما سخيا من قطر وتركيا وقوى إقليمية ودولية أخرى ، وكشف عن طبيعة المؤامرة التي كانت تحاك في السراديب المظلمة ضد ليبيا الدولة والمجتمع والشعب والثروة والموقع والدور والمقدرات ، وهاهو اليوم يتقدم ليحرر طرابلس ويخوض معركة الساعات الأخيرة ليجتث  المؤامرة من جذورها

منذ خمسة أعوام ، قال المشير حفتر إنه يحارب الارهاب نيابة عن العالم ، واليوم كسب التحدي ، وحقق الانتصار الكبير ، عندما فرض على العالم الاعتراف بالجيش الوطني كقوة  عسكرية وطنية ذات دور أساسي في مكافحة الإرهاب والدفاع عن وحدة ليبيا وسلامة أراضيها وأمن وإستقرار شعبها وفي الدفاع عن مقدراتها وثرواتها التي طالما طمح الاسلاميون إلى تحويلها إلى أداة لهم للسيطرة على المنطقة العربية.