في مثل هذا اليوم 17 ابريل من العام 1971، أعلن  في بنغازي عن اتفاق بين ليبيا ومصر وسوريا، لقيام اتحاد الجمهوريات العربية بحلول الأول  من يناير 1971 ، ووتم إجراء ثلاث استفتاءات متزامنة بشأن اتحاد الجمهوريات العربية يوم 1 سبتمبر 1971 فى الدول الثلاثة  واعتمد الاقتراح فى الاستفتاء المصرى بنسبة 99.9%، وفى الاستفتاء الليبى وافق على المقترح 98.6% من المصوتين، بينما صوت فى سوريا 96.4% لصالح الاتحاد.

ونص دستور “اتحاد الجمهوريات العربية” الذى صدر فى دمشق على وحدة علم الدولة ونشيدها وعاصمتها، وكفالة الحريات العامة وحقوق المواطنين، كما نص على اتخاذ القرارات بالاجماع وعلى التنسيق في التمثيل الدبلوماسي والقنصلي وتنظيم الدفاع والتكامل في مشاريع التنمية.

وأما علم اتحاد الجمهوريات  فقد أبقى على شكل علم الوحدة الثلاثية من حيث التقسيم والألوان وألغيت النجوم وحل محلها الشعار السوري (العُقاب) بلون ذهبي وتحته عبارة (اتحاد الجمهوريات العربية) بالنسبة للجمهورية العربية السورية، والشعار المصري (العُقاب) بلون ذهبي وتحته عبارة (اتحاد الجمهوريات العربية) بالنسبة لجمهورية مصر العربية، وكذلك بالنسبة للجمهورية الليبية.

وعقب التصديق على الاتفاق، وجه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بياناً أعلن فيه عن قيام اتحاد الجمهوريات العربية قائلا :

أحمد الله سبحانه وتعالى الذى أتاح لى شرف أن أعلن إليكم الليلة قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذي اتفقت الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية الليبية والجمهورية العربية السورية على إقامته بينها. خطوة عظيمة على طريق الوحدة الكبرى لأمتنا العربية وتدعيما هائلا لقدرة هذه الأمة على خوض صراع المصير الذى تواجه تحديه وتكريما للشهداء والأبطال الذين خاضوا معارك هذه الأمة على طول تاريخها النضالى المجيد من أجل الحرية والاشتراكية والوحدة ثم تحقيقا لأمل كبير عمل من أجله واستشهد فى سبيله بطل هذه الأمة جمال عبد الناصر. أحمد الله سبحانه وتعالى الذى جعل قيام اتحاد الجمهوريات العربية حقيقة واقعة أسفر عنها اجتماعنا مع الإخوة معمر القذافي والرئيس حافظ الأسد في مدينة بني غازى التي سوف يظل اسمها إلى الأبد توأما لمدينة طرابلس التى تم فيها إعلان قيام ميثاق طرابلس الذى كان إطارا ومنطلقا لاتحاد الجمهوريات العربية.أحمد الله سبحانه وتعالى الذى أعز كفاح أمتنا فى مرحلة من أصعب وأدق المراحل بهذه القاعدة العربية الهائلة تخوض منها وتخوض بها حربها العادلة والشريفة ضد أفدح خطر واجه مسيرتها، لقد أراد العدو أن يضعفنا فزادنا الله إيمانا وقوة وأراد العدو أن يمزقنا ويعزلنا فزادنا الله ترابطا ووحدة وأراد العدو أن يبث اليأس في قلوبنا فزادنا الله ثباتا ويقينا وأملا.أيها الإخوة :فى نفس هذه اللحظة يتولى الرئيس معمر القذافي بنفسه فى الجمهورية العربية الليبية إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية.وفى نفس هذه اللحظة أيضا يتولى الرئيس حافظ الأسد بنفسه فى الجمهورية العربية السورية إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية.وإنه لمن دواعى اعتزازى أن أقوم بهذه المهمة هنا فى الجمهورية العربية المتحدة.وقبل أن أتلو عليكم إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذى اتفقنا عليه ووقعناه صباح اليوم وقبل أن أتلو عليكم الأحكام الأساسية لاتحاد الجمهوريات العربية. وقبل أن أنهى إليكم اتفاقنا على الموعد الذى نطرح فيه للاستفتاء الشعبى العام إقامة هذا الاتحاد، قبل ذلك كله أسمح لنفسي بأن استرجع صدى ذلك الصوت العظيم الذى أعلن فيه جمال عبد الناصر قيام دولة الوحدة بقوله: لقد قامت دولة كبرى فى هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة ليست عادية عليه ولامستعدية دولة تحمى ولا تهدد تصون ولا تبدد تقوى ولا تضعف تسالم ولاتفرط تشد أزر الصديق ترد كيد العدو ولاتتحزب ولاتتعصب.. لاتنحرف.. ولا تنحاز تؤكد العدل وتدعم السلام توفر الرخاء لها ولمن حولها للبشر جميعا بقدر ماتتحمل وتطبق”.وعلى الرغم من هذا الحماس العربي الذي زرع الرعب في أطماع العالم الخارجي من هذه الوحدة، إلا أنها التنفيذ باء بالفشل منذ لحظاته الأولى، وكان السبب المعلن لهذا الفشل هو اختلاف الدول الثلاثة على بنود الاتفاقية.وكان من اللافت حينذاك أن الاتحاد الاشتراكى بمصر اعترض على القرار ، كما اتفق معه في الرفض الجيش الليبى.وعلى الصعيد السوري فكان هذا الاتفاق يمثل أملا كبيراً لحافظ الأسد للخروج من عزلته الإقليمية .

ووفق الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل «حدث اتفاق من حيث المبدأ عليه بين الدول الثلاث فى يونيو 1970، بحضور واشتراك «جمال عبدالناصر» حيث كان يزور طرابلس للمرة الأولى والأخيرة فى حياته، ليحضر احتفالات الجلاء الأمريكى عن قاعدة «هويلس»، وكانت التصورات المبدئية أن تضم مصر وسوريا وليبيا والسودان، لكن الرئيس السودانى جعفر نميرى لم يكن مستعدا، واقتصرت المناقشات على مصر وليبيا وسوريا، وفى نوفمبر 1970 وفى جو الوحشة والفراغ والإحباط بعد رحيل عبدالناصر، أعاد القذافى طرح الموضوع أثناء اجتماع «مصرى- سورى -سودانى- ليبى»، جرى عقده كمظاهرة تأييد لمصر وللرئيس السادات، وتأجل البحث إلى اجتماع قادم.

استدعى السادات فجأة هذا المشروع فى أواخر مارس 1971 حسب تأكيد هيكل، للإفلات من مأزق قرار الحرب ضد إسرائيل الذى تحدد موعده فى أواخر إبريل من نفس العام، طبقا لقرار مجلس الأمن القومى المصرى يوم 26 مارس 1971، وبوصف هيكل: «كان هو فى هذا الاجتماع ضمن أقلية يمكن أن توصف بالانهزامية»، لكنه قرر أن يجارى فى وقت لم يتوافر لقرار الحرب إمكانياته سياسيا وعسكريا وحتى نفسيا، والصراع على السلطة يكاد يتحول إلى فتنة»، ويقول شعراوى جمعة وزير الداخلية وقتئذ فى «شهادة للتاريخ- محمد حماد- مركز الأهرام للنشر»: «كان أنور السادات يريد الإفلات من الموعد الذى يقترب شيئا فشيئا، وكانت لعبته أن يشغل الناس فى استفتاءات ومعارك انتخابية ليفوت الوقت المحدد للمعركة».

حضر رؤساء «دول ميثاق طرابلس» إلى القاهرة يوم 11 إبريل 1971، وواصلوا اجتماعاتهم حتى يوم 13 إبريل، وحسب محمد عبدالسلام الزيات فى مذكراته «السادات القناع والحقيقة» عن «كتاب الأهالى-القاهرة»: «لم تكد تمر أيام على تعيينى وزيرا حتى أشركنى السادات فى وفد مصر فى المباحثات التى جرت فى القاهرة وحضرها الأسد والقذافى ونميرى، وكان بين أعضاء الوفد المصرى حسين الشافعى وعلى صبرى وعبدالمحسن أبوالنور ولبيب شقير وشعراوى جمعة وسامى شرف، وأثناء المباحثات تبين شقة الخلاف بين الليبيين والسودانيين واسعة، واعتذر نميرى قائلا: الجنوب يعتبر نفسه أفريقيا، وليس عربيا، ومثل هذه الخطوة يمكن أن تزيد من تعقيد الأمور على هذا الصعيد».

انتهى الاجتماع، وحسب شعراوى جمعة، فإنه كان فى حفل تخريج دفعة جديدة من معهد الدراسات الاشتراكية وفوجئ بمن يتصل به من الرئاسة ليبلغه بأن السادات والقذافى والأسد، اتفقوا على السفر إلى بنغازى فى ليبيا لاستكمال مناقشة الموضوع، ويذكر أنه ذهب إلى المطار لتوديع السادات والوفود المسافرة، وعندما وصل إلى استراحة رئيس الجمهورية فى المطار وجد العقيد القذافى ومعه الرائد عبدالمنعم الهونى والرائد عمر المحيشى «أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية»، ويذكر «جمعة» بأن القذافى بادره لحظة دخول الاستراحة، وكان يجلس إلى جانبه على صبرى، نائب رئيس الجمهورية، متسائلا: هل هناك ضغوط على أنور السادات فى مصر؟، وأكد أن سؤاله بسبب ضغوط السادات كى يتم مشروع الاتحاد، فى حين أنه هو- أى القذافى - لا يرى ضرورة لهذه العجلة».

يؤكد شعراوى جمعة أنه فى اجتماع يوم 16 إبريل  طلب الجانب الليبى الانفراد بالوفد المصرى، وأبدوا صراحة مخاوفهم من التعامل مع حافظ الأسد ومع «حزب البعث»، وطرح الليبيون فى اجتماعهم مع الوفد المصرى تساؤلات حول جدوى هذا التسرع فى التوقيع على مشروع الاتحاد الثلاثى، ويذكر الزيات أنه فى نهاية الاجتماع تشكلت لجنة لتضع تصورها عن الاتحاد من خلال المناقشات التى جرت، وكان هو المندوب المصرى فيها ويؤكد: «قضيت الليل بطوله وحتى الصباح بعد أن أخذ النعاس المندوبين السورى والليبى، ووضعت صيغة لمشروع اتفاق، واجتمعنا فى صباح 17 إبريل، وانتهى إلى الموافقة عليه وتم التوقيع عليه من الرؤساء الثلاثة فى ظهر نفس اليوم «17 إبريل»، وكان ذلك مفتتحا لاحتدام الصراع بين السادات ومعارضيه الذين عملوا إلى جوار عبدالناصر وانتهى به إلى سجنهم فى قضية 15 مايو 1971.

وبحسب كتاب "تاريخ الأقطار العربية المعاصر 1917 – 1970" تأليف الباحثين بمركز أكاديمية العلوم السوفيتية، فأن المفاوضات بدأت بين ليبيا ومصر من أجل الاتحاد، وأعلن الجانب المصرى فى أبريل 1971، عن انضمام سوريا، ووقع رؤساء وفود الدول الثلاث اتفاقية حول اتحاد الجمهوريات، التى إنضم إليها السودان فيما بعد.

وبعد الاستفتاء فى ثلاث دول فى الأول من سبتمبر، جاء إعلان الاتحاد رسميا، وكان الهدف الرئيس لقيامه هو النضال المشترك ضد العدو الإسرائيلى وتحرير الأراضى العربية، والنضال ضد الإمبريالية ومحاولاتها لاستعادة مواقعها فى العالم العربى.

وبحسب عدد من التقارير، فأن بداية التفكير فى إقامة الاتحاد بدأت منذ في 27 ديسمبر 1969، عنما اجتمع الرئيس المصري جمال عبدالناصر والعقيد معمر القذافي، قائد الثورة الليبية، ورئيس مجلس قيادة الثورة السودانية، جعفر النميري، في طرابلس، ووقعوا ميثاقاً للتحالف بين الجمهوريات الثلاث، لكن الأمر انتهى بوفاة جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، وخرج السودان من التحالف. 

ويذكر كتاب "السياسة الاسلامية والاسلام السياسي" أن هذه الاتفافية لم يتم تطبيقها عمليا بين الثلاث دول، والسبب الرئيسى لعدم نجاح الاتفاق هو اختلاف الدول الثلاثة على بنود الاتفاقية، خاصة بعد إعلان مصر نيتها عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل.

وكشفت الوثائق البريطانية لعام 1971 عن اهتمام غير عادي باتحاد الجمهوريات العربية، وانتشرت تلك الوثائق بين ملفات السفارات البريطانية في معظم الدول العربية، تحكي مطالبات حكومات شمال افريقيا لسفاراتها باستقراء دوافع هذا الاتحاد وتأثيره على مستقبل الزعماء المعنيين، أي الرؤساء أنور السادات وحافظ الأسد والعقيد معمر القذافي، ووصل الاهتمام البريطاني حد الاهتمام بالرؤية الفرنسية للحدث.

وتشير تلك الوثائق إلى أن القذافي سعى إلى نصر سياسي، في مقابل رفض واضح في أوساط قواته المسلحة التي رأت في الاتحاد مضيعة للوقت، في المقابل أيضاً حددت الوثيقة 53 ثلاثة أهداف مرحلية للسادات، بينها تأكيد التزامه بأفكار جمال عبد الناصر وممارسة بعض الضغوط على واشنطن، واكتفت وثيقة أخرى بالاشارة الى اختصار حسابات الرئيس حافظ الأسد من الانضمام للاتحاد بأنها تنحصر في رغبته للخروج من عزلة اقليمية. السر الخفي وبالرغم من الإعلان رسميًا عن بدء سريان الاتحاد، بعد الاجتماعات المتعددة من جانب رؤساء الدول الثلاث، وصياغة ميثاقه، والحصول على موافقة قاعدة عريضة في تلك الدول، إلا أن تفعيل الاتحاد وتطبيق أهدافه باءت بالفشل وكتب عليه الموت المفاجئ، دون الغعلان عن أية تفاصيل فقط كل ما يذكره التاريخ أن “السبب الأساسي لعدم نجاح الاتفاق هو اختلاف الدول الثلاثة على بنود الاتفاقية”.