يتحدث الباجي قايد السبسي، رئيس الحكومة التونسية الانتقالية السابق بعد ثورة الياسمين، والمرشح للانتخابات الرئاسية، في حوار لـجريدة ”الخبر” الجزائرية تنشره الأربعاء ، عن التحولات الجذرية التي تشهدها البلاد، ومخاضات الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها نهاية الشهر الجاري، ليكشف عن إمكانية تحالفه في حال فوزه بالانتخابات مع الأحزاب التي لديها نفس توجه حركته.

وصفتم المشهد السياسي الحالي بأنه “لا يتسم بالديمقراطية، بالرغم من وجود انتخابات حرة ونزيهة”، كيف تفسر ذلك؟ 

 حصدت حركة النهضة في انتخابات أكتوبر 2011 التي أشرفتُ عليها، أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي متحصلة على مليون و350 ألف صوت، في حين يقابلها مليون صوت توزعت على باقي الأحزاب ولم يتحصلوا على أي مقعد، ما معناه أن المشهد السياسي مختل ومشتت، وكان فرصة لحركة النهضة لتفوز بـ89 مقعدا، لأنها كانت مهيكلة وتعمل في انضباط غداة الثورة، فهذه الوضعية ليست من سمات الديمقراطية رغم وجود انتخابات حرة ونزيهة، لأن الديمقراطية حسبنا لا تتجسد في الانتخابات فقط، بخلق الظروف المواتية للتناوب على السلطة، وهذا التداول يقتضي توازن المشهد السياسي، لذا أنشأنا حركة نداء تونس لخلق التوازن، ونعتقد أننا حققنا الغرض، بالنظر إلى وجود ثلاثة أقطاب كبرى الأول ممثل في الجبهة الشعبية التي تحوي 13 حزبا، والثاني يضم الأحزاب ذات المرجعية الدينية على رأسها النهضة، وأيضا قطب الاتحاد من أجل تونس المكون من حركة نداء تونس ومعها الحزب الاشتراكي والعمالي والمسار. وبالرغم من أن الأحزاب المنضوية تحت الاتحاد ستدخل غمار الانتخابات منفردة أو تحت مظلة الاتحاد، إلا أن هذا القطب يبقى قائما، لأن هناك اتفاقا على التحالف والتعاون في حال وصولنا إلى السلطة بعد الانتخابات، وهذا رهين بنتائج الانتخابات.

هل تعتبرون النهضة خصمكم الوحيد باعتبارها صاحبة الأغلبية في المجلس التأسيسي، أم هناك إمكانية للتحالف معها رغم توجهاتكما المختلفة؟

 النهضة جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية في تونس، وفي الانتخابات السابقة حصدت الأغلبية النسبية، ثم تحالفت مع حزب المؤتمر الذي يرأسه منصف المرزوقي وحزب التكتل وكوّنوا ما أسموه الترويكا “السلطة الثلاثية” واقتسموا السلطة ووزعوا المناصب، فالمرزوقي تقلد رئاسة الجمهورية، فيما عادت رئاسة الحكومة إلى النهضة، أما حزب التكتل فترأس المجلس التأسيسي. أما بشأن التحالف فهو غير مطروح حاليا، سنترك الصناديق تعطي لكل حزب حجمه الحقيقي، علما أنني كمترشح رئاسي لا أمانع إن قررت النهضة دعمي. أما في حال فوزنا بالأغلبية في البرلمان، لا نحكم وحدنا بل سنتحالف مع الأحزاب التي تقاسمنا نفس الاتجاه مثل تلك المنضوية في الاتحاد من أجل تونس.

على ماذا تراهن حركة النداء لضمان الفوز بالتشريعيات والرئاسيات؟

 حتى ولو لم يمنحنا الشعب ثقته، فهذا من صميم حريته في التصويت لمن يريد، لأن عملنا السياسي ينطلق من شعار “الدولة قبل الحزب”، لأني كمترشح رئاسي أفضل النجاح ليس فقط بأصوات نداء تونس بل بتمثيلية عريضة، لأن رئيس الجمهورية لا يمثل حزبا فقط بل يمثل كل المواطنين بمن فيهم من يخالفونه الرأي، ولكي يكون كذلك يتوجب أن تحمله قاعدة شعبية من مختلف شرائح المجتمع، وتكون له تمثيلية أكبر من تمثيلية الحزب الذي رشحه.

راهنتم على الاستقرار كعنصر أساسي في برنامجكم الانتخابي، عن أي استقرار تتحدثون؟

 تونس في وضع صعب وتمر بأزمة متشعبة ومتعددة الأبعاد.. سياسية اقتصادية وأمنية واجتماعية، والخروج منها أمر يتطلب استقطاب استثمارات أجنبية وداخلية في كل الميادين، لكن هذا لا يتحقق إلا في وضع أمني مستقر ومُسيطر عليه، وكذا في ظل حكومة ذات مصداقية لها برنامج وقادرة على تنفيذه لإخراج تونس من الأزمة. ونحن نأمل في الانتخابات المقبلة ونتمسك بها باعتبارها الفيصل، مهما كانت الصعوبات والشكوك التي تلف العملية الانتخابية، كما يجب قبول نتائجها لاستكمال المسار الديمقراطي. 

 يرى فيكم الكثير من التوانسة امتدادا للعهد البورقيبي، هل يمكن قراءة ترشحكم على أنه عودة لذلك العهد بحلة أخرى؟

 بورقيبة دخل التاريخ وأنا لست وريثه بل هو رمز للتوانسة الكل وليس للحزب الدستوري فقط، وجاء في فترة تندرج ضمن سلسلة الحركات الإصلاحية في تونس، من خير الدين باشا، مرورا بحزب عبد العزيز الثعالبي والحركة النقابية لمحمد علي الحامدي، وفرحات حشاد، كما أن فترة بورقيبة كانت مثمرة بتحقيق الاستقلال وبناء دولة، وأصلح المجتمع التونسي وأدخل عليه تحويرات عصرية، كما حرر المرأة وعمم التعليم، فكلها مكاسب يجب المحافظة عليها وتنميتها ودفع التونس في نسق تصاعدي نحو الديمقراطية، رغم أننا تأخرنا في الثلاث سنوات الأخيرة. فنحن نواصل المسيرة بجيل جديد وطرق متطورة، لتكملة ما تم إنجازه وبلوغ دولة القرن الواحد والعشرين، عصرية متفتحة على العالم، الإسلام دينها العربية شعارها والجمهورية نظامها، وهذا انطلاقا من الدستور التوافقي الأخير المستوحى من الدستور الذي وضعوه مؤسسو الجمهورية سنة 1959 والذي تم اعتماده بعد صراع كبير مع الحركات الأصولية، فهذه هوية الدولة التي نسعى إلى تحقيقها ودفع الشعب في نسق تصاعدي للالتحاق، لأننا تأخرنا في الثلاث سنوات الأخيرة، فكل حركة إذا لم تتقدم فإنها تبدأ في التأخر.

هل تعتقدون أن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة؟ 

 ثمة صعوبة كبيرة تواجهها الهيئة، لأنها أُنتخبت متأخرة، ولم يكن لها الوقت الكافي لتشكيل وتأهيل الهياكل التي ستشرف على الانتخابات، خاصة وأنها مسؤولة عن ضمان السير الحسن لهاتين العمليتين (الانتخابات البرلمانية والرئاسية)، ثم إنها لم تفصل بين الاقتراع البرلماني والرئاسي، فمجرد أن ينتهي الأول ينطلق الثاني وهو ما يثقل كاهلها ويؤثر على أدائها بشكل كبير.

 ما تأثير ذلك على نزاهتها؟

 ليست مسألة نزاهة، بقدر ما هي قضية صعوبة في التنظيم، وأشير هنا أن ثمة نية في تهميش الانتخابات الرئاسية، تجلّت في تأخيرها بعد التشريعية، لأن احتمالات نسبة الامتناع عن التصويت قد ترتفع في الاقتراع الثاني (الرئاسي)، خاصة في ظل تزامن الحصة الثانية للرئاسيات مع العطلة في الخارج، وعليه تم استدعاء الشعب إلى التصويت التشريعي أولا هروبا من الامتناع لأنه يكون أكبر في الثانية منه في الأولى. إذن ثمة نية تهميش الرئاسيات، لكن مع ذلك سنشارك فيها لإنهاء المرحلة الانتقالية، لانعدام خيار آخر.

ما هو نظام الحكم الذي ترونه الأصلح لتونس؟

 النظام الرئاسي هو الأمثل لحكم تونس، رغم أن النهضة تفضل النظام البرلماني، وقناعتها تشكلت من منطلق حكم النظام الرئاسي السابق الذي لم تعترضه مساءلة، فبالطبع، النظام الرئاسي إذا افتقر إلى قوة تراقبه وتسائله ينزلق إلى نظام رئاسوي. لذا مشينا في مشروع دستور توافقي يمزج بين النظام الرئاسي والبرلماني، فالرئيس له صلاحيات مضبوطة يقابله المجلس التشريعي بصلاحيات مضبوطة.

ما تقييمك للفترة الانتقالية بعد ثلاث سنوات من الثورة؟

 الثورة جاءت بشيء لا يمكن التراجع عنه اسمه حرية التعبير.. الحرية بصفة عامة، والشعب الآن متمسك بهذا المكسب ويمارس فيه وينتفع به، أما بالنسبة لأداء حكومة الترويكا بعد الثورة فإنه لم يكن في المستوى، ولم تؤد الأمانة التي كلفها بها الشعب، وعليه عملنا على مغادرتها وتعويضها بحكومة تكنوقراط.

يمكن اعتبار الفترة الماضية بمثابة تجربة ننتفع بإيجابياتها وحتى سلبياتها، وآمل ألا ندخل في مثل هذا النوع من الحكم لاحقا، خاصة وأنه متكون من أحزاب القاسم المشترك قاسمهم المشترك الرغبة في الحكم، فهذه الجبهة قد تصلح أن تكون جبهة انتخابية وليس أداة للحكم خاصة مع تباين مرجعيات أحزابها.

قال النائب علي النصري الناجي المنسحب من نداء تونس في حوار مع “الخبر”، إن حركتكم استندت الى معايير مالية لاختيار رؤوس القوائم، ما تعليقكم؟

 أجرينا استشارة لانتقاء المناضلين الذين لهم الأولوية في الترشح ضمن قوائم الحركة، ومحمد علي النصري لم يتم اختياره ضمن القائمة في ولاية القصرين، بالرغم أنه كان عضوا ناشطا في المجلس التنفيذي لكنه استقال في وقت من الأوقات وعاود الرجوع حينها لم يتم اختياره، فنحن لا نرسل مظليين من الفوق، وليس وحده بل الكثير ممن لم يتم اختيارهم نظرا لكثرة الملفات.

في حالة فوزكم، هل ستواصلون العمل على استرداد الأموال المُهرّبة وإحضار الرئيس الأسبق وملاحقة من تورطوا في الفساد خلال فترة حكمه؟

 لا أظن ذلك، ومن وجهة نظري أرى أن الرئيس يجب أن يتجاوز ما من شأنه تقسيم الشعب التونسي إلى أزلام وغير ذلك، أو نهضوي وليبيرالي، فيجب أن يكون جميع التوانسة في نظر الرئيس متساوين سواء من سار معه أو ضده، ويجب أن نتطلع إلى المستقبل أحسن من البكاء عن الأطلال، إذن فأنا مع المصالحة الوطنية، والنظر إلى المستقبل أكثر منه التغني بالماضي.

حتى لو أصبح مطلبا جماهيريا؟

 في هذه الحالة هناك سلطة تنفيذية أو قضائية لها الصلاحيات للقيام بذلك، لأنه ليس من مقام الرئيس التركيز في هذا الأمر، بل عليه أن يترفع ويصوّب نظره إلى المصلحة الفعلية للشعب. ومن وجهة نظري فإنه حان الوقت لأن نتجاوز الانقسامات، وليس بإمكان أحد أن يحرم التونسي من المشاركة في الحياة السياسية، والحرمان من هذا الحق بمثابة نزع الجنسية، إذن المنع من المشاركة السياسية من اختصاص القضاء فقط.

كيف يمكن الاستفادة من التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب؟

 كل بلد وخصوصياته، لكن لابد من التفاعل والتعاون في كل المجالات باعتبارنا جيرانا، فالعلاقات مع الجزائر ضاربة في عمق التاريخ، وتربطنا علاقات مع المجاهدين الجزائريين الذين كانوا يتخذون من تونس موقعا لهم، قبل استقلال الجزائر. وبخصوص ظاهرة الإرهاب فإنها جديدة علينا، وتونس ليس لديها تجربة تؤهلها لمكافحتها، خاصة وأنها أضحت حالة إقليمية إن لم تكن دولية تنخرط فيها مختلف الجنسيات تونسية، جزائرية، ليبية، مصرية وحتى من دول أخرى، وعليه لابد أن يكون تعاون على نطاق واسع مع الجزائر، وكذا يستدعي دعما دوليا، لأن تداعياته دولية، بالنظر إلى ما يسمى داعش، ما يملي علينا التنسيق ووضع خطة مشتركة، خاصة وأن الوضع الليبي المتدهور، أصبح يشكل ملاذا ومكانا لتدريب الإرهابيين. وعليه نبارك التعاون مع الجزائر لمدى مردوديته.

ما رأيكم في الحوار الذي باشرته الجزائر بين الفرقاء في ليبيا؟

 في ليبيا الوضع معقد، لأن النسيج الاجتماعي غير موحد وذو طابع قبلي، كما أن هناك ميليشيات مسلحة، فالحوار حاليا يجري على أساس الرصاص وليس على أساس العقل، في ظل تدخلات أجنبية، ويجب على الليبيين أن يدركوا أن الحل توافقي وليس عسكريا، ونحن نرفض التدخل الأجنبي ولو أن البعض من الفرقاء رغبوا في التدخل.

ما دافعكم إلى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟

 خدمت البلاد منذ صغري، وبإمكاني تقديم المزيد، وكلما أحسست أن دوري انتهى وليس مرغوبا فيه أغادر الحكم، فأنا غادرت الحكم مرتين، إحداهما من تلقاء نفسي، وأخرى مُقالا.

أخيرا، ماذا عن الجالية الجزائرية في تونس؟

 هناك أخوية كبيرة بين الشعب الجزائري والتونسي.. التاريخ والمستقبل كفيلان بتبيان ذلك، وبشأن الجالية ليس لنا أي إحراج في وجودهم بيننا، بل العكس نتمنى أن يزيد عددها، متمنين أن تكون العلاقة أكثر حميمية والحدود أكثر انفتاحا.

وماذا عن رأيكم حيال موقف الحكومة الجزائرية من المترشحين للرئاسة؟

 المطلوب من الجزائر أن تكون على نفس المسافة مع جميع المترشحين، علما أن الأخيرين لا يقفون على نفس المسافة منها، وإذا كان لدي شعور إيجابي تجاه هذا البلد، فهو بدون مقابل، وشخصيا تربطني علاقة صداقة مع الرئيس بوتفليقة. واغتنم الفرصة لأبلغ تحياتي إلى الإخوة في الجزائر سواء كانوا في المعارضة أو في الحكم.  

 

عن « الخبر » الجزائرية