في الرابع من جويلية الجاري، كان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يتجوّل داخل أكثر من موقع في طرابلس كأنه يزور أحد أحياء أنقرة أو اسطنبول. الرجل المدفوع بغرور تركي يتوهّم نصرا مظفرا في معركته التي كان وكيلا فيها عن حكومة الوفاق، اختار أن يخرج بتصريحات لها أهدافها ورسائلها في الداخل والخارج، بأن بلاده جزءا من اللعبة، بل هي محور اللعبة في طرابلس، وقد أصبحت تتصرّف كصاحب الحق الذي ينازع في كل التفاصيل ويعادي الجميع من أجل المشروع الذي رسمه لنفسه.
قبل أن يغادر آكار طرابلس صرّح قائلا على لسان الجمع نيابة عن قادته "لنا مع المنطقة تاريخ مشترك يمتد لـ500 عام. أجدادنا انسحبوا من المنطقة، لكننا سنقوم بكل ما يجب علينا أن نقوم به من أجل العدالة والحق وفي إطار القانون الدولي، وسنبقى هنا إلى الأبد مع إخواننا الليبيين". التصريح بالقدر الذي يبيّن النوايا الحقيقية للأتراك في ليبيا وخلف ردود فعل قوية من الناطق الرسمي باسم الجيش أحمد المسماري، بالقدر الذي قوبل برد سريع في قاعدة الوطية استهدف قادة في الاستخبارات التركية ومنظومة دفاع جوي وعدد من الرادارات، كما تحدثت أنباء عن مقتل ضابط كبير تتكتم أنقرة عن هويته إلى جانب عدد من المرتزقة الأجانب.
تحتل قاعدة الوطية الجوية قيمة كبيرة لدى الليبيين. هي من بين الأقدم في البلاد، "بناها الأمريكان عقب الوصاية الدولية الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على ليبيا عندما كانت تحت الاحتلال الإيطالي. كما أنها القاعدة التي راهن نظام العقيد الراحل على أن تكون حصن دفاع عن الوطن كما أنها المقر الذي تمركز فيه الجيش الليبي منذ 2014، ولم تتمكن قوات الوفاق من السيطرة عليها رغم نفوذها على المنطقة الغربية".
تأسست القاعدة "التي كانت في السابق تسمى قاعدة عقبة بن نافع سنة 1942، تقع وسط طبيعة جغرافية محصّنة وتمسح 40 كلمترا مربعا، وتعتبر من أكبر القواعد الجوية في ليبيا، لتوفرها على مهبط للطيران، حيث كانت قبل تحولات 2011، موقف أسطول مقاتلات الميراج ومركز عملياتها الاستطلاعية والتدريبية، بالإضافة إلى توفرها على مستودعات ضخمة لتخزين السلاح ومحطة وقود كما توجد بها مدينة سكنية باعتبارها قادرة على استيعاب أكثر من 7000 عسكري".
بالنسبة إلى الجيش الذي انسحب منها مؤخرا، هي ذات قيمة هامة باعتبارها كانت غرفة عملياته منذ العام 2014. وهي التي تتم عبرها عملية المراقبة غرب البلاد. وذات قيمة أيضا لحكومة الوفاق التي كانت تعرف جيدا أن بقاء الجيش فيها يعني خسارتها لسلطة معنوية وميدانية وعلى ذلك حاولت في مرات كثيرة التقدّم نحوها وفشلت، إلى أن اضطرت للاستنجاد بالأتراك بشكل مباشر عبر الغطاء الجوي الذي سهل عملية السيطرة.
بالعودة إلى تفاصيل العملية، أعلنت وسائل إعلام "أن قاعدة الوطية الجوية شهدت في ساعات متأخرة من ليل السبت – الاحد قصفًا جويًا عنيفًا وسط سماع أصوات تحليق لطيران حربي في سماء منطقة الجبل الغربي"، مضيفة أن القصف كان بـ 9 ضربات جوية، قوتها شعر بها المواطنون في منطقتي الرجبان والزنتان القريبتين.
الأتراك وفي أول رد فعل لهم على العملية اعترفوا بالقصف لكنهم حاولوا التقليل من الخسائر، غير أن مصادر أخرى أكدت تلك الخسائر. العملية لم يتمّ تبنيها من طرف رسمي، لكن هناك إشارات بأن الجيش هو الأقرب لتنفيذها من بينها تصريحات العميد خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه في الجيش الليبي، الذي نقلت عنه قناة العربية القول، إن القصف استهدف "رادارات ومنظومات دفاع تركية في الوطية". واستهداف منظومات الدفاع هو ضرب لفكرة تركيز قاعدة دائمة تسعى تركيا لتركيزها غرب البلاد، بناء على اتفاقيتها الأمنية والاقتصادية مع فائز السراج والتي تمنح أنقرة إمكانيات تأسيس مركز تنسيق عسكري ونشر طائرات بدون طيار ومقاتلات من طراز "إف-16".
المحجوب وفي نفس التصريحات أضاف "نحن في حرب حقيقية مع تركيا التي لديها أطماع نفطية في ليبيا"، بما يعني أن كل مواقعها هي أهداف للجيش في إطار التعامل معها كعدو يستهدف أراضي ليبيا وسيادتها وعبر تواطؤ من أطراف في الداخل كان لهم الدور الواضح في استدعاء الأتراك في الحرب الدائرة.
الملفت أن حكومة الوفاق تتبنى تقريبا ما يقوله الأتراك، حيث باشرت في أول فعل لها بالإدانة من خلال الهروب نحو "الأطراف الخارجية" في الاتهام. والوفاق هنا لم تكن لها الشجاعة الكافية لذكر تلك الأطراف، لكن المهم بالنسبة إليها أن تصدّر الأزمة وتسوّق لأنصارها أنها مستهدفة خارجيا. بل ربما هي تقدّم موقف تركيا وليس موقفها في علاقة بالخلاف مع فرنسا حول الأزمة الليبية وحول الدور التركي في البحر المتوسط، الذي أصبح مصدر قلق لأكثر من جهة في أوروبا.
وفي تحليل بسيط لعملية الوطية يمكن القول أن هناك رسالة للوفاق وحلفائها، إن الحديث عن تقدّم نحو سرت يعني امتحانا صعبا لن تكون نتائجه إيجابية لا لأنقرة الطامحة في الاقتراب من أبار النفط، ولا للوفاق التي أصبحت تعتقد أنها انتصرت وستواصل معركة نحو مناطق أخرى في البلاد. كما فيه إشارات بأن الجيش مازال على الجاهزية التي تمكنه من خوض المعركة رغم الإسناد التركي الجوي المؤثر.