تفتح القمة الأفريقية أبواب العودة الحقيقية لمصر إلى الحضن الأفريقي بعد تجميد طال أشهرا، ويعوّل المصريون كثيرا على هذه القمة بالنظر للوضع الدقيق الذي تمرّ به بلادهم وعدد من دول القارة نتيجة تمدد خطر الإرهاب، هذا فضلا عن ملف سد النهضة الذي يشكل تحديا كبيرا أمام السلطة المصرية الجديدة.

تستعد مصر لاستئناف عودتها رسميا إلى الساحة الأفريقية، بمشاركة فاعلة في القمة التي ستعقد، اليوم، في غينيا الاستوائية، حيث سيلقي خلالها الرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسى خطابا، يدشن به هذه العودة، والتي ستكون مصحوبة بعقد سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من قيادات وزعماء القارة.

وستكون أجندة هذه القمة الأفريقية حافلة، في ظل الوضع الأمني الدقيق الذي تشهده القارة السمراء نتيجة الأعمال الإرهابية التي تضرب عددا من دولها، من بينها مصر التي تشهد منذ سقوط حكم جماعة الإخوان موجة عنف غير مسبوقة آخرها تفجيرات، أمس، بعبوات بدائية الصنع طالت ثلاث محطات لمترو الأنفاق ومحكمة بالقاهرة، متسببة في جرح ثمانية أشخاص.

فضلا عن ملف الإرهاب وتمدد الجماعات المتشددة، سيتم خلال هذه القمة التطرق إلى الملف الشائك بين أثيوبيا ومصر حول مشروع سد وادي النهضة، الذي أحدث رجة دبلوماسية بين الطرفين، كادت أن تعصف بالعلاقات بينهما.

ومن المنتظر في هذا السياق أن يعقد الرئيس عبدالفتاح السيسي لقاء مع نظيره الأثيوبي هيلي ماريام ديسالين، يعتبر في نظر الكثير من المراقبين الأهم، لما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج كفيلة بحل الأزمة بين البلدين.

وفي هذا الصدد أكد السفير أحمد حجاج أمين مساعد منظمة الوحدة الأفريقية سابقا لـ”العرب” أن القمة الأفريقية تشكل فرصة هامة لمصر لحلحلة ملف سد النهضة. ورأى أن هناك بوادر إيجابية، تتمثل في تغير مواقف عدد من دول حوض النيل في هذا الصدد، فتنزانيا طالبت بتغيير بنود الاتفاقية لدول حوض النيل.

وكانت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا شهدت في الأشهر الماضية توترا كبيرا لوحت خلاله مصر باستخدام القوة على خلفية تمسك أثيوبيا بمواصلة مشروع سد النهضة، إلا أن الطرفين تركا أبواب الحوار مفتوحة، مع تواتر الذبذبات الإيجابية في الآونة الأخيرة لتأذن بإمكانية كبيرة لحل في الأفق.

مشاركة الرئيس السيسي في فعاليات القمة الأفريقية، حظيت باهتمام كبير ليس فقط في مصر، لكن في القارة الأفريقية عموما، لأنها تأتي بعد عام من تجميد أنشطة مصر في الاتحاد الأفريقي، الذي رأى أن التغيير الذي جرى في الـ30 من يونيو 2013، يتنافى مع أسس الديمقراطية.

خطاب السيسى المتوقع أمام القمة سيكشف عن الملامح الرئيسية للتصورات والتحركات المصرية المقبلة على الساحة الأفريقية، ومن خلاله يمكن استشراف طبيعة الدور الذي ستضطلع به مصر، وسط مؤشرات تنبئ بالعودة القوية لمصر إلى الساحة الإقليمية والإفريقية وحتى الدولية.

هاني رسلان الخبير في الشؤون الأفريقية قال لـ”العرب” إن حضور الرئيس المنتخب قمة “مالابو” له بعدان رئيسيّان، الأول أن ذلك يعطي وزنا لأي تحرك على صعيد السياسة الخارجية، ثانيا رئاسة “السيسي” وفد مصر تمثل عودة موفقة لها، لأن الحضور الشخصي في القمم الأفريقية له تأثيرات مهمة، ويساعد على بناء تحالفات وتكتلات إستراتيجية.

يذكر أن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان قد تغيب عن رئاسة وفد مصر في القمة الأفريقية قرابة 15 عاما، بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها في أديس أبابا عام 1995، فيما جاءت مشاركة الرئيس المعزول محمد مرسي في أثيوبيا العام الماضي، هزيلة ولا تعبر عن عمق المصالح المــصرية في القارة.

يشار إلى أن أثيوبيا شرعت في اليوم التالي لمشاركة مرسي في قمة أديس أبابا ولقائه مع “ديالسين” في تقديم موعد تحويل مجرى نهر النيل قبل الموعد المحدد بـ6 أشهر، وعزا مراقبون الخطوة -وقتها- إلى أن أديس أبابا أدركت ضعف الرئيس الإخواني آنذاك.

السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية السابق للشؤون الأفريقية، قالت لـ”العرب”: إن زيارة السيسي والتطمينات المصرية ستكون أولى الخطوات نحو تعزيز العلاقات المشتركة مع الدول الأفريقية.

وتواجه مصر تحديات كبيرة داخل القارة السمراء، أبرزها أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، خاصة في ظل تباين الرؤى مع النظام السوداني بشأن مخاطر السد، كذلك الوضع في ليبيا التي تخشى القاهرة من انعكاساته السلبية، بعد أن أصبحت هذه الأخيرة ساحة رحبة للجماعات المتطرفة وخزان سلاح يهدّد مصر وكامل أفريقيا.

وحول نقطة البداية التي يجب أن تنطلق منها السياسة المصرية للعودة إلى عمق القارة مرة أخرى، يرى هاني رسلان أنه على مصر أن تسارع للمساهمة بشكل أكبر في العمل الجماعي الأفريقي بكل أشكاله، مع التركيز على الأبعاد الاقتصادية وليس الاكتفاء بالبعد السياسي فقط.

 

*نقلا عن العرب اللندنيّة