نشرت قناة "فرانس 24" تقريرا حول تداعيات الهدنة المعلنة بين أطراف النزاع في ليبيا، وكيف ساعدت في إعادة ظهور الحرف التقليدية.

وقالت القناة أمام حزمة من سعف النخيل تجلس حليمة محمد لتنسج في مدرسة مهجورة في تاورغاء بلدة كانت في يوم من الأيام بؤرة ساخنة في الحرب الليبية المستمرة منذ عشر سنوات.

وتستخدم السيدة سعف النخيل لنسج السلال باستخدام المهارات التقليدية المتوارثة عبر الأجيال لإعادة ربطها بأسلوب حياة دمرته تقريبًا فوضى الصراع.

وقالت حليمة البالغة من العمر 55 عامًا "يجب أن نحافظ على هذا التراث الموروث عن أسلافنا"، مشددة "إنها هويتنا".

تقضي الأم لطفلين ما معدله 16 ساعة يوميًا في الغرفة التي تستخدمها كورشة عمل خاصة بها حيث تقوم بضفر السعف في السلال والصواني وحصائر الأرضية وزخارف الجدران.

وعانت المدينة جراء الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في 2011 بعد أحداث دعمها حلف شمال الأطلسي، وانتقم الناس ممن يُنظر إليهم على أنهم من مؤيديه بما في ذلك مدينة تاورغاء بأكملها.

وأجبر 40 ألف شخص على الفرار مع قيام المليشيات بإحراق المنازل وتدمير المباني.

علامات الحرب باقية

وفر سكان مثل حليمة للنجاة بحياتهم بالكاد ظلوا على قيد الحياة لمدة سبع سنوات في مخيمات مليئة بالغبار منتشرة في جميع أنحاء البلاد، ومُنعوا من العودة إلى ديارهم.

وتمزق الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الغنية بالنفط بسبب الحرب الأهلية منذ سقوط القذافي لكن الأطراف المتنافسة اتفقت أخيرًا على وقف هش لإطلاق النار في أكتوبر الماضي.

وبموجب اتفاق منفصل أبرم في يونيو 2018 بدعم من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بدأ سكان تاورغاء في العودة ببطء.

وعاد حوالي ثلث السكان الأصليين للبلدة على الرغم من استمرار آثار الحرب حيث اخترقت المنازل ثقوب الرصاص والحفر التي خلفتها نيران المدفعية.

وبالنسبة للبعض فإن صناعة السلال من سعف النخيل في المدينة يوفر طريقة لكسب الدخل وكذلك استئناف أسلوب الحياة الذي أوقفته الحرب.

وبالنسبة لحليمة فدافعها الأساسي هو المال. قالت "أنا أعمل لساعات طويلة لأحقق دخل لائق".

بينما تجلس في عقد السعف الطويل الرفيع معًا تعيد الرائحة المنعشة ذكريات طفولتها.

الحفاظ على التقاليد 

إنها تتبع الأعمال اليدوية المتكررة في الحركات التي تعلمتها من كبار السن، وتلون الخيوط بثلاثة أصباغ تقليدية -الأزرق والأخضر والأرجواني- لإضافة حياة على التصميم.

وقالت "نستخدم أصباغ خاصة"، مضيفة "نملأ براميل كبيرة نسلق فيها سعف النخيل حتى تمتص الألوان".

وبينما تلوي أصابعها وتربط السعف شرحت كيف علّمها أقاربها اختيار خصلات مرنة ثم "تجفيفها في الشمس لعدة أيام".

وأضافت أن الأوراق بعد ذلك "تنقع في الماء لتليينها" قبل أن تبدأ أعمال النسيج.

وأوضحت "والدي وأخواتي يعملون في صناعة السلال منذ ما يقرب من 50 عامًا، وبدأت في العمل منذ 20 عامًا".

وجلبت رشة عمل تديرها مجموعة محلية وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة خبراء للمساعدة في إتقان تقنيات النسيج.

ولا يوجد نقص في المواد الخام حيث تنتشر الآلاف من أشجار النخيل في كل مكان.

وقال فرج عبد الله رئيس جمعية الحرف اليدوية في تاورغاء "في الماضي كان هناك سوق شهير يوم الاثنين، حيث كان الحرفيون يتاجرون في الحرف اليدوية والأواني الفخارية والمنسوجات اليدوية".

لكن النساجين ما زالوا يكافحون ويتنافسون ضد السلع الحديثة والواردات الأرخص من الجزائر ومصر وتونس بينما يقول النساجون إنه لا توجد استراتيجية للتصدير.

وقال محمود خيري صاحب محل لبيع السلال في تاورغاء "يجب على السلطات السماح بالتصدير حتى يتنسى لهذه الحرفة الازدهار".