باتت الخشية من إنهيار مشروع جماعة الإخوان في ليبيا تلاحق الرئيس التركي رجب الطيب أدروغان وحلفائه في محور الإسلام السياسي بالمنطقة ، في ظل تقدم القوات المسلحة الليبية التي يقودها المشير خليفة حفتر نحو قلب العاصمة طرابلس ، فالعداء المستحكم بين الإخوان والجيش يهدد نفوذ ومصير الجماعة الإرهابية التي تسللت الى الحكم منذ الإطاحة بنظام القذافي في العام 2011
أغلب المراقبين يشيرون الى أن خشية الإسلام السياسي في المنطقة من فقدان دوره في ليبيا تزيد هذه الأيام من رغبة أردوغان في التدخل العسكري بمناطق غرب ليبيا ، متحدثين عن دور رئيسي للإخوان وحليفتهم الجماعة المقاتلة التي يتزعمها الإرهابي المقيم في أسطمبول عبد الحكيم بالحاج ، في إقناع كبار المسؤولين الأتراك بضرورة الإسراع بعقد إتفاقية أمنية وعسكرية مع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج . ،وهو ما حدث بالفعل في 27 نوفمبر الماضي
وفي هذا السياق ، قال رئيس حزب الائتلاف الجمهوري والمحلل السياسي عزالدين عقيل أن أول ما يمكن الإنتباه إليه هو أن أردوغان يتعبر حاليا المرشد الخفي ولكن الفعلي لجماعة الإخوان ، وهو من يتزعم التنظيم الدولي في نشاطه العابر للحدود والذي يستهدف بالأساس المنطقة العربية
وأضاف عقيل أن أردوغان قرر أن يرد على رفض ضم بلاده الى الإتحاد الأوروبي بأن يتزعم مشروعا توسعيا على خطى خطى أجداده العثمانيين ، من خلال العمل على التمدد في الدول العربية التي واجهت تصدعات في كياناتها الوطنية بعد العام 2011 ، ومنها ليبيا التي تحتل مساحة مهمة في شمال إفريقيا ، وساحلا يمتد ألفي كلم في جنوب المتوسط ، الى جانب ثروات طائلة يمكن أن يستفيد منها في تنفيذ مشروعه
وتابع عقيل أن أردوغان أدرك منذ البداية أن القوى المدنية والحداثية والليبيرالية والعلمانية والتقدمية لا يمكن أن تسير في ركب مشروعه التوسعي ، ولا أن تستسلم لإرادته ، لذلك إختار أن يعتمد على قوى الإسلام السياسي التي لا تؤمن بالوطنية ، ولا تعترف بسيادة الدول ، وعلى رأسها جماعة الإخوان التي وجدت لديه الدعم الكامل مقابل تبعيتها له ،
وأوضح عقيل أن إخوان ليبيا كانوا من الأوائل الذين تنازلوا عن هويتهم الوطنية معلنين إنخراطهم في مشروع الخلافة الوهمية الأردوغانية ، وهم اليوم يديرون علاقاتهم وإستثماراتهم وأبواق دعايتهم من الأراضي التركي التي يحظون فيها بالإقامات السارية وجوازات السفر ومختلف الخدمات مقابل التبعية المعلنة من قبلهم لأردوغان ، مشيرا الى أن سقوط مشروع الإخوان في ليبيا يمكن أن يمثل إنتكاسة ليس لتركيا فقط ، وإنما لحلفائها وللجماعات الدائرة في فلكها ولقوى الإسلام السياسي المنتشرة في المنطقة والتي لا تخفي إرتباطها بالمشروع العثماني الجديد
ومن جانبه ، قال عضو مجلس النواب سعيد مغيب إن حالة التخبط السياسي التي يعاني منها النظام التركي هذه الأيام، وهذا الإسهال في التصريحات التي قال إنها حملت في طياتها الكثير من التهديد والوعيد من قبل أردوغان، الموجه إلى المجتمع الدولي والداخل الليبي، تدل على أن كابوس سقوط مشروع الإخوان المسلمين في ليبيا بات يطارد النظام التركي الذي يخشى من تكررار السيناريو السيناريو عندما أطاحت ثورة الثلاثين من يونيو 2013 بحكم الجماعة في مصر.
وأضاف مغيب أن أردوغان كان يبني الكثير من الآمال على نجاح المشروع الإخواني في ليبيا والدول المجاورة لها ، لكنه بات يخشى فعليا على ذلك المشروع الذي شهد تراجعا واضحا.
ويرى المحللون أن المشروع الإخواني في ليبيا يحتل مكانة خاصة لدى التنظيم العالمي للجماعة ، لعدة أسباب منها الثروة والموقع الإستراتيجي وإتساع المساحة ووجود البلاد على تخوم أوروبا ، كما أن الجماعة كانت تعتقد خلال العام 2011 أنها حققت التمكين الكامل في ليبيا ، ولذلك إتجهت الى تصفية إرث الدولة الوطنية لبناء الدولة الإخوانية بمفاهيم الخلافة الجديدة ، لكن ثورة الثلاثين من يونيو في مصر ، وإطلاق الجيش الوطني لعملية الكرامة في ربيع 2014 ، وعديد المتغيرات الإقليمية الأخرى سارعت في إظهار بوادر الإطاحة بالمشروع ، الى أن كانت الإطاحة بنظام البشير في السودان ، وفشل الجماعة في استغلال الحراك الجزائري لفائدتها ، ما يعني أن المشروع إتجه ككل الى السقوط ، وهو ما أثار مخاوف أردوغان خصوصا في ظل تقدم الجيش الوطني الليبي الى العاصمة طرابلس وسيطرته على حوالي 90 بالمائة من المساحة الجملية للبلاد
وأوضح الصحافي والمحلل السياسي عبد الباسط بن هامل، أن منطقة محدودة في الغرب الليبي باتت تمثل لأردوغان الأمل الأخير لمشروعه العثماني تحت الغطاء الإخواني ، لذلك يحاول أن يتدخل بقوة لإنقاذ ما تبقى منه ، بينما ترى جماعة الإخوان أن نهايتها إقتربت وأن لا أمل لها إلا في دعم الأتراك ، وهو دعم لن يغير المعادلة الحقيقية على الأرض حيث تتجه إرادة الشعب الى الإنتصار بواسطة الجيش الوطني المعبر الحقيقي عنها