شيعت تونس أمس جثامين أربعة عسكريين لقوا مصرعهم في انفجار لغم أرضي في جبال “ورغة” بشمال غرب البلاد، وسط غضب شعبي على السلطات الرسمية التي تعاطت مع الفاجعة ببرود.

واكتفى الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي خلال موكب تأبين العسكريين الأربعة، بتكرار وعيده للإرهابيين بالقصاص، فيما خرج أهالي مدينة الكاف بغرب البلاد في مظاهرات غاضبة مُنددة بالإرهاب، وبتراخي الحكومة في مقاومته.

وكانت هذه الفاجعة الجديدة التي هزت جبال “ورغة” من محافظة الكاف الواقعة بشمال غرب تونس، قد ألقت بظلال داكنة على المشهد السياسي الذي يُكابد في التخلص من كابوس التفجيرات الإرهابية الذي بات يُطبق على تونس ويُنبئ بصيف ساخن ارتباطا بالاستحقاقات الانتخابية المُرتقبة.

وقُتل الجنود الأربعة الأربعاء الماضي في انفجار لغم أرضي استهدف سيارة عسكرية من نوع “هامر” كانوا على متنها أثناء مشاركتهم في عملية تمشيط في سفوح جبل “ورغة” تندرج في إطار مكافحة الإرهاب.

وقبل ذلك بساعات قليلة، قُتل شاب مدني (18 عاما) في انفجار لغم داخل المنطقة العسكرية المغلقة بجبل “سمامة” بمحافظة القصرين الواقعة على بُعد نحو 200 كيلومتر غرب تونس العاصمة.

وكان لغم أرضي ثالث قد انفجر الثلاثاء في جبال “ورغة” أثناء مرور مُجنزرة عسكرية، ما تسبب في إصابة أربعة عسكريين وعنصرين من الحرس (الدرك)، بجروح متفاوتة الخطورة، ليرتفع بذلك عدد ضحايا هذه التفجيرات الإرهابية إلى 5 قتلى و6 جرحى خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان.

وأعادت هذه التفجيرات إلى الأذهان تلك الأيام التي عاشها التونسيون خلال شهر رمضان من العام الماضي، عندما استفاقوا في أيامه الأولى على وقع جريمة قتل وذبح ثمانية جنود في سفح جبل الشعانبي بمحافظة القصرين تمت ساعة الإفطار، ما أشّر في حينه على تطور نوعي في أسلوب عمليات الإرهابيين الذين لا يُخفون ولاءهم لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

وفيما بدأت رائحة التصعيد تفوح من تفجيرات جبال “ورغة”، توقف المراقبون أمام توقيت هذه الأعمال الإرهابية الذي تزامن مع بدء شهر رمضان، كما دقوا ناقوس الخطر من تمددها لتصل إلى محافظة جندوبة، مرورا بمحافظة الكاف، بعد أن كانت شبه محصورة في محافظة القصرين.

وبالتوازي، أبدت الأوساط السياسية خشيتها من أن تكون هذه التفجيرات مقدمة لإفساد الاستحقاقات الانتخابية المُرتقبة، لاسيما وأنها تأتي على عكس توقعات الحكومة برئاسة مهدي جمعة.

ولم يستبعد الخبير العسكري مختار بن نصر، العميد المتقاعد من الجيش التونسي، أن يكون أفراد المجموعات الإرهابية المُسلحة التي اتخذت من الجبال المحاذية للجزائر مخبئا لها تُخطط لأعمال إرهابية أخرى رغم محاصرتها وتضييق الخناق عليها.

وقال في تصريح لـ”العرب”، إن تمدد نشاط هؤلاء الإرهابيين من جبال القصرين إلى جبال جندوبة مرورا بجبال الكاف، “يؤشر إلى وجود خطة تكتيكية الهدف منها تشتيت قوات الجيش والحرس الوطني(الدرك) التي كثفت من عملياتها للقضاء عليهم.

ولكنه اعتبر في المقابل، أن نشاط هؤلاء الإرهابيين “يبقى محدودا وقليل التأثير رغم الخسائر في الأرواح المُسجلة في صفوف قوات الجيش التونسي، لأن الخطر هو نزولهم من الجبال إلى القرى والمدن، ما يعني أن المواجهة ستكون صعبة ومُعقدة، وقد تُسفر عن خسائر بشرية ومادية جسيمة”، على حد قوله.

وفي إشارة مزدوجة إلى خطورة التفجيرات المذكورة، وتمدد نشاط الإرهابيين، كشف العميد مختار بن نصر، أن العناصر الإرهابية توزعت على ثلاث مجموعات يتجاوز عدد أفراد المجموعة الواحدة 13 مُسلحا، وقد اختارت التمركز في ثلاث مناطق جغرافية متباعدة نسبيا، ولكنها تشترك في نوعية تضاريسها الوعرة وفي غاباتها الكثيفة.

ولا تُخفي السلطات الأمنية التونسية خشيتها من أن هؤلاء الإرهابيين بدأوا يُخططون لتنفيذ أعمال إرهابية داخل المدن والقرى بهدف إدخال الفوضى والبلبلة في البلاد عشية الانتخابات المرتقبة.

غير أن العميد مختار بن نصر، قلّل في تصريحه لـ”العرب” من هذه التخوفات، واعتبر أن نشاط الإرهابيين “مازال محصورا في مكان بعيد عن المناطق الآهلة بالسكان، دون أن يعني ذلك أن نشاطهم التخريبي لا يُشوش صورة المشهد السياسي، ويُزعج الوضع العام إلى حد الإرباك”، على حد تقديره.

وبين تكتيك المجموعات الإرهابية التي أثبتت أنها تملك عنصر المفاجأة، وأنها قادرة على توجيه ضربات موجعة للقوات التونسية، مازال رد فعل الجيش التونسي يقتصر على القصف المدفعي والجوي العشوائي للمرتفعات الجبلية، ما أثار نقاط استفهام عديدة لدى الأوساط السياسية التي تذهب إلى القول إن التطورات الراهنة تجعل تونس مُقدمة على صيف ساخن.

 

*نقلا عن العرب اللندنية