يبدو أن هجوم قوات المتمردين التشاديين التي انطلقت من قاعدة عسكرية في وسط ليبيا، على العاصمة نجامينا أحدث مفاجأة من العيار الثقيل في عواصم أوروبية ومغاربية. فهل تتحول كرة النار من ليبيا إلى تشاد ومن سيكتوي بها أولا؟

اندلاع النزاع المسلح بين متمردي "الجبهة من أجل التناوب والوفاق" والجيش التشادي، فاجأ العالم بتداعياته السريعة بدءا بمصرع الرئيس ادريس ديبي على جبهة القتال، وصولا إلى الاضطرابات الأمنية داخل البلد نفسه، ومخاوف من تداعياته في بلدان مجاورة مباشرة مثل ليبيا والسودان والنيجر أو قريبة جغرافيا مثل الجزائر ومصر.

وفيما سارعت فرنسا، البلد الأكثر نفوذا في تشاد بالتحرك سياسيا وميدانيا، تبدو تطورات الأوضاع في هذا البلد الوسط أفريقي حبلى بالتحديات والمخاطر على المنطقة المغاربية وأوروبا، اعتبارا لما تنطوي عليه الأوضاع هنالك من تعقيدات.

تشاد "العربي"

تشاد البلد الذي يوجد في قلب القارة الأفريقية ليس عضوا في جامعة الدول العربية وقد طلبت حكومته في سنة 2014 العضوية، واللغة العربية واحدة من لغاتها الرسمية وينطق بها حوالي 12 في المائة من سكان البلاد.

وتعتبر تشاد أكثر بلد أفريقي غير عربي متداخل مع العالم العربي عبر ملايين السكان ذوي الجذور الإثنية المشتركة في كل من السودان وليبيا، وخصوصا عبر قبائل التبو التي يمتد تواجدها في جنوب ليبيا وعلى طول دول الساحل والصحراء، وعبر الزوايا الصوفية السنوسية المنتشرة في ليبيا والسودان والتيجانية واسعة النفوذ في الغرب الأفريقي وصولا إلى المغرب.

 ولا تفصل مناطق النزاع في شمال وغرب تشاد بين الحكومة المركزية والمتمردين القادمين من ليبيا سوى بضع مئات الكيلومترات عن الجزائر ومصر رغم أن البلدين لا تربطهما حدود مباشرة مع تشاد.

وعلى إمتداد العقود الثلاثة التي حكم فيها البلاد بقبضة حديدية، كانت للرئيس ديبي علاقات عربية واسعة مع ثلاث دول عربية هي السودان عمر البشير وليبيا القذافي ومصر، وكانت تلك العلاقات شديدة التقلب. كما كانت تشاد منذ فترة حكم الرئيس الأسبق حسين حبري الخصم اللدود للقذافي، طرفا في مثلث النزاعات المسلحة الذي يشمل إقليم دارفور بالسودان ومناطق أوزو وتبيستي شمال تشاد الحدودية مع ليبيا والتي تطورت العلاقات المضطربة معها في عهد القذافي إلى حرب متقطعة دامت عقدا ونيف، وتكبد الجيش الليبي في نهايتها بمنتصف الثمانينات هزائم كبيرة.

ويرى خبراء غربيون بأن روسيا لها بصمات فيما يجري في تشاد بغرض تعزيز مطامعها في النفوذ بمنطقة وسط وغرب أفريقيا ومنافسة النفوذ الفرنسي الذي يواجه تحديات منذ سنوات.

وفي تقرير نشرته DW مؤخرا كشف خبراء تابعون للأمم المتحدة عن عمليات تسليح للقوى المتصارعة تقوم بها روسيا في جارة تشاد الجنوبية، دولة أفريقيا الوسطى التي تشهد بدورها حربا أهلية. كما أوفدت موسكو خبراء عسكريين ومقاتلين مرتزقة إلى أفريقيا الوسطى، وأدى الدور الروسي إلى تقويض مساعٍ أممية للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة المتفاقمة في هذا البلد الأفريقي. وخلال السنوات الخمس الأخيرة أبرمت روسيا صفقات أسلحة مع عدد مع الدول في المنطقة.

اختراق في منطقة نفوذ فرنسي ..من يسُدّه؟

وليست ليبيا البلد المغاربي الوحيد الذي تثير أحداث تشاد قلقه، بل تشاطره أيضا الجارة الكبرى الجزائر التي تربطها مئات الكيلومترات الحدودية مع النيجر، ولا تبعد كثيرا عن مناطق النزاع المسلح. ولطالما تأثرت مناطق جنوب الجزائر بحركة الجماعات المسلحة وتهريب السلاح على امتداد منطقة الساحل والصحراء، التي تنشط فيها جماعات إسلامية متشددة. 

وقد تضطر الجزائر، التي توجه اهتمامها منذ بضعة أشهر إلى تطورات أزمة الصحراء الغربية وقام جيشها بمناورات على مقربة من الحدود مع المغرب، إلى أن تحول الاهتمام المركزي إلى النزاع المسلح الجديد الدائر على مقربة من حدودها جنوب شرق، ما قد يضطرها إلى تحريك مزيد من قواتها نحو الحدود الجنوبية لمراقبة الأوضاع المضطربة هناك خشية أن يصل لهيبها إلى جنوب البلاد التي تشهد من حين لآخر اختراقات من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

المصدر: dw