قال مصطفى كمال النابلي، المحافظ السابق للبنك المركزي التونسي وأحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، إن تقديمه شهادة طبية ضمن ملف الترشح للانتخابات الرئاسية ليس موجها لأي طرف سياسي أو مرشح للرئاسة، بل يدخل ضمن الشفافية الأخلاقية الضرورية لعمل مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أنه من حق التونسيين معرفة كل التفاصيل عن مرشح الرئاسة عدا السيرة الذاتية والتجربة السياسية.

وأضاف النابلي، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بالعاصمة التونسية، أن قرار تقدمه بشهادة طبية ضمن ملف ترشيحه اتخذ قبل أسابيع من إطلاق إشاعات بشأن مرض الباجي قائد السبسي، رئيس حركة نداء تونس.

وفيما يلي نص الحديث:

* متى قررتم الترشح للانتخابات الرئاسية؟ وما دوافعكم من وراء ذلك؟

- فكرة الترشح لمنافسات الرئاسة تعود إلى قرابة شهرين قبل الآن، لكن القرار النهائي اتخذته قبل فترة قليلة، ودوافعه الأساسية ترجع إلى متابعتي التطورات الحاصلة في المشهد السياسي التونسي وما رافقها من مصاعب سياسية وأمنية، وأيضا اقتصادية. ولا أخفي أنني من خلال التشخيص لاحظت أن مؤسسة الرئاسة خفت بريقها، وهي في حاجة أكيدة لكي تصبح مؤسسة حقيقية تلعب دورا أساسيا في استقرار بقية مؤسسات الدولة وتلعب دورا محوريا في إعادة الثقة إلى نفوس التونسيين خلال السنوات الخمس المقبلة. لقد خلق الوضع غير المستقر في تونس مجموعة من المصاعب والمشكلات التي يعتقد كل الخبراء أنها ستستمر خلال السنوات المقبلة. وأدركت كذلك أن التونسيين في حاجة أكيدة إلى إعادة الثقة في الدولة ومؤسساتها، وهذا ما سيفيد في إعادة ثقة الخارج في تونس من كل النواحي، والمطلوب من مؤسسة الرئاسة العمل على تلبية نداء الصالح العام من خلال مصداقية شخصية الرئيس المقبل وفاعليته في تنقية الأجواء وتحسينها.

* لكن كل المرشحين للرئاسة أو معظمهم يقدمون المبررات نفسها بشأن ترشحهم لرئاسة الجمهورية، فما الذي سيميز بينهم على حد تقديرك؟

- لقد عاينت بصفة شخصية كم المشكلات المتراكمة في تونس منذ الثورة، واتصلت بالكثير من الأطراف السياسية والاقتصادية، وأعدت ترتيب تلك المشكلات، وخلصت إلى أنها كل مترابط تتداخل فيه المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن خلال متابعتي لمن قرروا الترشح للانتخابات الرئاسية، لم ألاحظ استجابة فعلية لمتطلبات المرحلة المقبلة، وكان لزاما علي التقدم بخيار مختلف للتونسيين.

* إلى ماذا أفضى ترتيبك لتلك المشكلات؟

- اتضح لي أن العملية معقدة جدا، وأن مفتاح الحل يبدأ بإرجاع الثقة إلى المؤسسات الدستورية، وبناء نوعية جديدة من الثقة تربط بين التونسيين ومؤسسات الحكم. وأعتقد أن لي القدرة والكفاءة على فتح أبواب أمل جديدة أمام التونسيين.

* لكن الأمل الذي تحدثت عنه يمكن اختصار طريق الوصول إليه عبر الجوانب الاقتصادية، فهل ستكون أنت رئيسا بخلفية اقتصادية؟

- البعد الاقتصادي مهم للغاية. والثورة جاءت من أجل الحرية والكرامة، وإذا كانت الحرية قد تحققت بوصفها مكسبا مهما من مكاسب الثورة ولا يمكن التراجع عنه أو التشكيك في وجوده، فإن الكرامة لا يمكن الحديث عنها إلا بتحسين مستوى عيش التونسيين والرقي بقطاعات التربية والتعليم والصحة والنقل وغيرها من نواحي الحياة. وهذا لا يجعلنا نغفل بقية الجوانب، خاصة منها السياسية والأمنية، فهي أساسية ولا يمكن الاستهانة بتأثيراتها على جميع المتغيرات. وأعتقد أن مهمة الرئيس التونسي المقبل ليست فنية فحسب، بل تشمل قدراته الشخصية على إدارة الشأن العام واتخاذ القرارات المناسبة كما أشرت إلى ذلك في أكثر من مناسبة.

* وهل بإمكان الرئيس التونسي المقبل تغيير صورة مؤسسات الدولة، وفتح أبواب الأمل أمام التونسيين وهو لا يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة؟

- هذا الكلام لي فيه رأي مختلف، فمعظم المرشحين لكرسي الرئاسة يقدمون قراءة منقوصة لصلاحيات رئيس الدولة، إذ ليس صحيحا بالمرة أن مهام الرئيس تتلخص في النواحي الشكلية، فهو قادر على إشاعة مناخ من الثقة، وينتظره عمل كبير في هذا المجال للمساعدة على الاستقرار السياسي والأمني، وهو الذي سيغير لاحقا وجه تونس.

وأعتقد أن الرئيس لديه الكثير من الوسائل والصلاحيات الدستورية للتأثير على السياسات والتوجهات العامة للبلاد، فالدستور الجديد يسمح له بتقديم مشاريع قوانين وبرامج للتنمية والاستقرار، ويمكنه من اللجوء إلى استفتاء التونسيين بشأن تلك البرامج والقرارات والمبادرات في حال عدم الاتفاق عليها مع بقية الشركاء السياسيين. كما أن القانون يسمح له برئاسة مجلس الوزراء، ومن ثم التأثير على السياسة العامة للدولة.

* ومع ذلك يبقى الدور تشريفيا وهو بعيد كل البعد عن صلاحيات رؤساء دول أخرى.

- الأمر مرتبط بشخصية الرئيس؛ فهي، على حد اعتقادي، محورية في هذا المجال، وهو الذي يوسع في أدواره ويحدد مدى نجاعة تدخلاته في الشأن السياسي.

* لقد ارتفع عدد المرشحين للرئاسة إلى 70 مرشحا، وهذا رقم قياسي لم يحصل في السابق، كيف ستتميز أنت عن كل هؤلاء؟

- بإمكاني التميز عن بقية المرشحين على 3 مستويات، الأول ينطلق من تجربتي الطويلة في إدارة الشأن العام، والتصرف الإداري، والابتعاد عن خدمة أجندات ضيقة. أما المستوى الثاني فهو التمتع بالاستقلالية عن بقية الأطياف السياسية، فمعظم المرشحين للرئاسة انطلقوا من أحزاب سياسية أو لديهم ميول سياسية إلى اليمين أو اليسار، وهذا الأمر لا ينطبق علي، وهو يميزني عن بقية المرشحين.

أما المستوى الثالث، فيكمن في التوجه الفوري نحو الأفعال، وعدم الاكتفاء بالأقوال، فمن خلال تجربتي الطويلة في التعامل مع الملفات الكبرى، فإن توقيت القرار والتعامل الفوري مع المشكلات يمثلان جانبا كبيرا من عنصر النجاح في مختلف نواحي الحياة.

* وما رأيك في مبادرة حركة النهضة بشأن الرئيس التوافقي؟ وهل أنت معني بها؟

- أراها مبادرة غير مجدية، وأنا شخصيا غير معني بها، بل أكثر من ذلك هي محاولة أو طريقة لنزع المبادرة من الشعب وإسنادها غصبا للأحزاب السياسية، وهذا على حد اعتقادي نسف للتجربة الديمقراطية التي تمكن الشعب من اتخاذ قراره بنفسه عبر صناديق الاقتراع.

* هل أجرت حركة النهضة اتصالات بكم في هذا المجال؟

- لا لم نتحدث في هذا الموضوع.

* نأتي الآن إلى علاقتك بالباجي قائد السبسي رئيس حركة نداء تونس.. كيف تقيمها في الوقت الحالي؟

- علاقتي بالباجي طيبة وقد التقيته أخيرا، ودار اللقاء بيننا في أجواء ودية.

* وهل لك أن تطلعنا على ما دار بينكما من حديث في ذلك اللقاء الذي سبق ترشحكما لمنافسات الرئاسة؟

- اللقاء لم يكن رسميا، ولم يحظ بتغطية إعلامية كبرى، واكتفينا بالحديث عن الوضع العام في البلاد وعن الترشح للرئاسة.

* قلت إن العلاقة مع الباجي ودية، ولكنك فاجأت الساحة السياسية التونسية بتقديم شهادة طبية تكشف سلامتك الجسدية والنفسية، وهذا الأمر جرى بعد فترة قليلة من إثارة موضوع مرض الباجي قائد السبسي من قبل قياديين في حركة نداء تونس، وهذا الأمر قرئ من معظم السياسيين على أنه محاولة منك للتخلص المبكر من أحد منافسيك البارزين؟

- دعني أشِر إلى أن تونس عرفت فترات حالكة في تاريخها، وشكل مرض الرئيس أحد التابوهات المغلقة أمام الحديث الإعلامي أو التناول الشعبي؛ فهذا الموضوع شكل سرا في عهد الحبيب بورقيبة وفي عهد زين العابدين بن علي كذلك، وشكل إحدى عقبات الحكم، ومن الضروري اليوم الحديث عن هذا الموضوع قبل الإقدام على منافسات الرئاسة.

ولعلمكم، فإن فريق العمل الإعلامي، الذي يشرف على العملية الانتخابية، هو الذي نصح بتقديم تلك الشهادة الطبية ضمن ملف الترشح للرئاسة للتأكيد على سلامة المترشح وخلوه من الأمراض التي تجعل من ممارسة الحكم مشقة وعبئا ثقيلا عليه. وقد اتخذنا هذا القرار قبل أسابيع من تداول إشاعات بشأن مرض قائد السبسي. كذلك من حق التونسيين أن يعرفوا كل التفاصيل الصحية والنفسية والمالية عن المرشحين للرئاسة حتى لا يفاجأ بعد ذلك بقرارات اعتباطية تتخذ في فترة ستكون صعبة على كل التونسيين.

* هل تعتقد أن هذه المبررات ستقنع المتابعين للشأن السياسي وتؤكد لهم أن تلك الشهادة الطبية لا تستهدف بعض المرشحين ومن بينهم قائد السبسي؟

- الشهادة الطبية التي قدمتها ليست موجهة لأي طرف سياسي أو مرشح للرئاسة، بل تدخل ضمن الشفافية الأخلاقية الضرورية لعمل مؤسسات الدولة، فمن حق التونسيين أن يعرفوا كل التفاصيل عن المرشح للرئاسة عدا السيرة الذاتية والتجربة السياسية المعروفة للجميع.

* أنت أيضا لم تسلم من الاتهامات؛ إذ مباشرة بعد تقديمك للشهادة الطبية أثيرت مسألة اتهامك باختلاس الذهب من البنك المركزي التونسي الذي كان تحت مسؤوليتك، من يقود هذه الحملة ضدك، في نظرك؟

- أعتقد أنه هجوم تافه، فوضعية الذهب في البنك المركزي التونسي سليمة وليست هناك أي مشكلات، وكل هذه الأمور موثقة ضمن لوائح المحاسبات، ولم تتغير كمية الذهب البتة، والحكومات التونسية المتعاقبة على السلطة بعد الثورة تدرك هذا الأمر.

* ومن تعتقد أنه يقف وراء تلك الإشاعات؟

- ليس مهما من يقف وراءها، ولكن المهم، حسب رأيي، أنها باطلة. وأطلب بالمناسبة من مختلف المرشحين أن يراعوا الحد الأدنى من الأخلاقيات السياسية عند توجيه انتقادات بعضهم لبعض ضمانا لبيئة انتخابية سليمة.

* الآن وقد توضحت مواصفات الرئيس التونسي المقبل لديكم على الأقل، ما سقف طموحاتكم في هذه المنافسات الرئاسية؟

- هدفي الأساسي هو النجاح في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، وإذا تمكنت من المرور إلى الدور الثاني، فإن حظوظ النجاح ستكون وافرة بالنسبة لي.

* من تنتظر من المنافسين في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة؟

- من السابق لأوانه تناول هذا الأمر، ولكن كل الاحتمالات تبقى واردة.

* عرفت بأنك كفاءة اقتصادية بالأساس، كيف ستقنع الناخب التونسي اليوم بأنك تجاوزت حدود الاقتصاد إلى إدارة الشأن العام بكل تفاصيله؟

- أعتقد أن دور الرئيس التونسي المقبل هو تجميع التونسيين ونشر الثقة بينهم، ولا شك أن تجربتي في ميدان الاقتصاد والمالية ستساعد على تصور حلول عملية لعدة ملفات، ولكن مهمة الرئيس المقبل لن تكون اقتصادية، وسترتكز على عدة قضايا أخرى أمنية وسياسية على غاية من الأهمية.

* تحدثت في أكثر من مناسبة عن إعادة الثقة إلى التونسيين، كيف يمكن تحقيق ذلك؟

- أملي أن تفرز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة طبقة سياسية مختلفة وقادرة على تصور الصعوبات المرحلية التي ستعرفها البلاد. نريد من الانتخابات المقبلة أن تحدث رجة نفسية لدى التونسيين فتتغير كل صور الحياة ويعود الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، فهو محور كل عملية استثمارية ناجحة.

 

 

*نقلا عن الشرق الأوسط