عند الحديث عن غانا لا يمكن إلا أن يذكر كوامي نيكروما المؤسس الحقيقي لهذه البلاد الأفريقية التي كانت تعرف بساحل الذهب حتى السادس من مارس من سنة 1957م تمت تسميتها باسم غانا وهو أول رئيس لها كدولة مستقلة في الأول من يوليو من عام 1960،  وهو من أبرز مناضلي افريقيا ضد الاستعمار الغربي ومن بين أول المنادين بالوحدة الأفريقية وقام بعقد أول مؤتمر للدول الافريقية المستقلة عام 1958في العاصمة أكرا من أجل توحيد السياسة الخارجية  للدول الافريقية ، وكان من بين الأباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الافريقية التي انبثق عنها الاتحاد الافريقي الحالي، وكان من بين الزعماء المؤسسين لحركة عدم الانحياز إلى جانب جمال عبدالناصر، وتيتو، ونهرو، وغيرهم ممن اتفقوا على تكوين كيان مستقل عن المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي سابقاً.

الميلاد والنشأة

  ولد فرنسيس كوامى نكروما  بغانا في 18سبتمبر 1909 م يوم السبت وطبقا للعادات الأفريقية التي تقتضى أن يطلق على المولود اسم اليوم الذي ولد فيه أطلق عليه اسم "كوامى" ويرجع اسم "نكروما" إلى القرية التي ولد فيها وهي قرية "نكروفول" التي تبعد عن العاصمة أكرا ما يزيد عن 300كم، ترعرع في أسرة بسيطة تعتاش على ما يجمعه والده من عمله المتواضع في أعمال الحدادة البسيطة، وما تجنيه الأم من التجارة، وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة التي نشأ فيها نكروما إلا أنه عرف منذ الصغر بذكائه الخارق الأمر الذي جعل والده يصر على تعليمه مهما كلفه ذلك فارسله للتعلم في أكرا حتى تمكن من التخرج في مدرسة المعلمين سنة 1930م، ولم يستمر طويلاً في سلك التعليم حتى انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليلتحق بجامعة لنكولن في بنسلفانيا حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه فيها.

بعد تجربة غنية في الولايات المتحدة لم تقتصر على المحصلة العلمية المتمثلة في الشهادات العليا فحسب بل تولدت لديه أفكار جديدة للنضال من أجل استقلال بلاده والعمل على النهوض بها وبالقارة الافريقية التي كانت تعاني من العبودية والاستعمار، وقد كان لإحساسه بالدونية كأفريقي أسود دافعاً كبيراً ليصنع من نفسه ثائر حقيقي فقبل أن يخرج من أمريكا في أواخر عام 1947م مر من أمام تمثال الحرية وقال:" لقد فتحتم عيني على الحرية وقررت أن أحمل هذه الرسالة الى أفريقيا"، وبالفعل هذا ما حدث إذ بمجرد عودته إلى بلاده أصبح أمين عام مؤتمر "ساحل الذهب" الموحدة وانطلق في العمل على الاستقلال من المستعمر البريطاني إلا أنه أعتقل بعد أقل من عام واحد، وفي عام 1949 أسس حزب المؤتمر الشعبي لتحقيق الحكم الذاتي للبلاد، ولكنه أعتقل مرة أخرى وفي أوائل 1950 وفاز حزبه بالانتخابات البلدية والعامة في الانتخابات، وفاز وهو بالسجن بدائرة أكرا وبأكثرية كاسحة، فأطلق سراحه وتولى رئاسة الوزراء في مارس/آذار 1952م، وعند خروجه من السجن وجد مئات الألاف من الشعب في استقباله خارج القضبان تعبيراً عن مكانته في قلوبهم، وهذا ما ولد لديه طاقة إضافية ليستمر في مسيرته النضالية فرفع شعاره الثلاثي الذي بقي خالداً حتى اليوم بتدوينه على قاعدة تمثاله الذي ما يزال يتقدم البرلمان الغاني إلى يومنا هذا، وكانت نقاط الشعار:

  • السعي لتحقيق السيادة السياسية للبلاد باعتبارها الطريق لتحقيق كل الأهداف .

  • الحرية مقرونة بالمخاطر أولى من الاستقرار في ظل العبودية.

  • لا استقلال لأي بلد أفريقي ما لم تتخلص افريقيا كلها من قيود المستعمر الأجنبي.

 

الاستقلال واعتماد اسم غانا على البلاد

بعد أن تم اختيار نيكروما رئيساً للوزراء لساحل الذهب أُتيحت له الفرصة للقيام ببرامج عملية في سبيل استقلال البلاد  فقام بالتنسيق مع بريطانيا لإصدار دستور خاص جديد أعتمد في عام 1954م كان الخطوة الأولى للاستقلال بولادة حكومة وطنية غير تابعة لسلطة المستعمر، وبعد نجاحاته المتتالية فاز حزبه بأغلبية كاسحة في البرلمان وتوج ذلك بإعلان استقلال ساحل الذهب كدولة مستقلة ذات سيادة تحت اسم غانا في السادس من شهر مارس عام1957م، وفي عام 1960م أقر الدستور الجديد لغانا ليفوز بعد ذلك نيكروما في أول انتخابات شهدتها غانا عبر تاريخها عام 1962م، وبعد نجاحه محلياً وقارياً ودولياً أعيد انتخابه لفترة انتخابية ثانية عام 1965م، انتهت فترة حكمه عام 1966م بانقلاب عسكري دبره مجموعة من الضباط عندما كان نيكروما خارج البلاد في زيارة إلى الصين وفيتنام فعاد واتخذ من غينيا القريبة من غانا والتي يحكمها صديقه أحمد سيكتوري ليبدأ في شحذ همم الشعب الغاني ويحرضه على التمرد حتى تمكن من استعادة السلطة لفترة وجيزة لم يستطع الحفاظ عليها نظراً لتدخل خارجي كانت أمريكا وراءه لاعتراضها على سياسات نيكروما التقدمية التي لم تتوقف عند حدود غانا بل تعدتها لدول القارة الأفريقية ودول منظمة عدم الانحياز، باعتباره كان لا يؤمن باستقلال غانا في ظل السيطرة الأجنبية على غيرها من لدول الأفريقية وهذا ما جعله مهووساً بالاتحاد مع دول الجوار، وهذا ما تحقق مع غينيا إبان حقبة صديقه أحمد سيكتوري، واستمرت جهوده في سبيل صنع اتحاد افريقي توج بتأسيس منظمة الوحدة الافريقية في أديس أبابا بأثيوبيا عام 1963م.

حياته الخاصة

عرف كوامي نيكروما بتواضعه ودماثة خلقه على الرغم من الكارزمة التي عرف بها والهالة المرتبطة عادة بالقادة العظام ممن هم على شاكلته، وعرف بإيمانه العميق بأن القوة الحقيقية تنبعث من البسطاء فكان قريباً منهم وكانوا قريبين منه فكان يحب أن ينادى باسمه مجرداً دون ألقاب أو تفخيم، وهذا ما جعله ينتهج المنهج الاشتراكي في أسلوب الحكم، الأمر الذي ربطه بالقطب الآخر للقارة الافريقية في شمالها ذلك الوقت فعرف بقربه من جمال عبدالناصر الذي يرجع البعض أن علاقته الخاصة به كانت وراء زواجه من السيدة "فتحية نيكروما" التي تزوج منها في ليلة رأس السنة (1957-1958) بمجرد وصولها إلى غانا على الرغم من معارضة أمها التي كانت مسؤولة عن تربيتها مع أخويها بعد وفاة والدهم، واضطرت فيما بعد للعودة للقاهرة ومعها أطفالها الثلاثة من كوامي نيكروما، وهم (جمال، وسامية، وسيكو نكروما)،  وتوفيت فتحية نيكروما في 31 مايو 2007 في القاهرة نتيجة نزيف حاد أصابها بعد صراع مع المرض، ودفنت إلى جوار قبر زوجها في غانا.

مؤلفاته

له العديد من المؤلفات منها ما قام هو بتأليفه ومنها ما أشرف على تجميعه وإعداده مثل الموسوعة الأفريقية، ومنها ما كتب عنه مثل كتاب (غانا) والذي يعد سيرة ذاتية لنيكروما،ومؤلفاته تتمثل في:

  • (أتكلم عن الحرية) وقد أهداه لروح الزعيم (باتريس لومومبا)، والى كل المكافحين في سبيل الوحدة الأفريقية.

  • (الإستعمار الجديد)  وقد نشره الأهرام فى عام 1966م

  • (يجب أن تتحد أفريقيا)

  • (الوعى بالذات)

  •  نشرت له السيرة الذاتية بعنوان (غانا).

     - وقد تبنى نكروما إصدار الموسوعة الأفريقية وذلك لإعادة كتابة تاريخ إفريقيا.

وفاته

 على الرغم من الارتباط الوثيق لكوامي نيكروما بغانا بشكل خاص و بأفريقيا بشكل عام لم يحقق أمنيته باختتام حياته فيها حيث توفى يوم 27 أبريل من عام 1972م في رومانيا بأوروبا وكانت وصيته الوحيدة أن يدفن في افريقيا وكان له ما أراد فدفن في غينيا قبل أن يعاد دفنه مرة ثانية في غانا بعد أن شيع جثمانه في جنازة تتناسب وقيمته بحضور وفود رسمية من أكثر من 25 دولة وأعلنت السلطات الغانية الحداد الرسمي لمدة أسبوع لتودع بذلك رمزاً من رموز الاستقلال والنضال  ضد الاستعمار ليس في غانا فحسب بل على المستوى الأقليمي  والقاري والعالمي.