كشف تقرير دولي جديد نشرته منظمة "أوكسفام، أن ثروة أصحاب المليارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زادت منذ بدء انتشار وباء "كوفيد 19" بما يقارب 10 ملايير دولار، وذلك على حساب فئات واسعة من السكان الذين زادت حدة فقرهم بسبب أوضاعهم الاجتماعية الهشة.
 وأوضح التقرير أن ضعف الإيرادات المالية والخدمات الاجتماعية التي تعاني من نقص التمويل قوض استجابة الحكومات لمواجهة فيروس كورونا في المنطقة.

وقال التقرير إن جائحة فيروس "كوفيد 19" أثبتت في الوقت الحاضر، أن الدخل الشهري وخدمات الضمان الاجتماعي هي امتياز للقلة فقط، ولن تقود البلدان إلى طريق الانتعاش. وانتقد التقرير ضعف السياسات الحكومية في مجال الصحة خلال السنوات الأخيرة، ويتضح ذلك من خلال التوجه المستمر نحو الخوصصة وتفويت الخدمات الصحية للقطاع الخاص، فما بين عامي 2014 و 2017، انخفضت حصة الحكومات في المنطقة من إجمالي الإنفاق على الصحة من 61.5 في المائة إلى 55 في المائة، بينما نمت حصة القطاع الخاص من 37.8 في المائة إلى 44 في المائة خلال نفس الفترة.

وقال التقرير إنه على الرغم من كون بعض الحكومات، كالمغرب، قد أدخلت برامج تحويل نقدي مؤقتة أو إعانات بطالة للعمال غير الرسميين، فإن هذه المساعدات تظل أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور. وعلى سبيل المثال، أقر المغرب مساعدة بطالة شهرية مؤقتة بقيمة 2000 درهم للعمال الرسميين وتحويلات نقدية للأسر الهشة تتراوح بين 800 و 1200 درهم شهرا، في حين أن الحد الأدنى للأجور بالمغرب يبلغ حوالي 2700 درهم. ومع ذلك، لو أنه تم اعتماد ضريبة الثروة الصافية التضامنية بنسبة 5 في المائة، فقد تكون الإيرادات المحققة منها (وفقا لبيانات 2019) كافية لمضاعفة إنفاق المغرب على مواجهة تداعيات فيروس كورونا.


 وأكد التقرير أن المغرب، ومعه الأردن ولبنان ومصر، لو طبق ضرائب ثروة صافية بنسبة 2 في المائة فقط منذ عام 2010 ، لكان هذا سيولد ما مجموعه حوالي 42 مليار دولار ، أي أكثر من جميع قروض صندوق النقد الدولي لمصر والمغرب والأردن وتونس بين عامي 2012 و 2019. ولتم تجنب هذا السيناريو البديل، حيث كان من الممكن أن يمنح بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مزيدا من المرونة في سياسات الإنفاق لمواجهة الوباء بأقل كلفة من الخسائر الاجتماعية.


 وتتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ببعض المستويات المذهلة من عدم المساواة في العالم، وهو ما جعلها تشهد مزيجا من عدم المساواة والضعف والاستبداد وفضاء لتركيز الثروات على مدار العقد الماضي. تعتبر منطقة الشرق الأوسط أكثر المناطق تفاوتا في العالم، حيث يتحكم أغنى 1 في المائة وأغنى 10 في المائة من السكان، على التوالي، في 30 في المائة و 64 في المائة من الدخل المتاح، في حين أن أقل 50 في المائة من السكان يتحكمون في 9.4 فقط. ويمتلك 37 فردا من المليارديرات نفس القدر من الثروة التي يمتلكها النصف السفلي من إجمالي السكان البالغين. علاوة على ذلك، بين عامي 2010 و 2019، زادت ثروات الأشخاص أصحاب الثروات العالية الذين يمتلكون أصولا تبلغ 5 ملايين دولار المغرب بنسبة 24 في المائة، وزادت ثروات أغنياء المنطقة مجتمعة بنسبة 13.27 في المائة لتنتقل من 195.5 مليار دولار إلى 221.5 مليار دولار.
 لقد كشف الوباء عن التفاوتات العميقة والفشل الهائل في الأنظمة الاقتصادية في المنطقة، مما ترك الملايين من الناس بدون وظائف أو رعاية صحية أو أي نوع من الضمان الاجتماعي، ومكن ثروات أصحاب المليارات من الارتفاع بأكثر من 63 مليون دولار يوميا منذ بداية الوباء. فعلى مدى العقد الماضي، شهدت الأسر في المنطقة ارتفاعا في إنفاقها على الصحة، نسبيا ومن حيث القيمة المطلقة: ارتفع متوسط نصيب الفرد من الإنفاق الشخصي من 87 دولارا في عام 2011 إلى 110 دولارات في عام 2017، وارتفعت حصة إجمالي الإنفاق الصحي من 30.8 في المائة إلى 38 في المائة. هذه الحصة أعلى بكثير في بلدان مثل مصر 60 في المائة والعراق58 في المائة والمغرب 54 في المائة. ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى نقص تمويل أنظمة الصحة العامة والتغطية المحدودة للضمان الاجتماعي .. 


ويمثل الانخفاض المتوقع في الإيرادات العامة تحديا لأي حكومة تضع سياسة اجتماعية جريئة تهدف إلى الحد من عدم المساواة. فمن المتوقع أن يصل العجز المالي إلى 8.3 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 6.7 في المائة في عام 2019، وسيصل العجز في لبنان 15.3 في المائة والمغرب 7.1 في المائة ومصر 7.7 في المائة الأكثر تضرراً. 


واعتبرت منظمة "أوكسفام" في تقريرها الدولي، أنه ما لم تعط الحكومات الأولوية لمصلحة مواطنيها وتفضلها على الأرباح، وأن يقوم الأثرياء بتسديد ما عليهم من واجبات مالية، فسيتم دفع ملايين آخرين إلى حافة الفقر وحرمانهم من حقوقهم الأساسية. ودعت المنظمة الحكومات في المنطقة إلى التحرك بسرعة وزيادة الإيرادات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. ولتجنب دفع ملايين من الناس إلى حافة الفقر، يجب على حكومات المنطقة أن تتبنى، بشكل عاجل، سياسات متعمدة لتقليص اللامساواة مثلا في كل من قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، ويجب عليها رفع الحد الأدنى للأجور، ولابد من سن، على المدى المتوسط والطويل، الإصلاحات المالية التي تشتد الحاجة إليها والتي تهدف إلى استعادة التقدمية في الأنظمة الضريبية في المنطقة وتنفيذ الضرائب المتأخرة على الثروة، وفرض ضرائب تضامن فورية على الثروة الفائقة والأرباح المفرطة التي تحققت خلال الجائحة. وختم التقرير بأنه لا ينبغي تفويت هذه الفرصة مرة أخرى.