"أمي، ستصبحين جدة"، هكذا تلقت فاليري أوبري دومونت خبر حمل ابنتها المراهقة، كلي، عبر رسالة على واتس آب، من أعماق الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي.

في آخر مرة رأت فيها دومونت ابنتها، كانت كلي تبلغ من العمر 16 عاماً، ترتاد مدرسة كاثوليكية في باريس، وبعد انفصالها عن صديق لها، تعرفت كلي على شاب، عبر الإنترنت، وخلال بضعة أشهر، غادر "الحبيبان" فرنسا ليعيشا في شمال سوريا، في الرقة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، وفقاً لتقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

وتؤكد دومونت، وهي تعمل في مجال العناية بالأطفال: "أتمنى لو أن كلي لم ترزق بأي أبناء"، مشيرة إلى أن ابنتها تتحدث أحياناً عن العودة إلى فرنسا، لكنها خائفة من ترك ابنها الرضيع خلفها.

وذكرت دومونت أنها لم تحب صديق ابنتها عندما عرفتها عليه، مستهجنة رفضه النظر إليها أو حتى مصافحتها، وبعدها بأشهر، اختفى الحبيبان، إلا أن دومونت تعرفت على الشاب في فيديو للتنظيم لاحقاً، ظهر فيه باسم عبد الودود، مهدداً الحكومة الفرنسية، ومقسماً بـ "الانتقام" من فرانسوا هولاند.

وأضافت الوالدة المكلومة أنها حاولت إقناع ابنتها بالعودة، إلا أن المراهقة طلبت منها في المقابل الانضمام إليها في سوريا، مؤكدة: "لو كان الوضع خطيراً هنا، لما طلبت منكما (والدتها ووالدها) المجيء"، وفي النهاية أفصحت الفتاة عن سبب رغبتها في قدوم أمها: لقد كانت حاملاً.

وتابعت دومونت: "أوشكت على الانهيار عندما سمعت الخبر"، وعبرت عن غضبها هذا بقطع الاتصال تماماً مع ابنتها، حتى بدأ التحالف الدولي ضرباته على سوريا بعد ذلك بأسابيع، حينها اتصلت دومونت بكلي مرة أخرى.

واستمر التواصل بين الأم وابنتها، حيث ترسل هذه الأخيرة الكثير من صور ابنها الرضيع لوالدتها، ويتحدثان عبر واتس آب، وعبر الهاتف أحياناً.

وتشهد فرنسا، التي تعد أكثر دولة غربية يغادر منها "الجهاديون" إلى أراضي تنظيم "داعش" الإرهابي، مأساة تتشكل في خسارة الكثير من الأنباء والبنات لصالح هذا التنظيم الإرهابي، وبالنسبة للعديد من العائلات، فإن هجمات باريس تذكير مؤلم بعلاقة أبنائهم بـ "العدو".

من جانبه، صرّح مدير مؤسسة "يونيميد"، والتي تعمل لمنع سكان مدينة نيس الفرنسية من التحول إلى الراديكالية، آلان روفيون، بأن "عدداً مخيفاً من الشبان والشابات يغادرون فرنسا وينشئون عائلات جديدة في سوريا".

ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، انضم أكثر من 1100 طفل، تحت سنة 16 عاماً، لمعسكرات تدريب داعش في 2015، ومن ضمن هؤلاء مخطط هجمات باريس، عبد الحميد أباعود، حيث أخذ أخاه ذا الـ 13 عاماً إلى سوريا لينضم للمقاتلين هناك.

وتقدر الحكومة الفرنسية عدد الأطفال الذين أخذوا إلى سوريا منذ 2012 بـ 580 طفلاً، وإن كان العدد الدقيق للأبناء المولودين لأب أو أم فرنسيي الجنسية غير محدد تماماً.

من ضمن هؤلاء طفل في الصف الخامس، يدعى رايان، توقف عن الذهاب لمدرسته فجأة في أبريل (نيسان) 2014، وظهر بعد حوالي سنة من ذلك في فيديو لداعش، ممسكاً بمسدس، وإلى جانبه متطرف يدعى صبري اسيد، حيث تزوج والدة رايان الفرنسية، وأحضرها وأبناءها الأربعة إلى سوريا، بحسب ما قالت السلطات، وينادي رايان في الفيديو بـ "الشبل"، الذي يقتل "أعداء" داعش، ويقوم الطفل بالفعل بإطلاق النار على أسير مقيد أمامه.

والعام الماضي في نيس، غادرت عائلة مكونة من 11 شخصاً، بينهم أربعة أطفال أعمارهم تتراوح بين 6 أشهر و6 سنوات، إلى سوريا.

ويقول إيفانو سوفيري، الذي تزوجت ابنته من عائلة مسلمة منذ عدة سنوات: "في أحد الأيام، ذهبت لأخذ حفيدي من المدرسة كالعادة، فتم إخباري بأنهما غادرا مع العائلة بأجمعها إلى تونس، بسبب وفاة قريب لهم"، إلا أنه اكتشف فيما بعد أن ابنته غادرت إلى سوريا، وتركت له رسالة مع صديقتها جاء فيها: "ما كان علي الذهاب، لكنني لم أستطع التراجع أمام إرادة الله".

ويواجه العديد من الأجداد والجدات، مثل فاليري أوبري دومونت، معضلة كبيرة، ففيما يرغبون في رؤية أفراد عائلتهم، فإنهم يواجهون خطر الإرهاب إذا ما فكروا في الذهاب إلى سوريا والعراق، ناهيك عن العقوبات التي تواجههم من طرف الحكومة، حيث سيخضعون لرقابة مشددة، وقد يواجهون تهماً بعينها إذا ما عادوا من زيارة أحبائهم في أراضي الإرهاب.