منذ أسبوع، نالت حكومة عبد الحميد دبيبة  ثقة البرلمان الليبي. وبعد يومين من النقاشات، منح البرلمان الليبي ثقته إلى الحكومة بإجماع النواب الحاضرين (132 صوت). ستقود هذه الحكومة البلاد خلال مرحلة انتقالية وصولا إلى انتخابات عامة في ديسمبر المقبل. وهي حكومة انبثقت عن ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة.

وقال دبيبة في تصريحات مقتضبة بعد التصويت "ستكون هذه الحكومة حكومة كل الليبيين". ومن جانبه قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح "إنه يوم تاريخي".

وبحيازتها على ثقة النواب، ستكون أمام الحكومة مهمة صعبة لتوحيد مؤسسات دولة تزخر أرضها الشاسعة بثروات هائلة، ويعاني شعبها من آثار الحرب. ومع أن ليبيا وجدت صعوبة في تفعيل المسلسل الديمقراطي على غرار جارتها تونس في أجواء من السلم والنقاش السياسي البعيد عن العنف، إلا أنها ستشق طريق التغيير الإيجابي بوتيرة وبجودة قد لا تفوق جارتها تونس فحسب بل كل جوارها الإقليمي، يرى بعض المراقبين؛ ذلك أن المحنة التي عاشها الشعب الليبي بحثا عن زمن ليبي أفضل لم تكن عبثا ولن يطويها النسيان، بل ستبقى درسا لكل الليبيين.

إن عشرة أعوام من الحرب لا شك أنها كانت العتمة التي تحمل النور، كانت فرصة للشباب الليبي أن يجرب الاختيارات الخاطئة حتى يهتدي إلى الخيار الصحيح: الحوار والتزود بما يكفي من الكفاءة والمهارة وسعة الخاطر والجنوح إلى السلم. 

وحتى تصل ليبيا إلى بر الحوار كان لا بد أن تعْبُر صحراءً من الأهوال، وأن تتقاتل الأطراف من مواقع شتى بحثا عن حق كل طرف في الاعتراف. لقد احتد القتال حول السلطة والثروة، واستعرض كل طرف كل ما يملك من قوة وطول نفس، لتكتشف كل الأطراف في نهاية المطاف فضيلة الجلوس إلى طاولة واحدة.

إن أخطر شيء يتهدد المجتمعات ليس الحرب بل طغيان مشاعر الخوف والوسواس وغياب الثقة بين الأفراد. ما الجدوى من حزب لا ثقة بين أعضائه؟ وما جدوى من حكومة لا ثقة بين أعضائها؟ وما جدوى من برلمان لا ثقة بين أعضائه؟ وما جدوى من جمعية أو نقابة لا ثقة بين أعضائها؟!

 إن الصراع العنيف شيء حتى وإن تحوّل إلى حرب، وغياب القيم والمعايير الإنسانية شيء آخر حتى وإن كان الوضع آمنا؛ فقد يحدث أن يحافظ المتقاتلون على قيم الشهامة والرحمة وهم في عز الحرب، وقد تضيع تلك القيم في وضْعٍ يزعم أنه آمن ومستقر، حيث تنعدم الثقة وتتسع رقعة الشك والخوف ولم يعد أحد يثق في أحد: هنا يكمن الخطر.

صحيح أن الشعب الليبي لن يسمح بنشوب حرب أهلية أخرى، وبالموازاة لن يرضى بما هو أدنى من دولة تصون الكرامة والعدالة والشفافية في كل شيء. ولعل تشكيلة حكومة الوحدة تؤشر على أن منحنى الحوار سيرقى إلى سقف تطلعات الشعب الليبي. ووفق مراقبين فإن الوضع الليبي، قيد التشكل، لن يسمح بأي مخطط يعرقل الذهاب إلى استحقاقات ديسمبر، كما لن يسمح بأي وجود عسكري أجنبي في ليبيا.

إلى جانب الاعتبار الجهوي، ومسألة الكفاءة، مع حكومة الوحدة، سجلت المرأة الليبية قفزة نوعية بحصولها لأول مرة في تاريخ البلد على وزارات سيادية. التشكيلة الحكومية ضمت نائبين للرئيس و26 وزيرا و6 وزراء دولة، من بينهم 5 حقائب وزارية للمرأة.

لا جدال في أن المهمة ملقاة في المنطلق وبالأساس على عاتق حكومة الوحدة، لكن بالموازاة، فهي مهمة كل ألوان الطيف السياسي الليبي، والإعلام والنخبة الفكرية وأعيان وشيوخ القبائل وأصحاب النفوذ المالي.