عبّرت رئيسة المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب فاطمة الزهراء فليس في تصريحات صحافية عن ارتياحها لمضمون الرسالة التي وجهها أمس الرئيس بوتفليقة للرأي العام بمناسبة الذكرى العاشرة للاستفتاء الشعبي على قانون المصالحة الوطنية، نظير تأكيده على الثوابت الأصلية للقانون التي تكرس احترام التضحيات التي قدمها الجزائريون، خاصة الفئات العسكرية والأمنية، وأسر الضحايا والمتضررين من العشرية الدموية.

وقالت “رسالة رئيس الجمهورية وضعت النقاط على الحروف، وأنهت الجدل المثار في أوساط بعض الإسلاميين، حول إمكانات توظيف مرونة القانون وسماحة الجزائريين، لتحقيق نوايا العودة إلى حقبة التسعينات، لاسيما وأن الجرأة وصلت ببعضهم إلى الجهر بالرغبة في العودة إلى الواجهة السياسية”.

وباستثناء إبقاء أبواب “التوبة” مفتوحة في وجه الراغبين في ترك السلاح للاستفادة من التدابير التي سنها قانون المصالحة الوطنية، فإن الرئيس بوتفليقة، أوصد جميع الأبواب في وجه أي عودة لإسلاميي جبهة الإنقاذ إلى الساحة السياسية، أو لتوسيع القانون ليشمل فئات أخرى، مع تشديده على احترام الثوابت الأصلية للقانون وعدم التصرف بشكل يعيد طيف العشرية الدموية إلى الأذهان.

ودعا بوتفليقة من وصفهم بـ “المغرر بهم” إلى العودة “إلى رشدهم والاستفادة من أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”، قائلا “أجدد نداء الوطن الرؤوف إلى أبنائه المغرر بهم لكي يعودوا إلى رشدهم ويتركوا سبيل الإجرام ويستفيدوا من أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”.

وأضاف قوله “لقد سجلنا بعض ردود الفعل الناجمة عن فتح جراح لم تندمل بعد، أو عن الخوف من العودة إلى الماضي الأليم، وعليه فإننا من جديد نؤكد أن خيارات الشعب التي اتخذها بكل حرية والتي رسمها القانون المتضمن إجراءات الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية ستنفذ بحذافيرها وبلا أدنى تنازل”.

وتابع “لقد أخذت تتناهى إلينا الآن أخبار بعض التصريحات والتصرفات غير اللائقة من قبل أشخاص استفادوا من تدابير الوئام المدني نفضل وصفها بالإنزلاقات، لكننا نأبى إزاءها إلا أن نذكر بالحدود التي وجب مراعاتها والتي لن تتساهل الدولة بشأنها”.

وفي هذا الصدد أفادت رئيسة المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب فاطمة الزهراء فليس بأن نساء وأطفال الضحايا لا يزالون يعيشون أزمات اجتماعية ونفسية كبرى تتطلب الرعاية والتكفل بمشاكلهم وانشغالاتهم، وأي محاولة لاستغلال طيبة الشعب أو روح القانون ستدفعنا إلى النزول إلى الشارع لوقف الانزلاق.

وأضافت لصحيفة العرب اللندنية “الدمويون استغلوا فترة الارتباك السياسي والحراك الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، لتنظيم صفوفهم بشعارات جديدة، لا يمكن أن تخفي ماضيهم الأحمر، وصاروا يجاهرون بأفعالهم أمام الرأي العام، وكأن ذاكرتنا مسحت من الجرائم البشعة التي ستبقى راسخة، وهاهي الذكرى الـ18 لمجرزة عين آدن بمحافظة سيدي بلعباس (500 كلم غربي العاصمة) التي راح ضحيتها 12 معلمة ومعلما، تذكرنا بانخراط الإرهاب في صراع مع العلم والمعرفة”.

ومن أجل قطع الطريق أمام عودة إسلاميي جبهة الإنقاذ، دعا بوتفليقة الجزائريين إلى “صيانة المصالحة الوطنية من أي تحريف أو استغلال سياسوي خدمة للوحدة الوطنية ولاستقرار الجزائر”.

في المقابل، قال الناشط في جمعية ضحايا الاعتقال التعسفي سعيد بوذينة” إن رسالة الرئيس أكدت أن التوازنات التي تحدث عنها خلال العام 2005 لا تزال قائمة، ولا تزال التيارات الاستئصالية تضغط في سبيل إعاقة تحقيق مصالحة وطنية ناجعة وفعالة، فكما أن هناك ضحايا للدمويين والإرهابيين، هناك أيضا ضحايا لتجاوزات السلطة، فرغم براءة الآلاف ممن اعتقلوا في مطلع التسعينات وحولوا إلى محتشدات الصحراء في ظروف غير إنسانية وغير قانونية، تأبى السلطة الاعتراف بأخطائها وعدم إحقاق الحق”.

وكان الرئيس الراحل محمد بوضياف خلال تنصيبه على رأس الدولة بعد وقف المسار الانتخابي في يناير 1992، فتح محتشدات في عدد من المناطق الصحراوية، حوّل إليها أنصار ومتعاطفون مع جبهة الإنقاذ المحظورة، في إطار ما سمي آنذاك بالحرب على الإرهاب.

ولا تزال منظمات حقوقية محلية وأجنبية، تنتقد قانون السلم والمصالحة الوطنية، على خلفية اكتفائه بالجوانب التقنية لوقف المسلسل الدموي، دون الخوض في الأبعاد السياسية والأخلاقية التي تكرس معرفة حقيقة ما جرى في حقبة التسعينات، والكشف عن ملابسات الاقتتال الداخلي والمتسببين في الفاتورة الضخمة التي دفعتها الجزائر بشريا وماديا ومعنويا.

ورغم أن تدابير القانون سمحت بنزول حوالي تسعة آلاف مسلح، وعودة الأمن إلى معظم ربوع البلاد، إلا أن أجيالا جديدة من التنظيمات الجهادية كالقاعدة وداعش لا تزال تمارس العمل المسلح، مما كلف أسلاك الجيش والأمن المزيد من الجهد والضحايا.