دخل المرزوقي عالم السياسة صدفة و يرفض الخروج من قرطاج بشرف. دخل السياسة مضطرا ويستعد للرحيل من قرطاج مكرها. دخل السياسة صامتا ويفتعل ضجة قبل الرحيل. دخل ضحية ويستعد للعب الدور مجددا.

تلبس به في الأثناء جنون العظمة أو ما يسمى في علم النفس داء العُظام. و هو أن يعيش المرء في عالمين، ممزقا بين ظاهر وباطن وبين ما يقول وما يفعل. و يرجع السبب في ذلك أساسا لتضخم الأنا. المرزوقي رباعي الزوايا. هو نصف طبيب، نصف حقوقي. تقمص شخصيتي الأديب والسياسي. فكان مخضرما، أديبا هاوا متطفلا وسياسيا متهافتا أضر بأصول الصنعة. شاءت الأقدار أن وطأت قدماه قصر قرطاج و أصبح، نعم أصبح رئيسا للجمهورية. ويطلب التمديد. فكيف أمكن له ذلك لو لم يكن على حساب المربع الذهبي (الطب وحقوق الانسان والأدب والسياسة)؟ تسرب الشك حول حقوقيته و لم يعترف به الأدباء لا محالة. خسره الطب ولم تربحه السياسة.

أنا أتذكر ذاك الطبيب الذي كان يحضر معنا في مجلس التحرير المشترك بين جريدتي الرأي (التي يديرها حمادي بن سعيد) وديموكراسي (بالفرنسية تديرها زينب السامندي) الذي كان يلتئم كل يوم سبت صباحا في نهج يوغزلافيا أحيانا بحضور المرحوم حسيب بن عمار صاحب الاسبوعيتين. كان ذلك في الثمانيات ما بين 1981 - 1986. يأتي المرزوقي عبر القطار ليدع مقالته الأسبوعية. كنا كثيرين في المجلس أتذكر المهنيين أحمد الكرفاعي، زياد كريشان، مي الجريبي ، أم زياد ومتطفلين على الصحافة مثلي وهشام قريبع...

التموقع
كان الشاب قليل الكلام، لا يتدخل في النقاشات الحادة التي تدور رحاها حول قضايا الساعة. لم يكن له موقف في الخلاف بين شقي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، شق السيد أحمد المستيري الذي أسس حزبا وجريدة المستقبل وشق حسيب بن عمار والباجي القائد السبسي. وكان هذا الأخير قد التحق مجددا بحكومة المزالي كوزير خارجية بعد أن قرر بورقيبة في مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري في أفريل 1981 مبدأ التعددية الحزبية. كانت أروقة نهج يوغزلافيا مقر الجريدتين تعج بالسياسيين من عائلة الليبراليين منهم الوزراء المستقلون والمغضوب عليهم فضلا عن الزائرين بمن فيهم القيادات الاسلامية، خاصة وأن الجريدتين أشرفتا على عملية جمع التوقيعات مطالبة بإطلاق سراح الاسلاميين من السجن. لا أعلم ان كان المرزوقي قد وقع تلك العريضة «المليونية» التي احتضنتها جريدة الرأي، ولكن أنا متأكد أنه ما كان يعرف قيادات النهضة ولا كانوا يعرفونه.

ولما خرج الاسلاميون من السجن سنة 1984 لم يكن على اتصال بهم. أنا والعياذ بالله من الأنا كتبت حول فكرهم مقالة مطولة عنوانها «الاسلاميون بين الاستمرارية والتحولات» شدت انتباه راشد الغنوشي الذي دعاني للتكلم معه في مقر جريدة المعرفة (واختلفنا طبعا). لم يكن المرزوقي معنيا عمليا بهذه الوجوه ولا بتلك الحقبة. ولا يذكرها في ما كتب لاحقا سوى عرضا بالرغم من أنه ينتمي لهذا الجيل. فلا هو من مؤسسي آفاق المحكوم عليهم في 1968 ولا حتى من جيل المقاومين اللاحقين في السبعينات من اليسار الذين حوكموا في 1974 و 1975(العامل التونسي) و1979 (الوطد). يبدأ تاريخه السياسي الفعلي زمن بن علي برئاسة الرابطة التونسية لحقوق الانسان سنة 1989 في ظروف سأذكرها.

هو طبيب مغرم بالمسابقات وجمع الجوائز كما يهوى الأطفال جمع الطوابع البريدية، ينافس نظراءه المرتبة الأولى في كل شيء، يحب أن يظهر، فاز برحلة الى الهند على اثر مسابقة حول غاندي وزار الصين وهي أشياء طريفة يسر لمعرفتها السامعون. يقابل بورقيبة في مناسبتين لا علاقة لهما بالسياسة. هو عروبي عروبة رواد النهضة العربية، قرأ المنفلوطي وجرجي زيدان وايليا ابو ماضي (كثيرا ما يستشهد بشعره) .

مولع بالأدب في أوقات الفراغ يكتب ما يخطر بباله في عربية الثانوي التي يكرهها الأدباء المحترفون. كانت أول مقالة كتبها سنة 1979 «لماذا نحن متخلفون» يماهي فيها خمسين سنة بعد شكيب أرسلان صاحب كتاب «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم» (1930). يتحسر عن المجد التليد للعرب ويتمنى لم لا نهضتهم. و سيتكرر هاجس يقظة العرب باطراد في جل ما كتب لاحقا. مثلا في «دع وطني يستيقظ» حيث يقول في أحد الفصول « هل نحن أمة و هل نحن بحاجة إلى الوحدة ؟ وما هي الأسباب العميقة والخفية لتنفيذ الواقع و تسفيه الأحلام العظمى التي ترجمت لها وحاولت تحقيقها كل الحركات الوحدوية في الخمسينات؟». و«في سجن العقل» حيث يتساءل مرة أخرى «اذا كان الاسلام العقيدة المثلى فكيف نفسر انحطاط المسلمين؟» الخ..

أعجب حسيب بن عمار البرجوازي «البلدي» بذاك الطبيب القادم من خارج أسوار المدينة (خاصة وأن الأطباء هم أطباء لا غير) والذي لا يشبه رهط الليبراليين بشرة وسلوكا. وأصدر له في دار نشره الرأي مجموعة المقالات التي كتبها في جريدة الرأي تحت عنوان رومانسي قومي عربي «لماذا ستطأ أقدام العرب أرض المريخ». هو متأكد من ذلك ولا يهتم الا بتفسير ما سيحدث حتما. هكذا هم الرسل والشعراء والمنجمون. و كذلك هم المشعوذون. ثم دخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. انتدبته العائلة الليبرالية (أي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومجموعة حسيب بن عمار) التي كانت تتحكم في الرابطة مطلقا.

هو يعترف بذلك في شبه سيرته الذاتية التي نجدها في صفحته الرسمية : «ان دخولي للرابطة سنة 1980 بمجرد الصدفة» و يضيف مباشرة « أو هكذا خيل لي» وكأنه يعني أن هنالك يدا خفية الاهية طبعا تدفع مشيئة الأقدار بدون أن يعي بذلك. والتحق سنة 1984 بالطاقم القيادي المكون من 25 عضوا حسب توازنات دقيقة ومدروسة ومعقدة تحت رئاسة الدكتور الزمرلي ثم محمد الشرفي (الى حدود 1989). جزء من «دع وطني يستيقظ» يدوّن أحداث سنين 1981 - 1985. جاء بن علي وتوسم فيه المرزوقي خيرا. ولم يشذ أحد من السياسيين المحترفين آنذاك عن ذلك (بمن فيهم أحمد المستيري وأحمد بن صالح والحبيب عاشور) فما بالك بالهواة. فلا يلام اذن على ذلك والكل ندم. ولم تشذ عن القاعدة الا أم زياد وهي ليست بسياسية.

اللحظة السانحة
أصبحت رئاسة الرابطة شاغرة بعد انتخابات أفريل 1989 ودخول محمد الشرفي للحكومة. فكرت القيادة في المرزوقي ذاك الطبيب المحترم والخجول الذي لا يتدخل كثيرا في الخلافات الحادة في مجلس الرابطة بين الأوزان الثقيلة والشخصيات الكارزماتية (أمثال خميس الشماري وهشام قريبع وخميس قسيلة والطاهر شقروش وخديجة الشريف وسهام بن سدرين...). وما ان أصبح رئيسا حتى طفت على السطح شخصيته المعقدة. كان رؤساء الرابطة الذين التحقوا بالوزارة لا يدلون بتصاريح الا بعد استشارة وتوافق الأعضاء 25. أما المرزوقي فطلع عليهم بأول تصريح يقول فيه أنه لن يكون وزيرا. ويطول عرض الاخلالات بدور الرئيس التوافقي للرابطة وحبه المفرط للدكترة وفرض رأيه.

وكان من الطبيعي أن يحتد الصراع داخل الرابطة وهو صراع مزدوج غذته السلطة التي استغلت الخلاف لإضعاف الرابطة بدون نجاح في النهاية لأن خصوم المرزوقي لم يكونوا عملاء وحافظوا على المؤسسة قدر المستطاع. ولكن هو خلاف أيضا بين نمطين لإدارة الرابطة، الطريقة الفردية اللاعقلانية للمرزوقي من جهة ومن جهة أخرى الطريقة التشاورية التوافقية لخصومه. وانعقد مؤتمر الرابطة سنة 1994. وكان من المتوقع ازاحته بعد أن أحكم منافسوه كسب المؤتمرين. خطب المرزوقي في الافتتاح ثم انسحب... ليعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية. ويقدم برنامجا يطالب فيه بتغيير العلم الوطني. وهكذا خرج منهزما ليقلب الطاولة على من أزاحوه بالتصويت. و يصبح سياسيا. هو واع بأنه دخل السياسة صدفة. لذلك عليه تبرير التحول. وكعادته في نوع الانشاء التي يتحصل فيها التلميذ على 14 /20 يشبه نفسه بالنمر ويستبله القارئ فيقول «وحتى لا أستخف بذكاء القارىء أقول أنني كنت كالنمر بالمرصاد انتظر اللحظة السانحة للوثوب داخل الساحة السياسية». فأعاد كتابة سيرته الذاتية وكأنه مهووس منذ نعومة أظفاره بهاجس السياسة.

في الحقيقة، دخل الرابطة غفلة وخرج منها مطرودا مشاكسا. ويدخل عالما جديدا لا يحذق قواعده. يفتخر في سيرته الذاتية أنه كان وحيدا، نبذه القوميون والماركسيون والاسلاميون. هو بالفعل وحيد لأنه غير قادر على التواصل. لم يجتمع حوله الا نفر قليلا. وأحسن دليل على ذلك هو أنه لا يوجد اليوم أي شخص مهم من الذين كانو معه في قيادات الرابطة ولا الشخصيات الجهوية الحقوقية المرموقة من 1980 الى حد الساعة انضم الى حزبه المؤتمر أو التحق بطاقمه كرئيس دولة أو كمترشح. حتى الذين ساندوه في خلافه مع الشق المعتدل للرابطة سنة 1994. لا أحد، هو يجمع نحل المبتدئين وملل المغامرين وأصحاب اللغو وآخرين «un peu zinzin».

باعتراف احدى السيدات الجديدات الملحقات التي تبجحت بذلك في حصة في التلفاز. جلهم نكرة احترفوا المزايدة الثورجية وقلة من أصحابه عرفت السجون ولو لساعة أو انتمت إلى جيل المناضلين التاريخيين باستثناء اثنين أو ثلاثة أشهرهم اطلاقا عزيز كريشان الذي تخلى عن رئيس مزاجي ومتهافت وغير عقلاني. وهذه ظاهرة لا بد أن يعيرها البحاثة اهتماما: كيف أمكن لنصف طبيب نصف حقوقي أن يتزعم حزبا ويصبح رئيسا للجمهورية ويراوده حلم المعاودة؟

ذكرت الحقبة الأولى بإطناب لأنها هامة في تركيبة الشخصية المرزوقية وغير معروفة لدى العموم وحتى الخواص الذين لم يعرفوا تلك الفترة من الداخل. ما تبقى أكثر شيوعا وأقل طرافة. حقوقي شجاع الى حد التهور، صنعته ماكينة القمع التي أهانته. ولكن لو تجردنا قليلا لاعترفنا بأنها لم تكن قاسية معه مقارنة بما لحق آلاف الاسلاميين وعشرات اليساريين و الزعماء أمثال حمادي الجبالي وحمة الهمامي. هو طبيب مدعوم من شبكة حقوق الانسان وقناة الجزيرة خلافا لمن لا سند له. يطارده بوليس لا أخلاق له، يقاوم بين كر وفر، بين تونس وباريس، يجمع الجوائز الدولية من طرف الجمعيات الحقوقية الدولية، أديب متطفل يفتقد الابداع ومفكر سياسي يفتقر إلى معرفة الأصول وذكر المراجع. يشكو من غياب الصرامة العلمية، يكتب كتبا لا يهتم بها أحد (حتى كتابه

كرئيس دولة لم يلق صدى) تنشر في دور نشر بفلس لا قيمة لها (الا آخرها بالفرنسية نشر في لاديكوفارت لأنه رئيس لا غير). فليس كل من يكتب يسمى كاتبا وهذا هو التمييز حسب الكاتب الفرنسي رولان بارت écrivant و écrivain.

هواية الكتابة
هو غزير الكتابة. يأخذ بثأر أمه التي «كانت نادرة الكلام» كما يذكر. هو ناشئ يحرر في لغة حماسية وفياضة و كثيرا ما يتحاور مع شخصيات وهمية يعطيها أحيانا أسماء مستعارة. هو في عالم المتوحد يحاور أهم شخصية في دنيا الأحياء، أي المنصف المرزوقي. الى حد السقوط في الابهام. فمن فهم «الطبيب والموت» أطالبه بأن يقدم لنا ورقة يفسر ما لم نفهمه في علاقة الطب بميتافيزقية الموت. يكتب المرزوقي بالعربية ثم يعيد الكتاب بالفرنسية في شبه ترجمة فيصبح في سجله كتابان وهكذا دواليك مثل «دع وطني يستيقظ» الذي هو كتاب (Arabes si vous parliez) و«الطبيب والموت» الذي هو استنساخ لكتابه (La mort apprivoisée)...

ومن لا يصدق أن المرزوقي لا يكتب بل يثرثر ويفضفض فليقرأ «الانسان الحرام» والذي يدعي صاحبه أنه قراءة في الاعلان العالمي للحقوق الانسان. ونفس الخواطر ترجع باطراد، فكرة واحدة يتيمة حول الديمقراطية موزعة في عشرات «الكتب». هم بكتابة مذكرات على شاكلة «الأيام» لطه حسين كما يقول سمى الجزء الأول منها «الرحلة» تشبه رواية القذافي «القرية، القرية وانتحار رائد الفضاء». وهو كتاب مبهم باعتراف كاتبه في التصدير. ويبدأ بفقرة تحتاج الى منجم لفك لغزها منها ما يلي «...عودي يوما لقرية – كلب في البيت والحال أنه لا أحد نجح منذ بداية التاريخ في حلب الحيوان كهذا. أجدادك وسترين وجبن المعصورة في فمك أفضلية الماعز على الكلاب».

ويعترف في سيرته الذاتية أن بعض أصدقائه نصحوه بأن لا يتجاسر بالكتابة في مواضيع لا يفقه فيها قائلا : «أن يحملني الجميع على أنني انسان مذبذب غير مستقر على حال لا يعرف ما يريد ويخبط خبط عشواء في كل الميادين». ونطقوا حقا. ولكنهم لم يقدروا الرجل حق قدره حب الاعتراف الذي يصل بمن يفرط فيه الى جنون العظمة والذي يسمى في علم النفس داء العظام.

جنون العظمة
أنا لست بطبيب نفساني لأجزم هل هو منفصم الشخصية (سكيزوفران) (schizophrène)، يعيش منطويا على نفسه في عالم خيالي لا يمت بصلة للواقع أو هل هو يشكو من ثنائية القطب في الشخصية أي يعيش حقا في عالمين متوازيين ويسمى المصاب (bipolaire).

وكان مؤسس عالم النفس التحليلي فرويد قد قام بدراسة اختزل عنوانها تحت «الرئيس شريبر» اهتم فيها بمذكرات كتبها شريبر رئيس محكمة متقاعد عنونها «مذكرات مضطرب العقل» (Mémoires d'un psychopathe).

يعترف فيها شريبر كيف تحول الحب الذي يكنه لطبيبه الى كراهية لأنه رأى فيه المضطهد. وكان ذلك نوعا من الذهان الهذياني أي الهذاء مع نزعي الشك والارتياب في كل شيء. وكما ثار الرئيس شريبر على طبيبه يقول المرزوقي في سيرته الذاتية أن أباه «بالغ الاعتداد بنفسه وصاحب شخصية جعلت منه أول دكتاتور أواجهه» . ولما أصبح طبيبا يقول أنه «توجه «تلقائيا» (ويضع تلقائيا بين ضفرين) لأمراض العصاب وبالتحديد لمرض الصرع».

أنا أكتفي بما في حدود اختصاصي ما أعلم عن الشخص وما تابعت وما قرأت له وعنه. أتذكر أن القدماء نبهوا من ثلاثة عيوب ، سكر الشباب، وسكر اللذة وسكر السلطة. والسلطة جاه وسلطان. يبدأ جنون العظمة بالكبرياء. فما ان ترشح في 1994 لرئاسة الجمهورية حتى تقمص شخصية الرئيس، يخطب ويصرّح، يأمر وينهى. أسس حزب المؤتمر في 2001 مع 30 نفرا لم يبق منهم الا أربعة سنة 2011 . وما ان رجع الى أرض الوطن حتى أعلن ترشحه لمنصب الرئاسة. وأصبح بالفعل رئيسا بأكبر البقايا وبقدرة قادر. والقادر هو حزب النهضة المهيمن. والصاغر هو

المرزوقي. وهذا جزء من «الأعمال الكاملة» للمرزوقي التي تنتظر التدوين. حقوقي انحرف عن الأصول، يحتفي بالسحل الشنيع للقذافي، ولا يستاء للرش في سليانة ويساند الحكومة المورطة في قمع المتظاهرين في 9 أفريل 2012 . رئيس أحط من شرف الوظيفة، شوه سمعة تونس من جراء مواقف ارتجالية وصلت الى حد التدخل في شؤون كوريا الشمالية، رئيس مراهق لا يزال «يبيج» أي يكتب مقالات في الجزيرة نات بثمن رخيص ( ثمن «رمزي» حسب مجتهد من حوله). رئيس يدّعي الأخلاق وهو أول من أخل بها. يستغل الأبهة التي أراد أن يحيط بها بن علي رئاسة

الجمهورية ليزيد في ميزانية (من 70 الى ما يقارب 80 مليار) ليصبح المسرف الأكبر يصرف أموال الدولة في ما لا يعني وينتدب مستشارين لا يستشيرهم، فيستقيلون وينتدب آخرين. يستغل منصبه للقيام بحملة رئاسية من قصر قرطاج على نفقة الدولة. كل شيء قيل في هذا المضمار ولا فائدة في الاطالة. ولكنه أصبح يمثل خطرا على مستقبل المسار. يتواطأ مع السلفيين الجهاديين ولجان حماية الثورة ويهدد صاحب «من الخراب الى التأسيس» بخراب ما أسسته الثورة بعناء. هل هو الذي يدعي أن عائلته تنحدر من قبيلة عربية «يقال أنها فخذ من قبيلة بني سليم» وهي من

جملة قبائل زحف بني هلال التي سماها ابن خلدون العرب المستعربة والتي يقال عنها أيضا أنها «عرّبت وخرّبت»؟ . أين نحن من ابن الثاني والعشرين الطموح الذي كتب في النص حول غاندي الذي فاز فيه بزيارة الهند «ان القوة ليست العنف وأن العنف ليس في آخر المطاف سوى ضعف بكثير من الضجة»؟ فهو يضع مساره تحت يافطة مستوحاة من بعض القراءات « كل الأحلام لا تتحقق، لكن ما تحقق من عظيم الأمور كان يوما أضغاث أحلام». و قد تصبح أضغات أحلام المرزوقي كابوسا يزعج من يستيقظ يوم الاثنين 22 ديسمبر لو علم أن المرزوقي فاز في الدورة الثانية للانتخابات لو لم تتدارك النهضة أمرها.

يعزى تسيّس الطبيب الحقوقي المفحم بحب الاعتراف للقمع السياسي الأعمى. لولاه لما دخل الحقوقي غمار السياسة. ولبقي أديبا هاويا ينشر على نفقته الخاصة. وتتحمل النهضة المسؤولية كاملة في تغذية نرجسيته. فهي التي نفخت في صورته وأوصلته لمنصب رئيس عمل جاهدا للحط من هيبته. وتخاطر اليوم باستقرار تونس بمواصلة دعم شخصية معقدة تشكو من عقد وتنتظر من يلج خباياها.

بقلم: حمادي الرديسي نقلا عن جريدة المغرب