يلوّحون ويهتفون بأصوات بدأت خافتة ثمّ سرعان ما علت مندّدة بجرعة الاهتمام الزائدة الذي تبديه حكومتهم إزاء الهجوم الذي تعرّضت له صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الأسبوع الماضي، في وقت تجتاح فيه مجموعة "بوكو حرام" المسلّحة، منطقة أقصى الشمال وتكثّف من هجماتها ضد الوحدات العسكرية المتمركزة فيها. احتقان وغليان ينذر بنفاذ صبر حيال دبلوماسية تهتم بمجاملة باريس على حساب أمن وسلامة السكان الكاميرونيين، بحسب شهادات للأناضول.

فإن كان موقف الرئيس الكاميروني "بول بيا" جاء فوريا إثر الهجوم الذي تعرّضت له الصحيفة الفرنسية، فإنّه لازم الصمت حيال انتهاكات "بوكو حرام" الأخيرة في منطقة أقصى الشمال الكاميروني. مفارقة أورثت الكاميرونيين انطباعا بأنّ حكومتهم مهتمة بمجاملة باريس أكثر من اهتمامها بأمن سكانها المحلّيين، دون أن يغفلوا –بطبيعة الحال- الجهود المبذولة من قبل الجيش الكاميروني لمنع تقدّم المجموعة الإرهابية في المنطقة.

فالهجمات التي تقودها الوحدات العسكرية في الشمال تشكّل جدار صدّ بالنسبة لـ "بوكو حرام"، وهي أيضا السبب في مقتل 5 عناصر من المجموعة المسلحة، عثر، الأربعاء الماضي، على جثثهم تحت جسر يقع على الحدود مع نيجيريا، بحسب ما كشفه مصدر أمني كاميروني للأناضول.

وأوضح المصدر نفسه، مفضلا عدم الكشف عن هويته، أنّ "إرهابيين آخرين قضوا، بداية الأسبوع الجاري، في هجوم استهدف (منطقة) كولوفاتا. الهجوم نفسه، والذي قادته المجموعة المسلّحة، أسفر عن مقتل جندي كاميروني وإصابة 4 آخرين.

وينضاف هذا الهجوم إلى لائحة طويلة من الهجمات التي شنّتها "بوكو حرام" على الأراضي الكاميرونية، وخسر الجيش، خلال التصدّي لها، عددا من أفراده.

ورغم الخسائر الفادحة سواء البشرية أو المادية التي تكبّدها الجيش والمدنيون الكاميرونيون، إلاّ أنّ الرئيس "بيا" بدا متمسّكا بالصمت، حيث لم تسجّل له أيّ زيارة ميدانية لمعاينة حيثيات ما يجري وجسّ نبض الأحداث على الأرض ومواساة الضحايا، ولا خطابا ولا حتى مؤتمرا صحفيا أو مجرّد كلمة تتلى في نشرات الأخبار اليومية.

موقف يختلف جذريا مع ردّة فعله حيال الهجوم الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوع المنقضي، فلقد سارع "بيا"، في السابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، وبمجرّد وقوع الحادثة، ببعث رسالة تعزية رسمية ومواساة للرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند"، نشرتها الرئاسية الكاميرونية، وجاء فيها ما يلي: "علمت بحزن بالغ بالهجوم الجبان الذي جدّ في باريس ضد الصحيفة الأسبوعية شارلي إيبدو، والذي أسفر عن مقتل العديد من مواطنيكم. أدين بشدّة هذا العمل الشنيع لأتباع العنف والإرهاب، وأعرب لكم وللشعب الفرنسي عن تضامني".

موقف فجّر بركان الغضب الكامن في نفوس كاميرونيين. "جيروم إيسيندي"، مدرّس بأحد المعاهد الثانوية في العاصمة ياوندي، قال بانفعال في تصريح للأناضول "الرئيس الكاميروني يتحرّك بسرعة حين يتعلّق الأمر بفرنسا.. كم من مرّة بعث برسالة مساندة للجنود الذين يحمون بلادنا ضدّ بوكو حرام؟".

"إنّها متلازمة المستعمر"، يقول "إيميل باندزي" للأناضول، وهو أيضا مدرّس بمعهد ثانوي، "فعوض أن يقوم بإطفاء الحريق الذي يلتهم منزله، يسرع بول بيا للنفخ على شرارة صغيرة في منزل جاره، فقط لكسب رضا الرئيس الفر نسي"، مضيفا "شخصيا، يجتاحني شعور عارم بالغضب لرؤية كلّ ذلك الحماس في البكاء إلى جانب الفرنسيين، مقابل تجاهل وعدم اكتراث إزاء المشاكل التي تمسّنا بصفة مباشرة".

الإحباط ذاته يعمّ بعض الوحدات العسكرية على الأرض، بسبب ما اعتبرته "نقصا في الاهتمام" بشأنها. "نحسد الوحدات التي تحظى بزيارات من قبل رؤساء بلدانها، وحضور السيد بيا إلى مواقعنا من شأنه أن يحفّزنا"، يقول بتذمّر ضابط كاميروني رفيع المستوى فضّل عدم الكشف عن هويته، موضحا للأناضول أنّ "مجرّد زيارة من الرئيس ستكون بمثابة رسالة مساندة لنا في خضم مواجهاتنا مع بوكو حرام، خصوصا وأنّ هجمات هذه المجموعة الارهابية شبه يومية ونحن نعيش ضغطا هائلا".

وكان زعيم المجموعة المسلّحة "أبو بكر شيكاو" أصدر، الأسبوع الماضي، شريط فيديو، هدّد من خلاله الرئيس "بيا" والشعب الكاميروني، قائلا "ستنالون ضربات بنفس الصلابة التي نالت نيجيريا". تهديد لم يحرّك الرئيس الكاميروني حياله ساكنا إلى اليوم، ولم يعقّب عنه بكلمة واحدة.