لماذا لن يعدموا مريم يحيى؟ السودان مهدد بفقدان مساعدات انسانية ومالية مباشرة تبلغ 381 مليون دولار لهذا العام
• سوف يفقد السودان مساعدات انسانية تبلغ 369 مليون دولار
• كما سيفقد مساعدات مالية مباشرة من الولايات المتحدة في حدود 12 مليون دولار
• النظام في الخرطوم يتصدر الأخبار العالمية للأسباب الخـطـأ

بعيداً عن السياق القانوني للأزمة المفتعلة لحكومة عمر البشير وقضائه الفاسـد، لن يتجرأ نظام الخرطوم على إعدام مريم يحيى إبراهيم خوفـاً من التلميحات الذكية من الولايات المتحدة بقطع مساعدات إنسانية ومالية مباشرة للسودان تبلغ قيمتها 381 مليون دولار لهـذا العام فـقـط (2014). يأتي هـذا كنتيجة لموقف وحملة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان السودانية والإقليمية والدولية.
السياق القانوني لحكم الردة في حق مريم يحيى في قمة السذاجة والغباء المهني والسياسي، ولا شك أنَّ محكمة الاستئناف التي تنـظر في الأمر ستجد المخرج المناسب – اجرائيـاً – بشطب الإدانة، ولن تخوض في الموضوع حول "حد الردة" حتى تتجنب مزيداً من الحرج الفقهي والقانوني خاصة ما يتعلق بحرية الاعتقاد وما نص عليه دستور 2005. المخرج سيكون ببطلان الاجراءات التي اتبعتها محكمة الموضوع، وأنها خطأت في كـذا وكـذا من الناحية الاجرائية.
هـذا المخرج والذي سيتم إملائـه على المحكمة الاستئنافية بواسطة الجهاز التـنـفـيـذي يضع في الاعتبار موقف الولايات المتحدة الأمريكية وتلويحها بملف المساعدات الأمريكية وحلفائها بطريقة ذكية. ولن تستطع حكومة الإنـقـاذ مغالبة ضعفها أمام مساعدات تبلغ مئات الملايين من الدولارات وهي التي يسيل لعابها لسرقة مدخرات المغتربين تحت كافة المسميات.
قامت الولايات المتحدة بكشف حجم (المساعدات الإنسانية) التي تمنحها لحكومة الخرطوم لهذا العام والتي بلغت 216 مليون دولار. كما حصلت محطة السي إن إن (CNN) على معلومات بالمساعدات التي يحصل عليها السودان هذا العام من أمريكا وعدة دول أوربية بلغت في مجملها 369 مليون دولار تمنحها كل من الولايات المتحدة (216 مليون دولار)، الاتحاد الأوربي (48 مليون دولار)، المملكة المتحدة (48 مليون دولار)، السويد )12 مليون دولار(، الأمم المتحدة (27 مليون دولار)، واليابان (18 مليون دولار).
كما كشفت السي إن إن عن حجم الدعم المالي المباشر الذي تتلقاه الخرطوم هذا العام من أمريكا ويبلغ حجمه 11.9 مليون دولار تحت بنود (وهمية) تفاصيلها كالآتي:
• 5 مليون دولار للمصالحة، في بلد يحكمه نظام شمولي واقصائي وتـتـزايد فيه وتيرة حرب نظام الخرطوم في كل الجهات من دارفور إلى جنوب كردفان، إلى النيل الأزرق. وتذهب هذه الملايين الخمسة للمحسوبية والفاسدين داخل المؤتمر الوطني ومن وآلاهم.
• 4.4 مليون دولار تحت بند المجتمع المدني، في بلد يغلق فيه النظام منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ويضيق الخناق على القليل المتبقي منها ويعتـقـل ناشطي المجتمع المدني ويلقي بهم في السجون. وتذهب أموال هذا البند للأجهزة الأمنية وفروعها التي أنشأها النظام بصفتها منظمات مجتمع مدني كبديل للمنظمات والمؤسسات الفاعلة والمتفاعلة مع قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتي قام بإغلاقها.
• 1.5 مليون دولار للنشاط الديمقراطي، في بلد تحكمه شمولية قاتلة وقابضة على مفاصل الحياة والقرار. وتـذهب أموال هذا البند للموالين من الأحزاب الضعيفة ولشراء زعماء القبائل والعشائر.
• مليون دولار لحفظ السلام، في بـلـد يعمل فيه نظام الخرطوم على قتل السلام وتأجيج الحروب وتوجيه آليات تنظيماته وتشكيلاته العسكرية ضد المدنيين في مختلف أنحاء السودان خاصة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وتذهب أموال هذا البند لتمويل المليشيات العسكرية غير النظامية خاصة ما تعارف عليه حديثـاً بقوات الدعم السريع (الجنجويد).
تكرر محطة تلفزيون السي إن إن، ليومين متتالين، الخميس والجمعة 29 و30 مايو هذا الخبر وتداعياته على حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان في السودان. وهـكـذا يعـود السودان لصدارة الأخبار العالمية للأسباب الخطـأ ولمواقف نظام الخرطوم من قضايا حقوق الإنسان بما فيها حرية الاعتقاد.
الكشف عن حجم المساعدات الانسانية والمالية المباشرة التي تتلقاها الخرطوم في هذا الوقت، هي رسالة للخرطوم بوقف اعدام مريم يحيى إبراهيم. وكانت المتحدثة بإسم البيت الأبيض تحدثت لمحطة السي إن إن أنَّ المجهودات جارية مع النظام السوداني لوقف إعدام مريم يحيى دون الخوض في التهديد بقطع المساعدات ولكنها أبقت الباب مواربـاً أما هذا الاحتمال.
ما قامت به الخرطوم من محاولة لصرف أنظار السودانيين والمتابعين عن قضايا الفساد المستشري وسط المسئولين وإصدارها لحكم إعدام بالردة على إمرأة سودانية تقول بأنها مسيجية، تـرتـد تلك المحاولة على عنـقها وتعرضها لموقف دولي يكشف حجم وأفعال النظام في الخرطوم. بـل يكشف حجم الدعم المالي المباشر الذي تتلقاه الخرطوم من واشنطن في وقت تـدعي فيه الخرطوم أنَّ واشنطن تمارس عليها حصاراً بينما تقدم لها واشنطن ذلك الدعم السخي، وتقبله الخرطوم في دناءة ووضاعة. وتريد واشنطن كشف حجم المساعدات المالية المباشرة التي تتلقاها الخرطوم كل عام من الولايات المتحدة. في هذا العام فقط تحصل الخرطوم على 12 مليون دولار مساعدة مالية مباشرة من الخرطوم. ويبدو هذا الكشف في حجم الفضيحة لدولة تدعي سوء العلاقة على كافة الأصعد مع واشنطن.
لـن تفرط الخرطوم في هـذه الثروة التي تمكنها من تسيير أمورها وضبط إيقاع أجهزتها الأمنية والجنجويدية وإلا لإنقلبت عليها هذه الأجهزة لعدم وفائها بإلتزاماتها المالية. واشنطن تدرك ذلك ولذا تبدو واثـقـة أنها حتى الآن تبحث عن خيارات أخرى لإثناء الخرطوم عن تـنـفـيـذ حكم الردة على مريم يحيى. وسوف تـنـجح.
 

 

*نقلا عن صحيفة الراكوبة