قُتلت سلوى بو قعيقيص، وهي محامية ليبية وشخصية بارزة إبان الثورة ضد القذافي عام 2011، في منزلها ببنغازي في 25 يونيو حزيران من قبل كوماندو مسلح.كما اختطف زوجها، عصام الغرياني.أما حارس منزلها، فقد أصيب أثناء الهجوم وتعرض للتعذيب قبل أن يُقتل يومين بعد ذلك. وفي 3 يوليوز تموز، قتل ناصر بن زبلح، القاضي المكلف بالقضية.

وهذا هو نص الرسالة التي وجهتها للعالم ابنتا أخ الفقيدة: ريما ولينا بو قعيقيص.

"ستبقين هنا"."دم الشهداء ما 'يمشيش' هباء".يتردد صدا هذه الكلمات اليوم أكثر من أي وقت مضى.

 قُتلت سلوى بو قعيقيص في عقر بيتها ببنغازي مساء يوم الأربعاء 25 يونيو. كانت محامية ملتزمة وسياسية وناشطة في مجال حقوق الإنسان. بالنسبة لليبيين، جسدت سلوى التغيير الذي كانت تطمح إليه البلاد. كانت جريئة وشجاعة وعنيدة. كانت أمّا وزوجة وابنة وأختا. كانت عمتنا. ليبيا بلادها، لم يتوقف نضالها لرؤية ليبيا التي لم نجرؤ حتى على تخيلها قبل فبراير 2011.

 آلاف الكلمات تراودنا ونحن نحاول فهم المشاعر المنبعثة عن هذه الجريمة النكراء، لكن لا شيء قادر على وصف المعاناة والألم والارتباك الذي يسيطر على كل واحد منا، والذي يعكس كذلك المعاناة والألم والارتباك الذي تعاني منه ليبيا في الوقت الراهن. ليبيا التي كانت تؤمن بها عمتنا سلوى، ليبيا التي وهبت حياتها لأجلها. كل مكالمة أو صورة أو مقالة أو رسالة أو بريد إلكتروني أو ذكرى، كل ذلك لا يزيد سوى من الألم والغضب والسخط الذي نحس به. نأمل أيضا أن نسمع أخبارا سارة عن زوجها، العم عصام الغرياني، الذي اختطف من منزله في نفس الليلة التي قُتلت فيها سلوى.

 نتذكر تاريخ يونيو حزيران 2011، كانت رحلتنا الأولى نحو ليبيا "الحرة". اكتشفنا مدينتنا من جديد، ليس فقط بالتجوال عبر شوارع بنغازي، ولكن من خلال القصص التي حكتها لنا العائلة هناك. استمعنا وبقية العائلة للعمة سلوى والعمة إيمان، تصفان بحماس ما كنا، ومعنا الآلاف من الليبيين الذين يعيشون في الخارج، نتابعه من تفاصيل عبر أجهزة الإعلام بشغف كبير. حكتا لنا كيف بدأت الثورة، كمظاهرة بسيطة خارج المحكمة في شمال بنغازي. وبنفس هذه الحيوية ونفس التفاني، نتذكر اليوم عمتنا سلوى.

آخر مرة رأيناها فيها كانت في مارس آذار في واشنطن، بعد أسبوع قضته في نيويورك، بمناسبة مشاركتها في الدورة السنوية للجنة الأمم المتحدة المخصصة لوضع المرأة. كانت دائما متحمسة وملتزمة بالنضال من أجل ليبيا أفضل، بالضبط كما كانت في الأيام الأولى للثورة قبل ثلاث سنوات،لم يكن لديها شك في أن ما تقوم به هي وزملاؤها وعائلتها وأصدقاؤها سيساهم في تغيير وجه البلاد. عندما سألناها عما إذا كانت تفكر في مغادرة ليبيا لبعض الوقت، كما فعل العديد من مواطنيها، أو تفكر في التوقف مؤقتا عن أنشطتها، خصوصا مع تدهور الأوضاع، أجابت: "كيف يمكن أن أفعل شيئا من هذا؟، لقد كنت هنا منذ البداية! وسوف أستمر حتى النهاية".

على مدى عقود، تخلت أجيال من الليبيين عن الشعور بأي اعتزاز لانتمائهم لبلدهم ليبيا، لقد فقدوا معنى حب الوطن. أطفالا كنا أم شبابا، لم نتمكن من فهم الرابط الوشيج مع الوطن كما هو شأن أمهاتنا وآبائنا الذين حافظوا عليه، حتى خلال سنوات المنفى. لكن بفضل سلوى تعلمنا كيف نحب وطننا.

كانت سلوى تؤمن بمستقبل أفضل، ليس فقط لعائلتها وأطفالها، لكن لجميع مواطنيها. أما الليبيون الذين لم يلتقوا بها قط، فهناك من يقدرها وهناك أيضا من يحارب أفكارها. تظن أن كل الليبيين يستحقون أن تعلو الابتسامة على وجوههم وأن كل إنسان يستحق أن يعيش حياة كريمة.

 عادت سلوى إلى بنغازي رغم التهديدات التي تلقتها مؤخرا لدفعها للتصويت في الانتخابات البرلمانية يوم 25 يونيو حزيران وتشجيع المواطنين على نفس الأمر. كان حبها لليبيا لا يوصف، كان تفانيها والتزامها كبيرا ألهم الآلاف من الناس داخل ليبيا وعبر العالم.

سلوى تعيش بيننا. ليس هناك ماضي يتحدث عن أبطالنا. إرثها سيبقى خالدا وعملها من أجل ليبيا ديمقراطية مسالمة ومتسامحة سوف يستمر حتى يتحقق الهدف المنشود. كانت قوية ليس فقط لأن لديها رؤية، لكن أيضا لأنها ألهمت وعبأت وأيقظت أجمل الطموحات في كل واحد منا.

قُتلت سلوى بو قعيقيص، لكن الثورة الليبية، تلك الرغبة الجامحة في التغيير لازالت حية متقدة. لقد نورت لنا الطريق، مثل العديد من الشهداء الآخرين، مشاهير كانوا أم مجهولين، لذا لن نتوقف حتى يستيقظ أطفالنا وأحفادنا على ليبيا آمنة وحرة وديمقراطية. لقد سرقت منا سلوى، لكنها ستعيش في قلوبنا إلى الأبد وسيبقى إرثها خالدا بيننا. مهما كان الجرح مؤلما لن ينال من أحلامنا وآمالنا.

 وعلى حد قول محمد النبوس، وطني وشهيد ليبي آخر: "لست خائفا من الموت، لكني أخشى أن أخسر المعركة". أما نحن، فلن نخسر هذه المعركة.