قال كلاوديو كوردوني، مدير قسم حقوق الانسان وسيادة القانون في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إنه يستبعد حدوث اي تدخل عسكري دولي تحت مظلة الأمم المتحدة لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا في المستقبل القريب.

 وأصاف كوردوني إلى أن «أقصى ما يمكن ان يحدث على الصعيد العسكري هو ضربات عسكرية جوية لبعض مناطق نفوذ وامتداد قوات «تنظيم الدولة الاسلامية» في البلاد.«

وكان كوردوني يتحدث في مؤتمر بعنوان «العدالة الانتقالية في ليبيا» عُقد في «كلية الدراسات الشرقية والافريقية (سواس)» في جامعة لندن ونظمته جمعية «نبر السياسات» و«معهد الشرق الاوسط» في الجامعة، إلى جانب عدد من الخبراء والخبيرات في الشأن الليبي من «المحكمة الجنائية الدولية» ومنظمتي «العفو الدولية» و»هيومان رايتس ووتش» ومن المحامين والمثقفين الليبيين والأجانب.

وحسب صحيفة القدس العربي اللندنية التي نشرت تقريرا عن المؤتمر، فإن من أبرز ما قاله كوردوني، الإيطالي الجنسية والذي يحتل منصبه منذ عام 2013، «إن الدول الكبرى، التي شاركت قواتها في قلب نظام العقيد معمر القذافي، تخشى إرسال المزيد من القوات حالياً لتجنب حدوث المزيد من الضحايا لدى هذه القوات في ظل حالة الفوضى الأمنية المنتشرة في البلد، وتفضل التوصل الى حلول ليبية داخلية سياسية. بيد أنه نبه الى أن «تنظيم الدولة الاسلامية» (داعش) متواجد في ليبيا حالياً، والى إمكان زيادة انتشاره في البلد عبر انخراطه في إحدى المجموعات الليبية. وهذا الأمر الذي يقلق هذه الدول، ولذلك فهي تخطط لإمكان مواجهته عسكرياً من الجو.»

ولكنه استبعد ايضا ان يكون هدف احدى الدول الغربية (امريكا او فرنسا) السعي الى إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا تشرف على مصالح الغرب في شمالي افريقيا ودول أفريقية اخرى.

وهناك ميليندا تايلور، المحامية التي تعمل في «المحكمة الجنائية الدولية»، كما دافعت عن حقوق موقوفين بارزين من دون محاكمتهم في محاكم تتبع مقاييس عادلة ودولية (وبينهم سيف الاسلام القذافي وموقوفون ليبيون سياسيون آخرون ومنشيء موقع ويكيليكس جوليان آسانج). فقد تساءلت: «هل تتم خدمة العدالة الدولية عندما تستمر ليبيا بعدم تسليم سيف الاسلام القذافي الى «المحكمة الجنائية الدولية» حتى عام 2014، ثم تتذرع آنذاك بعدم وجود حكومة للقيام بهذا التسليم إذ ما زال سيف الاسلام موقوفاً حتى الآن ومن دون محاكمة، أم أنّ العدالة الانتقالية التي تُنَفذ في ليبيا حاليا هي عدالة ناقصة، وهي عدالة انتقائية تستثني جرائم تقوم بها ميليشيات الثورة الليبية»؟

وأجابت انه ليس من الممكن الاعتبار أن العدالة نُفذت عندما تجري محاكمات «نصف عادلة»، وان جرائم بحق الانسانية تُرتكب عندما تتم التوقيفات الانتقائية والاعتباطية الطويلة الأمد، من دون محاكمة، ولهذا الهدف أُنشئت «المحكمة الجنائية الدولية».

ثم أضافت انه اذا شاءت المحكمة الجنائية إرسال مذكرة استجلاب بحق متهم في ليبيا فإنها مضطرة الى إرسالها الى ثلاث وزارات للعدل (في ضوء وجود ثلاث حكومات). كما ان المحكمة الجنائية تفتقد الى تمويل كافٍ ودعم من امريكا التي هي ليست عضوا في المحكمة. وهذه الامور تزيد التعقيد في تطبيق العدالة الحقيقية.

واكدت حنان صالح، من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي عملت ميدانيا في ليبيا مع «منظمة الصليب الاحمر الدولية» وقامت بزيارة أماكن توقيف المتهمين في ليبيا، أنه منذ عام 2011 وحتى الساعة قلما نجد موقوفا سياسياً واحدا بين آلاف الموقوفين في السجون الليبية من الذين انتسبوا الى القوات التي حاربت نظام القذافي، بينما يمارس التعذيب وحتى القتل إزاء موقوفين من مؤيدي النظام السابق، كما يجري التهويل او الإيذاء بحق محامين وقضاة يدافعون عنهم او يحاكمونهم. وقد قُتل عدد من المحامين وهاجر آخرون الى تونس والأردن. وأكثر من ثمانين في المئة من الموقوفين أوقفوا لأشهر وسنوات من دون محاكمة. كما أنه، وحتى السنة الماضية، بعض منهم حوكم وصدرت أحكام ضدهم، منها أحكام بالإعدام من دون أن يستطيع محاموهم الحصول على وثائق الاتهام لممارسة مهمة الدفاع عنهم. وهذا الأمر انطبق على كبار وصغار الموقوفين من مؤيدي النظام السابق.

أما بالنسبة الى ماذا يتوقع كوردوني، مدير قسم حقوق الإنسان الأممي في ليبيا، بالنسبة الى مصير سيف الاسلام القذافين فأجاب (على هامش المؤتمر) انه يتوقع ان يبقى في المكان المحتجز فيه لدى «كتائب الزنتان» لفترة طويلة وانه لا يتوقع له اي دور في اي تطورات قد تحدث في ليبيا في المدى القصير.

وهذه التطورات، بالنسبة لكوردوني، مرتبطة بنوعية القضاة الذين سيعينون في «مفوضية الحقيقة». فإذا كانوا جيدين، ربما يطورون الوضع الحالي الى الأفضل. كما قال إن «المحكمة الجنائية الدولية» تنتظر تقريرنا (أي تقرير بعثه الأمم المتحدة الى ليبيا) بالنسبة الى إرسال مدير الاستخبارات الليبية السابق، عبد الله السنوسي، للمحاكمة في لاهاي أو لا، وإن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تتعاون مع «المحكمة الجنائية الدولية» ولكنها ليست مكلفة القيام بأبحاث لحسابها. واعتبر كوردوني أن وجود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ساهم الى حد ما في تحقيق بعض الأمور، وهناك جهات ليبية احترمت هذا الوجود فيما لم ترحب جهات اخرى بوجودها، ولكن الكثير من القتل والدمار حدث في السنوات الخمس الاخيرة، وهذا مؤسف، حسب قوله. 

وأضاف أنه من الممكن ان تتوصل «لجنة إنشاء دستور جديد»، التي بدأت عملها في ربيع عام 2014، الى نتائج علما أنها تحظى بتأييد برلماني ليبيا المتنازعين على الشرعية وأن يصبح بالإمكان تنظيم انتخابات عامة وبعد ذلك قد يصبح من الممكن تأليف حكومة ناتجة عن هذا البرلمان المنتخب والنابعة من اتفاق بين الليبيين أنفسهم بدعم من مجلس الأمن.

ومن الطروحات التي قدمها للضغط على الجهات المانعة لتطبيق العدالة في ليبيا، منعها من السفر الى الخارج بقرار من مجلس الأمن او استقدام قضاة من الخارج للمشاركة مع القضاة الليبيين في المحاكمات السياسية في ليبيا في مستقبل العدالة في ليبيا.

وأكد الدكتور مبروك درباش، في مداخلته في المؤتمر، ان الميليشيات تتحكم في كل شيء في ليبيا حالياً حتى لو تواجدت برلمانات وحكومات ومحاكم، وأن قادة هذه الميليشيات يتصرفون بشكل أسوأ من قادة النظام الليبي السابق مما أدى الى هجرة داخلية وخارجية ضخمة في ليبيا فاقت المليوني مهاجر، وعدد كبير منهم يسعون الى اللجوء في الخارج فيما يعتقد الميليشيات وقادتهم أنهم وحدهم يملكون حق استمرار أو وقف هذه الحرب المدمرة للبلد. ودرباش أستاذ جامعي اضطر الى الهجرة من بلده والعمل في الخارج.

واستطرد درباش قائلاً إن بعض قادة هذه الميليشيات يتم اختيارهم كوزراء ونواب، وإن الآلاف من المتابعين لمنظمات إرهابية داخلية واقليمية يقودون ليبيا حاليا، وتقف الدول الكبرى والأمم المتحدة متفرجة على هذا الوضع ولا تفعل شيئا لتغييره، ولا تسأل الليبيين عما يرغبون بأن يحدث في بلادهم.

واستنتج أن منظمة «القاعدة» واشباهها يقودون ليبيا في المرحلة الحالية وأن الامور في أسوأ أحوالها، وقد تزداد سوءاً.

اما ماغدالينا مُغربي، المتخصصة في الشؤون الليبية والتونسية في «منظمة العفو الدولية» (امنستي انترناشونال)، فقالت إن أكثر من ألف ومئتي شخص قتلوا في مجزرة سجن ابو سليم خلال حكم النظام السابق، وحتى الساعة لا نعرف ماذا حدث للضحايا. و«العدالة الانتقالية» الممارسة حاليا، برأيها، ليست أفضل من «العدالة» السابقة خلال نظام القذافي.

وانتقدت المحامية الهام سعودي، مديرة «جمعية المحامين من أجل العدالة في ليبيا»، ممارسات الأجهزة والمجالس السياسية الحالية في ليبيا التي تصدر القانون تلو القانون ولكنها لا تنفذ ما ورد في هذه القوانين. وهذا ينفي اي وجود لحكم القانون حسب الشرائع الدولية والانسانية وهو ليس اكثر من عدالة الفرق «الثوروية» غير الخاضعة للمحاسبة والتي تؤدي الى ممارسة ما سمته «الانتقام القانوني من الخصوم». وكل مَن ينتقد هذا الواقع، يتم اتهامه بالخيانة.