الكاتبة المصرية سهير المصادفة أصدرت منذ يومين عن دار «سما» للنشر طبعة جديدة من روايتها «لهو الأبالسة»، وهي الرواية التي أثارت جدلا سنة 2010، حين قدّم عضو البرلمان عن جماعة الإخوان المسلمين، حمدي حسين زهران طلبا بمصادرتها، ممّا أثار استياء المثقفين الذين اعتبروا ذلك نوعا من الوصاية على الإبداع وتقييده.

لئن كانت رواية “لهو الأبالسة” العمل السردي الأوّل للكاتبة سهير المصادفة، فإن طبيعة تلقّيها من قبل القراء اختلفت عن طبيعة تلقي الأعمال الأولى للكتّاب، إذ صاحبت نشرها مواقف متنوّعة منها يمكن تصنيفها إلى موقفين: أولهما موقف مثمّن لمتنها الحكائي ولأساليبها الفنية، يمثّله النقاد والمهتمّون بالسرد عامة، وثانيهما موقف مطالب بمصادرتها لكونها تتعامل بجرأة مع المسكوت عنه وتمسّ من طهرانية المقدّسات، وهو موقف عبّرت عنه جماعة الإخوان المسلمين.

 

ماء الشعر

منذ صدور رواية “لهو الأبالسة” كُتبت عنها عشرات المقالات والدراسات، حيث ذهب الباحث فاروق شوشة إلى القول بأن في الرواية إضافة وتميزا، فهي تحتوي أسلوبا مختلفا، استخدمت فيه كاتبتها اللغة كأساس للعمل الروائي إذ مزجت فيها بين الحكاية الشعبية والحكايات الغريبة، فكانت روايتها تمثل نموذجا فريدا يضاف إلى الأعمال السردية التي تركت بصمة في الثقافة العربية.

الناقد العراقي أمجد سعيد يقول إنّ “رواية المصادفة مثل لهو الأبالسة يفسدها التلخيص ويشوّهها، ويقتل أروع ما فيها، وهو شاعريتها غير المستغربة من كاتبة هي شاعرة في المقام الأول. لقد نجحت في أن تتيح لماء شاعريتها وكيميائيته انسكابا حارا على كل سطر في روايتها البديعة، وأن تحقق مستوى عاليا من الأداء اللغوي، هو ما نفتقده في كثير من روايات هذا الزمان، التي يظن أصحابها أنهم بإتقان فن القص أو السرد وحده يحققون الغاية ويبلغون المنتهى، بينما تظل لغتهم فقيرة عاجزة عن تحقيق هذه المتعة الخالصة التي لا تحققها إلا الكتابة الأدبية الرفيعة”.

نص مغاير

الفلسطيني أحمد دحبور يرى أن الكاتبة سهير المصادفة “قد دخلت واثقة من أهدافها إلى عالم الرواية العربية، واستطاعت أن تسجل اسمها بين الأسماء الروائية العربية المبدعة، وأنها طرقت بجدية أبواب الرواية العالمية. يشهد على ذلك، الجهد التأسيسي الخلاق الذي تتميز به رواية “لهو الأبالسة”، باعتبارها عملا روائيا بكرا للكاتبة بعد أن نشرت عدة دواوين شعرية.

ولا شك في أن سببين اجتمعا لهذه الرواية حتى كان لها وقع الصدمة، السبب الأول هو ما تقدّمت الإشارة إليه من اجتراح أدوات الواقعية السحرية، حيث الواقع جارح وأليم ومنتسب إلى المدرسة الطبيعية التي تتحرّى الغرائز البشرية وتفضح أسرارها الجوانية، فيما يلبس الخيال والأعجوبة لبوس السحر حيث يرى الناس ما يحسون به لا ما يقع أمامهم. والسبب الثاني هو ما أوتي للكاتبة من جسارة وجرأة على المسكوت عنه، في مجتمع شرقي يكاد لا يغفر للمرأة وجودها، فما بالك بها وهي امرأة هدّمت الحائط الذي يفصل أسرارها عن المجتمع؟”.

ولا يخفى أن شعرية “لهو الأبالسة” المتدفقة أتاحت لها الرؤية الأفقية الشاسعة، وتلك النظرة العمودية ببعديها، العميقة الغائصة في أعماق النفس البشرية وطبقاتها التي يتراكم فيها موروث هائل من المعتقدات والقناعات ومخلفات الأسلاف.

مزجت سهير المصادفة في روايتها بين الحكاية الشعبية والغرائبية واللامعقول، لإنتاج نص سرديّ مغاير تمام المغايرة عن نصوص سردية عربية كثيرة، فهو يعمل -أي النص- على خرق المنطق والقانون الطبيعي، لكنه في الوقت ذاته، يعمل على تأسيس منطقه وقانونه الخاص به، ليحقق التماثل بين البنية الاجتماعية- الاقتصادية- السياسية، وبين بنية الرواية، وتعميق الجوهر المفارقي المتأصل فيه.

لقد شكلت رواية “لهو الأبالسة” مفاجأة حقيقية، لأنها تنمّ عن أن وراءها كاتبة ذات خيال روائي خلاق، وبالطبع كان للخلفية الشعرية لدى الكاتبة أثر ممتدّ عبر الرواية، حيث كانت اللغة هي البطل داخل الحدث الروائي.

يذكر أن سهير المصادفة، شاعرة وروائية مصرية، حصلت على الدكتوراه في الفلسفة عام 1994 من موسكو، وهي عضو باتحاد كتاب مصر، عملت رئيسا لتحرير سلسلة كتابات جديدة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والمشرف العام على سلسلة الجوائز بالهيئة، وكانت عضو اللجنة التنفيذية في مشروع مكتبة الأسرة، وعضو اللجنة التحضيرية للنشاط الثقافي في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

 

*نقلا عن العرب اللندنية